يوم التأسيس السعودي: قصة ملهمة عن الوحدة والنمو والشجاعة

صحيفة مكة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
لا شك أن أحداث عام 1744م، وهي السنة التي قدم فيها الإمام محمد بن سعود أمير الدرعية اللجوء للمصلح الديني الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كانت ذات أهمية بالغة.

ولكن مع مرور الوقت أصبحت أهمية تلك اللحظة التاريخية المعترف بها من القضية المشتركة بين الدولة والدين تحجب الأصول الأكثر تعقيدا وعمقا التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى.

ولتصحيح هذا الإهمال وسرد الحقائق في تاريخ المملكة، تم إعلان يوم التأسيس، والاحتفال بالعام 1727 باعتباره لحظة الميلاد الحقيقية، ولإعطاء تقدير أعمق لماضٍ أكثر ثراء مما يدركه الكثيرون.

"إن مراجعة الأحداث التاريخية وإعادة تفسيرها ظاهرة فكرية موجودة في كل أنحاء العالم. ويمكن اعتبار الكتابات التاريخية السابقة أحكاما وآراء لا تمنع المراجعة أو التوصل إلى استنتاجات جديدة".

واليوم لا يستطيع أحد أن يحدد بالتحديد متى بدأت الرحلة الطويلة نحو الدولة. وأول نقطة مؤكدة على الطريق كانت عام 430 حين هاجرت قبيلة بني حنيفة إلى اليمامة في أسفل نجد من موطنها في الحجاز على ساحل البحر الأحمر.

ومع ظهور الإسلام خطت بنو حنيفة خطوة أولى على مسرح التاريخ العالمي. ففي عام 628م، بعد ست سنوات من الهجرة، وخروج النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه من مكة إلى المدينة، أرسل النبي رسائل إلى مختلف الحكام العرب، داعيا إياهم إلى اعتناق "الإسلام"، والخضوع لحكم الله.

وكان حاكم بني حنيفة في ذلك الوقت هو ثمامة بن أثال، الذي احتفلت الأحاديث برحلته الروحية من الرفض الأولي إلى القبول القلبي للإسلام. وفي الحديث رقم 189 أنه قال للنبي "ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي....".

من الناحية التاريخية، ظلت اليمامة خاملة طيلة أغلب الثمانية قرون التالية. وكان ذلك عصرا مظلما من الإهمال والهجرة واسعة النطاق هربا من الصعوبات الاقتصادية التي عانت منها البلاد في ظل حكم سلالة الأخيضر القمعية، التي اكتسبت مكانة بارزة مؤقتة في نجد في القرن التاسع وبحلول القرن الخامس عشر أصبح المسرح مهيأ أخيرا لعودة نفوذ بني حنيفة.

قبل أجيال من ذلك، هاجر جزء من القبيلة شرقا ليستقر على شواطئ الخليج العربي. ولكن في عام 1446م، قاد مانع المريدي، أمير عشيرة المردة من قبيلة من بني حنيفة، شعبه إلى قلب الجزيرة العربية، بدعوة من ابن عمه ابن درع، أمير حجر اليمامة.

وقد أطلقوا على المنطقة التي أسسوها على الساحل اسم الدرعية نسبة إلى قبيلتهم ، ثم أسسوا درعا جديدة على ضفاف وادي حنيفة.

وعلى حد تعبير المؤرخين فإن وصول المريدي "وضع اللبنات الأساسية لقيام أعظم دولة في تاريخ شبه الجزيرة العربية بعد الدولة النبوية والخلافة الراشدة".

مرت 300 سنة أخرى قبل أن يتم اتخاذ الخطوات المهمة التالية. ففي عام 1720، تولى سعود بن محمد قيادة الدرعية، التي أطلق عليها أفراد العائلة المالكة السعودية اسمه.

وأخيرا وفي عام 1727 ظهر محمد بن سعود الزعيم ذو الرؤية التي امتدت إلى ما هو أبعد من أفقه المباشر، حاملا معه حلم تحويل الدولة التي أسسها أسلافه قبل ثلاثة قرون إلى دولة لأمة من شأنها، في أوجها، أن تجلب السلام والاستقرار إلى معظم أنحاء شبه الجزيرة العربية قائمة على التعليم والثقافة والأمن والولاء للإيمان الحقيقي بالإسلام.

وقد انجذب المصلح الديني الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى هذه الدولة الجديدة الديناميكية والقوية سياسيا واقتصاديا.

وباختصار، لم يكن تحالف الشيخ والإمام هو الذي مكن من تأسيس الدولة السعودية الأولى، بل كان وجود تلك الدولة القوية سياسيا واقتصاديا بالفعل، هو الذي مكن من نشر رسالة الإصلاح.

إن قرار الاعتراف رسميا بتأسيس المملكة العربية السعودية عام 1727 لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يفسر على أنه مساس بالدين باعتباره الركيزة الأساسية التي قامت عليها المملكة العربية السعودية.

فالهدف هو مجرد وضع تاريخ سياسي دقيق لتأسيس الدولة، أي تولي الإمام محمد بن سعود الحكم في الدرعية، حيث ظهر عدد من السياسات والآراء الخاطئة بشأن نشوء وتأسيس الدولة.

ويفخر شعب المملكة بالإرث التاريخي العميق الذي تركه الإمام محمد بن سعود، فقد ازدهرت الأمة السعودية في عهد الزعماء اللاحقين، ومنهم الإمام تركي بن ​​عبد الله بن محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الثانية، والملك الموحد عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة.

"إن يوم التأسيس لا يهدف إلى استبدال اليوم الوطني السعودي الذي يحتفل بتوحيد المملكة العربية السعودية في عام 1932، بل إلى الاعتراف ببداية تاريخ الدولة السعودية بحدث جديد يحتفي بالجذور التاريخية العميقة للمملكة".

ولعب الملك عبد العزيز دورا محوريا في تنمية وتقدم الدولة السعودية، وقادها إلى المكانة التي تحظى بها حاليا على الصعيدين الداخلي والإقليمي والعالمي. وواصل أبناؤه من بعده، وصولا إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية، دفع عجلة التقدم والازدهار.

واليوم ونحن نحتفل بيوم التأسيس نستحضر القرون الثلاثة التي مرت بها الدولة السعودية الأولى، والمحطات المهمة في تاريخها. فقد امتدت معالم هذه الدولة، التي نشأت عبر قرون من الزمان، في مختلف أرجاء شبه الجزيرة العربية، واضعة الأمن وخدمة الحرمين الشريفين ورفاهية الشعب في مقدمة أولوياتها. وعلى طول الطريق، تغلبت الأمة على تحديات عديدة.

أخيرا، إن الدولة السعودية الصامدة تستمد قوتها من تماسكها الوطني العميق الذي لا يتزعزع، والذي صدَّ العدوان الخارجي، وأحبط محاولات النيل من نسيجها الاجتماعي. وعلى مدى الأوقات الصعبة الماضية، صمدت الإنجازات الرائعة التي حققتها الدولة السعودية في وجه الشدائد واختبارات الزمن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق