يرغب المواطنون في رؤية الزائر الأبيض بشوق، وإن كان مشهدًا مألوفًا في فصل الشتاء في هذه المنطقة، إلا أن قلة قدومه في السنوات الأخيرة لاعتبارات علمية ومناخية، زاد هذا الشوق حد الجنون.
يرتبط الثلج في ذهن الناس بالعطلة وبالجلوس في المنازل أمام المدافىء والتلفاز، ثم اللهو به والتقاط الصور للذكرى، لتكسر هذه الأجواء جانبًا من جمود طويل خلال العام، وهي مشاعر غذتها التقارير المتضاربة في الأونة الأخيرة بشأن الموجة القطبية التي انقطعت لسنوات.
ترتفع الأصوات كل شتاء بضرورة ضبط فوضى التنبؤات الجوية، مع العلم أن مطالبات سابقة صدرت في حالات مشابهة قبل سنوات إلا أنها لم تر النور أو بقيت حبيسة الأدراج، أو كانت محاولات خجولة لا تراعي طبيعة العصر الذي نعيشه الآن.
قبل أكثر من عقد من الزمن، قيّدت الحكومة أو نظمت عمل المواقع الإخبارية الإلكترونية بحجة فوضى الأخبار والمعلومات ولحساسية ما تقدمه من عمل، فيما لا تزال تتغافل عن شيء أخطر وهو التنبؤ الجوي الذي أصبح اليوم مهمة الجميع.
يصول متنبئون جويون ويجولون كل عام في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي عبر تقديم وجبات مربكة من المعلومات المضللة حول حالة الطقس وتحديدا في ما يعرف بالأجواء القطبية أو المنخفضات القطبية.
تقدم كل هذه المعلومات عبر موجة من الصور والألوان والأشكال واللباس والإعلانات وكأنه مسلسل رمضاني لا معلومة يمكن اختصارها بسطرين.
ينعكس كل هذا على حياة المواطنين وحديثهم عن المنخفض ويؤثر على تخزينهم واستهلاكهم للمواد الغذائية ووسائل التدفئة وكأن هنالك من يتعمد حرف بوصلة الناس لا أن "يحرف المنخفض".
يأتي ذلك في وقت يتم فيه إضعاف مؤسسات وطنية وبحجم دائرة الأرصاد، وليس من باب الدفاع عنها بل من باب المنطق، فهل يعقل أن تسمح دولة بإنشاء أيّ مواطن مديرية تعنى بشؤون الجنسية والأجانب لتنافس عمل وزارة الداخلية على سبيل المثال؟.
الإجابة عن السؤال السابق حتمًا لا، لذا كيف يعقل أن تُدمر مؤسسة وطنية لصالح أمور أخرى أقل أهمية من دعم مؤثرين وأمور سطحية وكماليات أنفق لأجلها ملايين دون جدوى.
أصبحت المشكلة مع المؤسسات الوطنية في مسألة الثقة، التي مهما تقول لن يصدقها أحد، لثلاثة أمور.
الأول: الإضعاف المتعمد عبر سنوات وصولا إلى تفكيكها.
ثانيا: مخاطبة الناس بطريقة الثمانينات وعقلية تقليدية لا تناسب ما يريده سكان الفضاء الافتراضي
ثالثا: قيود التطوير المرتبطة بيروقراطية الحكومة ومماطلات أوامر الصرف واللجان إلخ.
وبناء على ما سلف، ينبهر الجميع بما ينشره الآخرون حتى وإن كان أقل مصداقية، إذا كان أكثر إبهارًا بالصوت والصورة، فـ"السوشال ميديا" مصدقة على حساب مؤسسات وطنية عريقة.
وبعد كل هذا نتحدث عن الثقة، وعن "انحراف" رغبة البعض في متابعة كل ما ينشر خارج هذه الدائرة وإن كان مفبركًا.
التنظيم ضروري ولا مفر منه، لكن التأخر به أو "سلقه" سيخلق مشكلات أكبر يصعب حلها، خصوصًا أن أي تأثير على صلب حياة المواطن والوطن، في صلب الأمن القومي الأردني، بالتزامن مع التحديات الخطيرة التي تواجهها المملكة على أكثر من صعيد.
فكما "فًكك" الإعلام حتى أصبحت اليوم المناداة بإصلاحه الشغل الشغل للكثيرين أضعفت مؤسسات وطنية على حساب "السوق والبزنس".
اليوم يجب أن تبدأ عملية إعادة الهيبة للمؤسسات الوطنية وإعادة الثقة المفقودة بين الناس وصولًا إلى حل لفوضى التنبؤات وأي فوضى أخرى.
وباعتقادي هما أمران لا ثالث لهما:
الأول: استيعاب المؤسسات أو الشركات المعنية بالطقس بجسم دائرة الأرصاد الجوية وفق شروط محددة وبالتالي "دمج" ثم إعادة تغيير اسمها إلى هيئة الأرصاد الوطنية وتكون مربوطة برئاسة الوزراء لا وزارة النقل مع رفع ميزانيتها لتمكينها من تقديم كل ما يلزم للمواطن بأحدث التقنيات.
الثاني: ترك الأمور على حالها مع إقرار مشروع قانون عصري ينظم عمل العاملين في مجال التنبؤ الجوي ويعاقب من لا دخل له فيها، حيث يركز القانون على الشركة ورأس مالها وعدد العاملين فيها واختصاص العاملين، ويكون هدف القانون التنظيم لا الجباية.
0 تعليق