مختلف وليس ضائعاً

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في إحدى الجلسات، وبينما كنا نتحدث نحن أبناء جيل واحد، جاء الحديث على ذكر الجيل الجديد، وهو موضوع يفتح ويناقش في أغلب المجالس، فبادر أحدنا وبيده قدح الشاي، وكأنه أحد الفلاسفة المعاصرين بقوله: "يا إخوان، هذا جيل ضايع، جيل لا يعرف قيمة الوقت والقيم، جيل لا يوقر الكبير، ولا يقدم المساعدة، ثم ختم حديثه بمع الأسف ممزوجة بحسرة وكأنه فقد عزيز"، المشكلة أنها ليست حالة فردية بل أصبحت ظاهرة، كلنا بما فيهم كاتب هذه الكلمات أخذنا دور صديقنا الفيلسوف المعاصر، لكن في جلسات أخرى، وتناسينا أن كل ما نقوله وما قيل عن الجيل الجديد، قيل في حق جيلنا من الأجيال التي سبقتنا، ربما حتى أول جيل من البشر على الأرض قالوا ذلك بحق أبنائهم.

الجيل الجديد بمجرد أن يرجع من المدرسة يبدأ بقيادة المعارك، وتحريك القطعات العسكرية، في عالم فورت نايت وغيرها من الألعاب، وجيلنا ماذا كان يفعل بمجرد عودته من المدرسة؟! كان يخرج مرة أخرى إلى الشارع ليحوله إلى ملعب كرة القدم، أو يلعب ألعاب الشارع الأخرى، ما يعني أن جيلنا لم يتوجه في الزمن الغابر بعد المدرسة إلى المختبرات العلمية ليتابع اكتشافاته، فكلانا وجد طريقه لتضييع الوقت، الجيل الجديد وقع في حبال التواصل الاجتماعي ومنصاته المتعددة على الهواتف، وهذه المنصات شيطان جديد تولى زمام القيادة لتدمير الأخلاق والقيم، وماذا كان يفعل جيلنا والجيل الذي سبقه، هل كنا مشغولين بمشاهدة الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن الفضيلة؟! ألم يكن جيلاً مدمناً على مشاهدة المسلسلات المكسيكية المدبلجة ذات الألف الحلقة، وقبلها المسلسلات التي تعالج عذابات المحبين! ربما الفارق بين جيلنا والجيل الجديد في هذه الجزئية هي مدة مشاهدة كل منتج، فما كنا نشاهده في ساعة يشاهده الجيل الجديد في 15 ثانية على تيك توك، جيلنا كان يجيد الكتابة بأسلوب مقبول، ومن سبقنا ربما بأسلوب رائع، لا سيما في كتابة الرسائل الغرامية، لكن الجيل الجديد جيل فاشل لا يجيد الكتابة! الواقع أنه جيل يعبر عن مشاعره بالرموز التعبيرية "الإيموجي" ويعرف كيف ومتى يستعملها، أفضل منا بكثير، وفي النهاية كلا الجيلين يعبر عن مشاعره، الجيل الجديد جيل فاشل لا يعرف كيف يصلح قفل الباب إذا تعطل بعكس جيلنا! صحيح لكنه جيل يعرف كيف يبحث عن فيديو يعلمه ذلك، ويعرف كيف يعيد برمجة تطبيق، قد ينسى أبناء الجيل الجديد أين وضعوا شاحنة الهاتف، لكنه يعرف أمورا كثيرة عن حقوقه وقضايا العالم التي مازال جيلنا يجهلها حتى اللحظة.

ونحن نتحدث عن الجيل الجديد علينا أن نذكر أنفسنا أنهم ليسوا كائنات معدلة وراثيا، وأن اختلاف الأجيال أمر طبيعي، نعم قد يكون الاختلاف الذي حصل في عصرنا كبير جداً وغير مسبوق بسبب ثورة التكنولوجيا الحديثة، لكن الأجيال تكمل بعضها، فيمكن لجيلنا أن يعلم الجيل الجديد الصبر، كما يمكن للجيل الجديد أن يعلمنا كيف نركب على جهاز الهاتف شريحة إلكترونية، ونشترك في باقة إنترنت ونحن مسافرون إلى دولة أخرى، وكل ذلك ونحن على كرسينا في بيتنا، بدل أن نقف في طابور طويل في مطار الدولة الأخرى لنشتري شريحة هاتف.

في الواقع هو جيل مختلف وليس ضائعاً.

* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق