المؤثرون بين التقنين والتأثير !

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بما أني تطرقت لموضوع مرتبط بالمؤثرين في آخر عمود سأتطرق لموضوع مهم وهو عملية تنظيم العلاقة بين الجهات وخاصة الحكومية مع استخدام المؤثرين ضمن حملاتهم الإعلامية، فهناك فرق بين وجود مؤثر يستلم مبلغاً مقابل تقديم خدمة التغطية الإعلامية والنشر في حسابهم للوصول للمتابعين، والمؤثر المدعو للحدث أو الفعالية دون مقابل كجزء من الدعم إذا لم يكن الموضوع ربحياً.

ففي ظل تزايد الاعتماد على المؤثرين في الحملات الإعلامية، أصبح من الضروري التوقف عند طبيعة العلاقة التي تجمع الجهات الحكومية والخاصة بالمؤثرين، خاصة عندما يتعلق الأمر بتنظيم الفعاليات أو الترويج عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهذه العلاقة لا تزال تعاني من غياب إطار واضح يحدد الأدوار، ويضمن التوازن بين احترام أهل الاختصاص وتحقيق الأهداف الإعلامية.

برزت لنا في السنوات الأخيرة حالات واضحة يظهر فيها المؤثرون في الصفوف الأولى للفعاليات، لا لشيء سوى لشهرتهم وعدد متابعيهم، بينما يتم تهميش أصحاب الخبرة والكفاءة ممن يرتبطون فعلياً بالمجال.

هذه الإشكالية تعكس الحاجة إلى إصدار دليل تنظيمي يضع ضوابط واضحة للعلاقة بين الجهات والمؤثرين، ويجب أن يفرق هذا الدليل بين المؤثر المدعو كضيف شرف لدعم الفعالية، والمؤثر الذي يُتعاقد معه للإعلان أو الترويج ضمن حملة إعلامية مدفوعة، فلا يُعقل أن يتحول المؤثرون الذين يقدمون خدمات مدفوعة إلى كبار الشخصيات في الفعالية، مما يُضعف من قيمة الحدث، ويهمّش رواده الحقيقيين.

هذه المسألة ظهرت جلياً في أحد المهرجانات الأخيرة، حيث تم دعوة العديد من المؤثرين للحضور والسير على سجاد يميل لونه للأحمر، رغم أن بعضهم لا يمتلك أدنى صلة بعالم المهرجان ولا ما أقيم لسببه، فهؤلاء المؤثرون تصدروا المشهد الإعلامي، وأخذوا مكانهم في الدعوات والبهو الرئيسي، بينما تم تجاهل العديد من رواد وصناع الحدث الحقيقين، أو حتى منعهم من الظهور في الأماكن المخصصة لكبار الشخصيات، عدد من المدعوين من أصحاب الخبرة شعروا بالإهانة نتيجة هذا التجاهل، مما يعكس مدى التدهور الذي يمكن أن يحدث عند تفضيل الشهرة على حساب الكفاءة، ومثل هذه المشاهد لا تؤثر فقط على صورة الفعاليات، بل ترسل رسالة خاطئة حول أولويات التنظيم.

لكن الخطر لا يتوقف عند حدود الحضور في الفعاليات، بل يمتد إلى الإعلانات غير المباشرة التي يقوم بها المؤثرون عبر منصاتهم، فهذه الإعلانات تُعد من أخطر أشكال الترويج؛ لأنها تتسلل إلى حياة المستهلك اليومية دون الإفصاح عن طبيعتها كإعلان مدفوع، وبها يظهر المؤثر، وهو يستخدم منتجاً، أو يتحدث عنه وكأنه جزء من حياته اليومية، مما يُربك المتلقي، ويجعله غير مدرك لطبيعة العلاقة المالية بين المؤثر والجهة المعلنة، وهذا النوع من التسويق لا يضر فقط بثقة الجمهور، بل يساهم في تضليل المستهلك ودفعه لاتخاذ قرارات شراء غير واعية.

لذلك، إلى جانب الدليل التنظيمي، يجب أن تتضمن القوانين إلزام المؤثرين بالإفصاح عن أي محتوى مدفوع بشكل واضح وصريح، فعملية الإفصاح عن الإعلانات ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل هو حق للمستهلك، حتى لا يختلط عليه الإعلان بالعلاقات العامة أو التجارب الشخصية، وهذا معمول به في عدد من الدول التي أثبتت أهمية هذا الإجراء، حيث تفرض بعض الدول على المؤثرين الإفصاح باستخدام عبارات واضحة مثل “إعلان” أو “شراكة مدفوعة”، وهذه الشفافية هي التي تعزز ثقة الجمهور، وتضع حداً للغموض الذي يكتنف الإعلانات غير المباشرة.

المشهد الإعلامي الحالي يفرض على الجهات الحكومية والخاصة أن تتحمل مسؤوليتها في تنظيم العلاقة مع المؤثرين، فعلى الجانب الحكومي يجب أن يصدر مركز الاتصال الوطني دليل تنظيمي يتم فيه تحديد إطار تنظيمي للتعاون المدفوع والغير مدفوع مع المؤثرين، إضافة إلى تفصيل الأدوار في الفعاليات.

كما أن فكرة تقنين عمل المؤثرين عبر إصدار رخصة مهنية تبدو خطوة بالغة الأهمية، وتجربة السعودية في هذا المجال تُعد مثالاً جديراً بالاهتمام، حيث بدأت وزارة الثقافة والإعلام في وضع إطار قانوني يلزم المؤثرين بالحصول على رخصة إذا كانوا يمارسون أنشطة إعلانية عبر حساباتهم، وهذه الرخصة ليست مجرد إجراء تنظيمي، بل وسيلة لضمان التزام المؤثرين بالمعايير الأخلاقية والمهنية، وضمان الشفافية في التعامل مع الجهات المختلفة.

إضافة إلى ذلك، فإن وجود قانون ينظم إطار عمل المؤثرين سيساهم في تعزيز الثقة بين الجمهور والمؤثرين، وسيدعم الجهات الحكومية والخاصة في تحقيق أهدافها الإعلامية بفعالية أكبر، وهذا القانون يمكن أن يشمل أيضاً تصنيفاً واضحاً للمؤثرين بناءً على طبيعة المحتوى الذي يقدمونه، مع إلزامهم بالإفصاح عن أي شراكات مدفوعة لضمان المصداقية

إن العلاقة بين المؤثرين والجهات بحاجة ماسة إلى تنظيم يحقق التوازن بين احترام التخصص واستغلال التأثير الإيجابي للمؤثرين، كما أن الشفافية والإفصاح هما حجر الأساس لأي علاقة ناجحة في هذا السياق، لأن الحملات الإعلامية ليست مجرد أرقام ومتابعين، بل قيم ومصداقية يجب الحفاظ عليها لضمان التأثير الإيجابي والبناء.

نقطة حبر

إذا احترت في عملية التصنيف فاسأل نفسك هذا السؤال "لو محونا رقم متابعيه فماذا سيكون؟"

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق