صراعات لوثة التوقيع والنكث

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
أعظم حضارة عرفتها البشرية، تقدم للعالم اليوم أنموذجا عنيفا، ينافي رسوخ وعقلانية الديمقراطية، بجنوح للمزاجية وانعدام المنطقية أثناء ليلة انتقال السلطة بين رؤساء أمريكا، ما يزلزل أسس الوطن ووحدته.

دستور أمريكا الصامد منذ 1788م، أصبح يتطرف بعناد ووحدانية وهدم للقديم، وإعفاءات عن خارجين على القانون، وبما يسمح لجهات خارجية بالتدخل من ثغرات تتحصل بمعرفة نهج كل حزب، ونوايا كل مرشح يفوز بالانتخابات.

وقد بدأت مظاهر هذا الشقاق تتضح في نهاية حكم الرئيس ترامب الأولى 2020، حيث أصدر 143 أمرا للعفو عن أشخاص مدانين، نصفهم عفوا كاملا والبقية تخفيفا عن عقوباتهم، وكان من بينهم شخصيات بارزة ومستشارون سابقون له.

ثم تولى الرئيس بايدن، والذي كان والحزب الديمقراطي ناقمين على أغلب ما قام به الرئيس ترامب في فترة رئاسته من تصرفات وإنجازات وأوامر، فقام بتوقيع سبعة عشر قرارا كيديا تخريبيا حاسما في السياسة الأمريكية ليلة تنصيبه، معظمها تشطب وتعاكس أهم أوامر اتخذها ترامب أثناء فترة حكمه، تحت وطأة الشحن الإعلامي وهياج الانتقادات العظيمة على ما يمر به البلد من تحولات.

وزاد بايدن حركات التشويه والعناد بأن أصدر في نهاية فترته 39 عفوا رئاسيا وتخفيف أحكام عدد 1500 مدان كان على رأسهم ابنه المتهم بعدة قضايا!
ويشتد العناد ليلة تنصيب ترامب الثانية، ليضرب الرقم القياسي في سرعة وعنف أوامر الهدم، بتوقيع أكثر من مئة أمر رئاسي في ليلة تنصيبه، ألغى فيها 78 أمرا تنفيذيا كان قد اعتمدها سلفه بايدن، منها 12 أمرا جذريا حول المساواة العرقية وحقوق المثليين والمتحولين جنسيا ومحاربة الهجرة غير الشرعية، ورفع العقوبات عن مستوطني الضفة الغربية المحتلة، وقلب توجهات علاقات أمريكا مع أغلب الدول العالمية والإقليمية.

ماذا تركت أمريكا للدول السلطوية المتخلفة، وماذا نتوقع نتاج تلك التحديات، التي تشابه لعب الأطفال وعنادهم!

عشوائية قيادية لا شك، ومن المؤكد أن ذلك سيؤثر بقوة على مسارات السياسة الأمريكية داخليا، وعلى علاقاتها الخارجية بكثرة المزاجية والنكث بين مسار فترة وأخرى.

نسيج الدستور الأمريكي للأسف يسمح بذلك، غير أنه لم يُمتَهَن من قبل.

فكان أغلب الرؤساء لا يصدرون أي أوامر ليلة تنصيبهم، مهما كانت الضرورة، بل يتركونها تستوفي الرؤية والدراسة والبحث، ومن ثم إصدارها حسب جدواها وأهميتها وترجيحها من قبل المجلسين النيابيين.

في العقود الماضية لم يصدر الرؤساء جون كنيدي، نيكسون، فورد، ريجان، كارتر، بوش، وبوش الابن، كلينتون وأوباما أي أوامر عاجلة ليالي تنصيبهم.

وهذا يوضح أن دخول المليونير المرعب ترامب سلسلة الحكم كان السبب في استغلال تلك الثغرة الدستورية، لتعظيم الأنا، وكسر الاحترام، وتوسيع الخلاف بين النهج السابق واللاحق، وبطرق قد تعتمد ديدنا للحكام القادمين، بتأثير نشوة فرديتها وسلطويتها على متطلبات سياسات الفترات الرئاسية، وتأثيراتها على أمريكا ومواطنيها، وبما يطعن في قيمة الديمقراطية ويضعف أدوار الحزبين الحاكمين في الضبط.

ضبط الدستور الأمريكي أصبح أهمية ملحة، وهو كارثة إن لم يتبنَ معالجتها أحد حكام أمريكا القادمين، فلا شك أن الديمقراطية تختل، وتمنح الثغرات لمنافسي وأعداء أمريكا، ولا أعتقد أن ترامب هو من سيتبنى تلك المعالجة الجذرية العظمى.

shaheralnahari@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق