يا رويشد، غالبا ما أراك تدخل في نقاشات كبيرة، ورأيك فيها قوي جدا وقريب من الصواب، بل الصواب أحيانا، لكن في لحظة ما في الحوار، ثم في لحظة ما كأنك ترمي قنبلة مسيلة للدموع تنسحب وتقول لمحاورك: كلامك صحيح.
قال رويشد: صحيح، أنا أقول رأيي بلطف، فإن قبله الآخر فالحمد لله، وإن لم يقبله، فلست في «مود» يسمح لي بالاستمرار في الجدل والصراخ، ولذلك لإنهاء أي جدل، عليك أن تقول لصاحبك الذي أمامك: كلامك صحيح.
انفعل صاحبنا، وتحمس، وقال: خطأ عليك يا رويشد! يجب أن تقاتل من أجل فكرتك، يجب أن تصرخ في وجههم من أجل رأيك. كلامك كبير وعظيم، ويستحق أن تبذل جهدك في الوقوف أمامهم وجدالهم.
قال رويشد بكل حماس: كلامك صحيح! وانتهت المناقشة.
لذلك، في أي حوار مع ممتلكي الحقيقة، والذين آراؤهم عبارة عن «طريق من اتجاه واحد فقط لا يوجد فيه (يوتيرن) في منتصف الطريق» وأولئك الذين يخلطون الدليل العلمي بالدليل الشرعي، وكأنهما كتلة واحدة ومصدر واحد، حينها يجب أن يتوقف الجدل، كل ما عليك أن تقول «كلامك صحيح» ثم تشتم - في سرك طبعا - المنصات التي أتاحت لهذه العقول أن تخرج إلى العلن، فهي إنسانيا محل تقديرنا، ولا لتقول رأيها، بل لأن هناك من استمع لها!
كيف خدعتنا الحياة حينما ظننا أنه لا يوجد أحد بهذا التسطيح، وظللت الحياة عقولنا أن قليلا من العقل يمكن أن نعتبره حدا أدنى موجودا في رؤوس كل الناس، لدرجة أني عندما بحثت عن أناس يقولون بهذا القول، جاءت النتائج مثيرة للاهتمام مثل «حركة الأرض المسطحة» وهي جماعة إنجيلية متشددة لا تكاد تُذكر، ومن عادات أفرادها أن يقف أتباعها على طرف المحيط، يمارسون تأملا فارغا ودون أن يحرك أي واحد منهم رأسه ليتساءل: لماذا تختفي السفن الذاهبة رويدا رويدا حتى يختفي أعلى ما فيها في المحيط، ولماذا أول ما يظهر من السفن هي السواري التي أعلى ما فيها حتى تظهر السفينة كاملة؟! أما طقوسهم في الليل، فإنهم يراقبون القمر هلالا، ويقولون «سبحان من كورك وجعلك في مراحل الهلال» ثم لا يتأملون أثر كروية الأرض على ظل القمر!
كنا نظن أنه كما انقرض الديناصور فإن أولئك الذين يؤمنون بخرافات لا أصل لها قد انقرضوا أيضا، مع تقدم العلم والمنطق، وانتشار منصات التعلم والمدارس، ثم نكتشف أنهم ما زالوا معشّشين في الزوايا، وما منصات التواصل الاجتماعي إلا وسائلهم الساذجة ليظهروا لنا. بالمناسبة ليست كروية الأرض أو تسطيحها هي فقط من الخرافات التي ما تزال تعشعش في عقول الناس، فقط ننتظر مواقع التواصل الاجتماعي أن تكشف لنا مزيدا من هذه العقول السطحية مثل سطحية الكرة الأرضية المزعومة!
وسأقول سرا:
العيب ليس عيبهم، فمن شاء أن يتكلم فليتكلم، العيب عيبك عزيزي القارئ، عندما تنصت لهم أو تعلق عليهم أو تمنحهم قيمة. بل اعتبرهم مجرد صورة ظهرت لك عن شخص يمشي، فتتجاوز الحدث، لا شيء مثير ولا حسن مثير، مجرد حدث عادي. وقل عنهم «مجنون من بين ألف مجنون في العالم..»
والعيب عيبي أنا أيضا لأني كتبت فيهم مقالا ومنحتهم جزءا من وقتي وجزءا من وقتك عزيزي القارئ، وجعلتك تمضي كل هذا الوقت تقرأ عنهم، بدلا من أن تستثمره في شيء مفيد، كالبحث عن سر «المثلثات المربعة في الكرة الأرضية المسطحة!».
Halemalbaarrak@
0 تعليق