ماذا تفعل يا ترامب؟!

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

خلال حملة الترشح قبل انتخابه رئيساً مرة أخرى للولايات المتحدة الأمريكية، كان دونالد ترامب يقول بكل ثقة إنه سيحل كثيراً من الأمور التي تعقدت بسبب إدارة جو بايدن، وعلى رأس هذه الأمور ما يحصل في غزة. كان يقول ذلك بلهجة واثقة ظن كثيرون معها بأنه بالفعل قادر على حل كل الأمور.

هنا مع دونالد ترامب لا يمكن التوقع أو التكهن، رغم أن بعض الأمور ملامحها واضحة، أهمها العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، وبناء عليها لم يكن التفاؤل كبيراً، لكن كان الظن بأنه سيوقف آلة القتل العسكرية الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل المنتهكة أرضه وحقوقه.

لكن ما قام به ترامب، أمر لم يكن يتوقعه أشد المتشائمين، إذ طوال عامين عانى الفلسطينيون من الإجرام الإسرائيلي الفج، ومساعي التطهير العرقي الواضحة، ومحاولات دفع أهل الأرض المحتلة إلى الخروج منها وتركها بسبب الخراب والتدمير، لكن حينما جاء ترامب بدأ الحديث بشكل مخجل عن تهجير أهل الأرض من أرضهم، بدأ الحديث عن حقوقهم وكأنها مشروع استثماري وسياحي ضمن مشاريع رجل الأعمال الأمريكي، ولم يكن حديثاً يمثل رئيس الولايات المتحدة، الدولة التي تتشدق بحقوق الإنسان وتنصب نفسها راعية رسمية لها، رغم أنها في الحقيقة دائما ما تلعب دور ”حاكم العالم“ والساعي للسيطرة على الكون وشعبه.

لكن ترامب تفوق على كل هذا بمراحل، بدأ يتحدث ليس كرئيس لدولة تعد واحدة بين الدولة، بل بدأ يتحدث كأنه رئيس العالم، تارة يقول بأنه سيضم كندا، وكأننا عدنا لعصر الاستعمار وابتلاع الدول بالقوة، وتارة يتحدث عن المكسيك وكأنها دولة سيزيلها من خارطة العالم، إضافة لأحاديث عديدة ووعود وتهديد، وكأنه يريد التنفيس عن غضب ما يعتمل بداخله بسبب ما تعرض له في السنوات الأربع الأخيرة، تلك الفترة التي اضطر فيها لرؤية الديمقراطيين يتسيدون البيت الأبيض.

كل هذه الأمور تتعلق به كشخص، لكن كرئيس لإحدى أكبر الدول العالمية، عليه الإدراك بأن هذا العالم ليس ”ملعباً“ أو ”لعبة حبار“ خاصة به، وأن الجميع سيقبل ما يقول أن يسير معه حسب مزاجه. وهنا للأسف ما شهدناه خلال شهر تحديداً من تصريحات رسمية بحكم عودته للرئاسة، وكأننا نرى أساليبَ تشابه ما يفعله قطاع الطرق أو تفعيلاً لقانون الغاب.

العالم ليس على مزاج الرئيس ترامب، ومقدرات الدول والبشر لا تسير وفق ما يريده. هناك حقوق وثوابت وتاريخ، هناك دول لها سيادة مستعدة للقيام بكل شيء لوقف التطاول أو التعدي، والتاريخ بنفسه يشهد ويقدم الدروس المؤلمة لكل من قرر بسهولة أن ”يعادي“ العالم.

عموماً، ما صرح به ترامب مؤخراً بشأن الشقيقة الكبرى السعودية، وفيما يتعلق بأشقائنا الفلسطينيين وحقهم في أرضهم المسلوبة، تصريح مرفوض تماماً. بل ليس من حقه إطلاقاً إملاء الأوامر والشروط فيما يتعلق بسيادة الدول. تمادى في البداية وألقى كلاماً خالياً من الكياسة والدبلوماسية بشأن استثمارات السعودية في أمريكا، متناسياً بأنه لا أحد ونكرر لا أحد يملي على السعودية ما تفعل، وإن كان من تعاون سعودي مستمر، وتعامل سعودي محترم وراقٍ، فإنه بمزاج السعودية وإرادتها لا بمزاج ترامب. ونقول التاريخ يشهد، إذ طوال أربعة أعوام ماضية فعل بايدن الأفاعيل وتوسل أيما توسل للأمير محمد بن سلمان ولي عهد السعودية حتى يخفض أسعار النفط عبر زيادة الإنتاج، لكن الرئيس السابق لم يسمع سوى صدى صوته.

اليوم يرفض الخليج ويرفض العرب ويرفض المسلمون مثل هذا الكلام الذي يتعدى على السيادة، والغريب أننا وسط المساعي لوقف قتل الفلسطينيين والتصدي لمساعي التهجير الذي تقوم به إسرائيل، يأتي ترامب وبكل بساطة ليدعو إلى بناء دولة فلسطينية في السعودية؟!

والله الدول الخليجية والعربية والإسلامية لو اجتمعت على كلمة واحدة، حينها سيعرف قوتها من يحاول التجرؤ عليها. ولو أرادت هذه الدول أن تحتضن أشقاءها لما رجف لها جفن. لكن هنا الحق لابد وأن يحق يا سيد ترامب، دولة فلسطين العربية لابد وأن تقام على أرض فلسطين الطاهرة. إن كان يظن بأنه سيد العالم، ليثبت أولا قدرته على إسرائيل التي ارتكبت أشنع المجازر الإنسانية، ليوقف القتل والاجتياح، وليعد للفلسطينيين أرضهم وحقوقهم، هنا البطولة، وليس البطولة في استفزاز السعودية وأشقائها من دول الخليج والعرب والمسلمين.

لكن لِمَ العجب فيما قاله، أو لَم ينظر إلى الشمال أولاً وقال سأضم كندا؟! وكأنها ليست دولة، بل مجرد أرض مرمية هكذا.

فعلاً، ماذا تفعل يا ترامب؟!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق