أكثر عزلة أم اتصالاً؟!

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قبل أكثر من ثلاثين سنة كانت البرامج العلمية والمقالات في الصحف تتحدث عن المستقبل القريب -الذي نعيشه الآن- وكيف ستقرب التكنولوجيا المسافات بين البشر وتجعل تواصلهم سهلاً ومستمراً، وعندما عشنا المستقبل الذي تحدثوا عنه، وجدنا ما وعدوا به بالفعل، فبحركة بسيطة على جهاز الهاتف نتحدث بالصوت والصورة، أو بالكتابة أو برسالة صوتية مع أي شخص في أقصى مكان في العالم، لكن في الوقت نفسه نتجاهل جارنا الذي يقف أمام بابه وبيننا وبينه أمتاراً قليلة، نشارك بواسطة التطبيقات الهاتفية الكثيرة في أي ندوة أو مؤتمر، نعلق ونرى ونسمع ما يدور، لكننا لا نجلس مع أحد لمناقشة الموضوع نفسه على طاولة واحدة ونحن نتناول الشاي أو القهوة، نرسل رسالة رقيقة منظمة الأفكار لمئات الأشخاص دفعة واحدة، لكننا إذا قابلناهم وجهاً لوجه نتلعثم في الحديث، نعرف ماذا تناول أحد أصدقائنا القدامى على العشاء بواسطة حالات إنستغرام، لكننا لا نتذكر متى التقينا به آخر مرة.

هذا بالضبط ما فعلته التكنولوجيا الحديثة، فهل جعلتنا متصلين مع بعضنا أكثر وقرّبت المسافات، أم عزلتنا وأوجدت نوعاً جديداً من الوحدة؟!

حقيقة الأمر من ينظر إلينا يجدنا نعيش في وحدة وعزلة، فنحن إما في مكاتبنا في العمل أو مع عدد محدود من البشر، وعندما نعود إلى البيت نكون وحيدين في غرفة أو نجلس مجتمعين في الغرفة نفسها لكننا معزولين في دائرة لا يتجاوز قطرها أجسامنا، ومع ذلك لا نشعر بما يشعر به الوحيد المعزول، بل أن الوقت الذي نقضيه في هذه "العزلة" لا يكيفنا أساساً، فنحن في الواقع محاطون بسيل من الإشعارات والمهام التي لم ننجزها على المستوى الاجتماعي، على وسائط التواصل، لأننا لم ننهِ متابعة الأصدقاء في رحلاتهم على تيك توك وإنستغرام وفيس بوك وغيرها، ولم نقرأ كل منشوراتهم، ولم نعلّق لكل الأشخاص على حالاتهم ومنشوراتهم، ولم نضع "لايك" لجميع من نعرفهم ونجاملهم، والأكثر من ذلك لم يعد لدينا الوقت لإجراء مكالمات هاتفية مع من نحب، والتي كانت على أيام الهاتف الأرضي فرصة عظيمة، أما المكالمات الفيديوية التي كنا نراها تحصل فقط بين الدكتور أمون ودايسكي في غريندايزر، والتي كانت حلماً بعيداً عن الواقع، فعندما تحقق هذا الحلم أصبح استخدامها أثقل من المكالمة العادية، وبعد أن كنا نعبّر بعبارات مليئة بالمشاعر فنواسي من يحاج إلى المواساة ونعبّر عن فرحنا لفرح غيرنا وغيره من التعبيرات، أصبحنا نختصر ذلك اليوم بإرسال رمز "إيموجي" عبر رسالة لا تحتوي على كلمات.

قد يبدو الحال قمة في التناقض، فنحن معزولون طوال اليوم لكننا في الوقت نفسه متصلون طوال اليوم، إنها العزلة المتصلة، التي لا نشعر فيها بمشاعر العزلة الحقيقية، التكنولوجيا رائعة وسهّلت حياتنا كثيراً، وربما الأجيال القادمة التي لم تشهد غير التكنولوجيا الحديثة ولم تعش ما عشناه سابقاً من تواصل خارج نطاق التكنولوجيا، لن تتأثر وستكون الحياة لديهم طبيعية، أما نحن فربما سيكون لهذا الحال أثر على صحتنا النفسية، وهذا ما يجيب عنه المختصون.

* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق