في لحظة فارقة في مسيرة الطب الحديث، سجلت البحرين إنجازاً طبياً عالمياً يفتح أبواب الأمل للمصابين بمرض فقر الدم المنجلي (السكلر). لم يكن الأمر مجرد نجاح طبي آخر، بل هو اختراق حقيقي يعكس إرادة وطن لا يقف عند حدود الممكن، بل يسعى إلى صناعة المستحيل.
إن رؤية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، لهذا الإنجاز وزيارته لأمجد المحاري، تعكس التزام البحرين بتطوير الرعاية الصحية واحتضان الابتكارات العلاجية.
أمجد المحاري، الشاب البحريني الذي حملت قصته الأمل لمرضى السكلر، أصبح أول شخص خارج الولايات المتحدة يخضع للعلاج بتقنية التعديل الجيني “كريسبر” بنجاح.
هذه التقنية، التي كانت حتى وقت قريب أشبه بالخيال العلمي، مكنت الأطباء من تعديل الجينات المسببة للمرض وزراعة نخاع جديد خالٍ من الطفرات الوراثية. لم يعد الحديث عن تخفيف الأعراض أو تحسين جودة الحياة فقط، بل أصبح بإمكان المرضى الآن التفكير في العلاج الجذري، وهو ما كان حلماً بعيد المنال.
فهذا الإنجاز، رغم عظمته، يطرح تساؤلات جوهرية حول إمكانية تعميمه وجعله متاحاً للجميع في المستقبل القريب، فتكلفة العلاج تصل إلى 800 ألف دينار بحريني، للفئة العمرية ما بين 12 حتى 35 عاماً، فهل من الممكن العمل على في تقديم هذه العلاجات المتطورة والباهظة الثمن، عبر مبادرات وطنية لدعم مرضى السكلر؟ وترجمة هذا الإنجاز إلى خطة وطنية تضمن وصول العلاج إلى أكبر عدد ممكن من المرضى.
تُقدر أعداد المصابين بالمرض في البحرين بنحو 7000 شخص، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بعدد السكان، ما يجعل السكلر تحدياً صحياً واجتماعياً كبيراً، يقابله الجهود الطبية الجبارة التي تبذلها الدولة، ولا يزال المرض يؤثر بشدة على حياة المصابين وأسرهم.
اليوم، وبعد هذا النجاح، يجب أن نسأل أنفسنا: كيف يمكن أن نجعل من البحرين مركزاً إقليمياً لعلاج السكلر بتقنيات التعديل الجيني؟ كيف يمكن أن نحول هذا الإنجاز إلى خطوة أولى نحو القضاء على المرض نهائياً؟
فإن ما تحقق ليس مجرد إنجاز طبي، بل هو دليل على أن البحرين قادرة على أن تكون في طليعة الدول التي تقدم حلولاً حقيقية للأمراض المزمنة.
0 تعليق