السبيل – خاص
منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، التي شكلت محطة رئيسية في مسار العلاقات بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي؛ أُنشئ ما يسمى بـ”التنسيق الأمني” بين الطرفين، كأحد التزامات الاتفاقية.
ورغم أن العديد من بنود الاتفاقية أصبحت في حكم الميتة بفعل الإجراءات الإسرائيلية المتواصلة؛ إلا أن التنسيق الأمني بقي ثابتاً راسخاً يُنفّذ بأشكال مختلفة، مما يثير الجدل حول أهدافه وآثاره على الشعب الفلسطيني.
وتبرز الأحداث الأخيرة في مخيم جنين هذه الإشكالية، حيث تحولت السلطة الفلسطينية من دورها المزعوم كحامية للشعب الفلسطيني، إلى أداة في معادلة أمنية معقدة، تستهدف المقاومة، بتنسيق وثيق مع الاحتلال.
فمنذ 10 أيام؛ تعيش مدينة جنين ومخيمها حالة من التوتر الشديد نتيجة حملة أمنية مكثفة تنفذها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، تستهدف المطلوبين للاحتلال الإسرائيلي.
وكان آخر فصول هذه الحملة؛ اغتيال يزيد جعايصة، القائد في كتيبة جنين، وأحد أبرز المطلوبين للاحتلال، وذلك خلال اشتباكات عنيفة شهدها المخيم فجر السبت.
ووفقاً لمصادر محلية؛ اقتحمت قوات كبيرة من أمن السلطة المخيم من عدة محاور، مستخدمة القناصة والنيران الحية، ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى بين المدنيين، بينهم أطفال ونساء، فضلاً عن قطع الكهرباء واستهداف سيارات الإسعاف.
وتحدث شهود عيان عن استخدام أجهزة السلطة القوة المفرطة ضد سكان مخيم جنين، مما أوقع إصابات بين المدنيين وحاصر المستشفيات، ما يعكس توجهاً أمنياً يخدم أولويات الاحتلال أكثر مما يخدم أمن الفلسطينيين.
يشار إلى أنه في الأشهر الأخيرة؛ تصاعدت حالات القتل والاعتقال على يد أجهزة أمن السلطة. فمنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، استُشهد 12 فلسطينياً في عمليات أمنية داخل الضفة الغربية، أبرزهم يزيد جعايصة وربحي الشلبي، وهو ما يُظهر استخدام السلطة أدواتها الأمنية بشكل مفرط لتحقيق أهدافها السياسية، حتى على حساب حياة المدنيين.
أداة لقمع المقاومة وتهديد للنسيج الفلسطيني
في ضوء هذه الأحداث؛ تتجلى بوضوح طبيعة التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. فمنذ إنشائه؛ وُظّف هذا التنسيق لملاحقة المطلوبين للاحتلال، وفي كثير من الأحيان، أدى إلى اشتباكات داخلية زادت من معاناة الفلسطينيين.
وأدرج التنسيق الأمني في اتفاقية أوسلو بهدف “منع الإرهاب وأعمال العنف”، لكنه عملياً تحول إلى آلية لملاحقة المعارضين السياسيين والمقاومين للاحتلال.
وتتناغم هذه السياسة مع مصالح الاحتلال الذي يرى في أجهزة أمن السلطة حائط صدّ أولي يُخفف عنه عبء مواجهة المقاومة في الضفة الغربية.
ومن جهة أخرى؛ يُستخدم هذا التنسيق كورقة ضغط إسرائيلية لابتزاز السلطة الفلسطينية وفرض شروطها في المفاوضات.
ويعكس الرفض الشعبي المتزايد لسياسات السلطة الأمنية أزمة عميقة في شرعيتها. فأهالي جنين، مثلهم مثل العديد من الفلسطينيين، يرون في هذه السياسات تجاوزاً للخطوط الوطنية الحمراء، وتغليباً للتنسيق الأمني على حساب مصلحة الشعب.
ويبقى التنسيق الأمني الثابت الوحيد في اتفاقية أوسلو، لكنه الثابت الذي يثير أعمق الانقسامات داخل المجتمع الفلسطيني، وما يحدث في جنين يُبرز الحاجة إلى إعادة النظر في دور السلطة الفلسطينية وعلاقتها بالاحتلال، بما يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني في التحرر والكرامة، وخاصة أن سياسات السلطة الأمنية لا تضعف المقاومة فحسب، بل تُهدد النسيج الوطني الفلسطيني بأكمله.
0 تعليق