تعددت المسميات والإدمان واحد، فالهوس والتعلق والانشغال وتمضية الوقت وعدم العودة إلى الواقع الفعلي وعدم استطاعة العيش دون الهاتف كلها تداعيات لمرض واحد وهو الإدمان، الإدمان الذي غزا كل مواقعنا من بيوتنا ومواقع عملنا وتجمعاتنا الأهلية، حتى وصل بهذا الإدمان أن يقتحم منازلنا، بل الأسوأ من ذلك أنه دخل غرف نومنا.
انقسم مدمنو مواقع التواصل إلى فريقين، فريق منهم يتصفح جميع التطبيقات، ويسافر بين موقع لآخر، وفريق آخر تجاوز مرحلة التصفح إلى مرحلة المشاركة، وكل فريق منهم بات يعاني من الإدمان وبنفس النسبة ولكن بتبعات مختلفة.
الفريق الأول أهمل بيته وأسرته ومحيطه الواقعي ولربما خسر حتى جهده في عمله أو دراسته، وأصبح أسيراً لهاتفه التي يتصفح من خلاله تلك التطبيقات، نعم هو مطلع على كل ما هو جديد، ولكن الجديد هناك هي التوافه والسلبيات ومضيعة الوقت، ناهيك عن ثلة المهرجين وغيرهم من أصحاب المحتوى الهابط ومن على شاكلتهم.
الفريق الآخر من مدمني مواقع التواصل آثر المشاركة على الاكتفاء بالتفرج كالفريق الأول، فأصبح هو الآخر مثاراً للسخرية، والسخرية هنا ليست بسبب التنمر أبداً، بل هي واقع بسبب تفاهة محتوى هذا الفريق وأعضائه، فهم يشاركون من أجل المشاركة فقط والتواجد على هذه الساحة، ولا هم لهم سوى تحميل المقاطع بسبب ولا بسبب، وللألأسف جميعها بلا سبب.
هذا الفريق الثاني انقسم إلى عدة اقسام، منهم أصحاب المحتوى الهابط الذي يعمل على البحث عن نقاط الخلاف والاختلاف، ومنهم من يوثق يومياته بلا هدف وجدوى، ومنهم من انتقل إلى الجانب السياسي ظناً منه بأن هذا المحتوى سيصل به إلى الشهرة عبر أقصر الطرق، وكل تلك الفرق لا جدوى من وجودها ولا أهمية لهم.
الأخطر من تلك الفرق هو نحن، نعم نحن من يتابع ويساهم في نشر هرطقاتهم، ونضغط على زر الإعجاب دون أدنى اكتراث منا بما يقدمونه من تفاهات، لنفاجأ بعد ذلك بأننا ودون قصد قد ساهمنا في تشكيل قاعدة شعبية لهم من جيل جديد لا يدرك فضاعت حساباتهم ومواقعهم.
الحديث عنهم يمتد، بسبب توغلهم في مناحي حياتنا اليومية، حيث ازداد مرض الشهرة لديهم، وأصبحوا يلوحون بعدد متابعيهم حال تعرضهم لأي مشكلة قد تحدث لهم، نحن من جعلناهم أمراً واقعاً وبمتابعتنا لهم أصبحنا قدوة لأبنائنا وأجيالنا القادمة في متابعتهم ومتابعة من على شاكلتهم، في حين لن نصدح بأي اعتراض عليهم وبالتالي اعتبرها الجميع بأنها موافقة على تلك المحتويات الهابطة.
عودة على ذي بدء، فقدنا حياتنا، وفقدنا معها أجمل اللحظات ونحن منكبون على هواتفنا نبحر ونسافر في عالم وهمي لا يحمل إلا التفاهة والسفاهة، وفقدنا بالتالي عالما الحقيقي، وواقعنا الجميل الذي ما إن نستذكره نستذكر معه الزمن الجميل الذي لم تكن به هواتف محمولة ولا تطبيقات كاذبة، بل كان فيه بشر حقيقيون يشعرون بما نشعر به، ويتحدثون بأحاسيس ملموسة لا وهمية، بمجالس تعلم الأدب، وتحافظ على النشء، بتجمعات عائلية يسودها الفرح والابتسامة وصلة الرحم، حتى صلة الرحم في زماننا باتت عبر الـ"إيموجي"!!!!!
0 تعليق