انبرت بعض المواقع الإعلامية بمجرد الإعلان عن وقف اتفاق إطلاق النار في قطاع غزة، إلى إجراء تحليل ومقارنات ومناقشات مستفيضة حول من (الخاسر أو الرابح) من حرب غزة التي استمرت قرابة 15 شهراً.
في اعتقادي، أن بعد الحروب تحسب "الخسارة والربح" لصالح الطرفين المتحاربين وعليهما أيضاً، ولكن ليس من المناسب الحديث حول ذلك الآن، لوجود أولويات أخرى هامة جداً، من أبرزها ضرورة الالتزام ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، التي يجب أن تؤخذ في اعتبار الطرفين المتفقين، خاصة إسرائيل.
ومن تلك الأولويات أيضاً، ما يختص ما يتعلق بتبادل الأسرى والرهائن والمحتجزين، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية، وعودة النازحين إلى ديارهم شمال القطاع، وتوفير الحماية للسكان المدنيين، وتلبية احتياجاتهم الضرورية من المساعدات الإغاثية والغذائية والطبية والوقود دون عراقيل أو قيود، وفقاً للقانون الإنساني الدولي، وضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.
تلك أمور تعتبر هامة جداً الآن، فالحرب كانت مدمرة بحق، وعانى بسببها الأشقاء في غزة كثيراً، والذين ارتقى منهم قرابة 47 ألفاً نحسبهم عند الله من الشهداء، إلى جانب الجرحى الذين تجاوز عددهم 110 آلاف جريح، منذ السابع من أكتوبر 2023، وذلك بحسب وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية، ناهيك عن الدمار الشامل لكل ما يتعلق بالبنى التحتية في القطاع، لذلك فإن تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع هو المطلوب حالياً وبأسرع وقت.
إن جهود الوساطة الدبلوماسية التي بُذلت للتوصل إلى هذا الاتفاق من قبل مصر وقطر والولايات المتحدة لا شك أنها محل ثناء وتقدير، ولكن ينبغي عدم الإغفال عن مطالبة إسرائيل بالذات بتنفيذ بنود الاتفاق، واحترام ما جاء فيه، وذلك لعلم الجميع أن إسرائيل تاريخياً أكثر من يكسر اتفاقاتها، ولا تحترم وعودها ومواثيقها، لذلك لابد من الضغط عليها للالتزام بالاتفاق وتنفيذ كل بنوده.
وهناك أمر آخر مهم، وهو ضرورة متابعة تنفيذ بيان القادة العرب الصادر في مايو الماضي، خلال الدورة (33) لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة، التي استضافتها مملكتنا الحبيبة (قمة البحرين)، حول العدوان على غزة، خاصة الجزء المتعلق منه بتفعيل دور الآليات الدولية المعنية لإجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، فتلك الجرائم لا يجب أن تمر مرور الكرام، ولا بد من محاسبة المسؤولين عن ارتكابها.
إن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يعتبر في نهاية المطاف تقدماً هاماً، وأمل جديد لدى أهل غزة بالذات، ولكن علينا أن نكون متفائلين وحذرين في ذات الوقت من أي تصرف طائش، من شأنه أن يكسر هذا الاتفاق، أو يعرقل ما جاء فيه.
0 تعليق