يقوم خادم رعيتَي الجماعة اللوثرية في بيت لحم وبيت ساحور القس منذر إسحق، بزيارة إلى إيطاليا وروما برفقة المحامية الملتزمة في الدفاع عن حقوق الإنسان سحر فرنسيس، والناشط الاجتماعي والسياسي رفعت قسيس.
وقد زار الوفد الفلسطيني مقر إذاعة الفاتيكان، وحدثنا القس إسحق خلال الزيارة عن الأوضاع المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون، معبرا عن قلقه البالغ حيال المصير الذي ينتظر سكان المنطقة.
قال "إسحق" إن الضفة الغربية تعيش اليوم أوقاتاً مظلمة، مشيرا إلى أن المستوطنات وحواجز التفتيش الإسرائيلية جعلت حياة السكان الفلسطينيين صعبة جداً، وقد قطّعت أوصال القرى والبلدات الفلسطينية، وجعلت من الضفة الغربية مجموعة من السجون في الهواء الطلق، كما قال. وأضاف إسحق أنه يوجد حالياً في جوار مدينة بيت لحم حوالي ثمانين حاجز تفتيش وغالباً ما ينتظر الأشخاص لست أو سبع ساعات لعبور هذه الحواجز، وما يزيد الطين بلة انهيار الوضع الاقتصادي، مذكراً في هذا السياق بأن المدينة الفلسطينية كانت تعتمد على السياحة الدينية، والتي توقفت اليوم بشكل شبه كامل، وتسعى الكنائس إلى مساعدة الأشخاص الذين فقدوا مورد رزقهم.
لفت إسحق بعدها إلى أن أكثر من مائة عائلة مسيحية نزحت عن مدينة بيت لحم منذ بداية الحرب في غزة، موضحا أن المسيحيين في المنطقة هم عبارة عن مجموعة صغيرة من السكان تناضل من أجل البقاء على قيد الحياة. واعتبر أن التهديد الأكبر يتأتى من الإبعاد القسري للسكان، مشيرا إلى أن خمسة وأربعين ألف فلسطيني هُجروا لغاية اليوم بسبب التوغلات العسكرية الإسرائيلية في مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، وثمة مخاوف من استمرار هذه العمليات. وقال: إننا نشاهد ما يحصل في غزة ونتساءل ما إذا كان سكان الضفة الغربية سيواجهون المصير نفسه.
من جنبها توقفت المحامية سحر فرنسيس عند العملية السادسة لتبادل الأسرى بين الإسرائيليين وحماس والتي حصلت يوم السبت الماضي، وقالت إن الحركة أفرجت عن عدد من الرهائن الذين اخُتطفوا في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، كما أطلقت إسرائيل سراح أسرى فلسطينيين كانوا قابعين في السجون منذ فترة طويلة.
وأوضحت أنه خلال العقود الماضية أقدمت السلطات الإسرائيلية على اعتقال مئات آلاف الفلسطينيين بشكل اعتباطي، من بينهم أطفال، وهم يتعرضون لشتى أنواع الانتهاكات في السجون الإسرائيلية، كالضرب والتجويع والمضايقات الجنسية، وأشكال أخرى من انتهاكات حقوق الإنسان.
ولفتت أيضا إلى أن انتشار داء الجرب بين السجناء أدى، خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية، إلى موت ما لا يقل عن ستين فلسطينياً. وأوضحت أن إسرائيل تفرج عن أعداد كبيرة من السجناء مقابل الرهائن لكنها، من ناحية أخرى، تقوم بحملات اعتقال واسعة النطاق، تشمل أيضا أشخاصاً كانت قد أفرجت عنهم في السابق. واعتبرت المحامية الفلسطينية أن النظام القضائي الإسرائيلي لا يهتم في تطبيق العدالة، بل هو في الواقع أداة للقمع وللسيطرة على المجتمع الفلسطيني.
أما الناشط الاجتماعي والسياسي رفعت قسيس، وهو أيضا أمين عام "كايروس فلسطين"، فذكر بأن هذه المؤسسة أصدرت وثيقة عام ٢٠٠٩ تحدثت فيها عن قناعتها بالمقاومة غير العنيفة، مسلطة الضوء على الصعوبات اليومية التي يواجهها الفلسطينيون. وأضاف أن الأوضاع في المنطقة تدهورت بشكل خطير منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، في غزة، كما في الضفة الغربية. ومؤسسة كايروس تعمل حاليا على إصدار وثيقة جديدة تندرج في سياق وثيقة العام ٢٠٠٩.
ولم يخف المسؤول الفلسطيني قلقه حيال خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن التهجير الجماعي للغزاويين، في حال وُضعت فعلا قيد التنفيذ. وذكّر في هذا السياق بالبيان الأخير لبطاركة ورؤساء الكنائس في القدس، الذي أدان هذا المشروع، معتبرا أنه ضرب من الظلم، ينال من الكرامة البشرية. ورأى أن المقترح لا يشكل تطهيراً عرقياً وحسب إنما يشكل دعوة لحرب مستمرة ليس في فلسطين فقط بل في المنطقة كلها.
وذكّر الناشط الفلسطيني في حديثه لإذاعتنا بضرورة احترام القانون الدولي، بما في ذلك مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق القائد العسكري لحماس محمد الضيف ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيمين نتنياهو. وذكّر قسيس بأن هذه المحكمة تم تأسيسها في روما، ولذا فإن الجمهورية الإيطالية والكرسي الرسولي يحرصان على أن تُنفذ الأحكام التي تُصدرها، على حد قوله.
خلال زيارته إلى روما كان من المفترض أن يشارك الوفد الفلسطيني في مقابلة البابا العامة مع المؤمنين يوم الأربعاء الماضي، لكن المقابلة ألغيت بسبب أوضاع البابا الصحية وتواجده في المستشفى. وقال بهذا الصدد المسؤولون الثلاثة إنهم يصلون على نية الحبر الأعظم كي يتعافى في القريب العاجل. هذا وشاء القس منذر إسحق أن يسلط الضوء على الحب الذي يكنّه جميع الفلسطينيين للبابا، مذكرا بالزيارة التي قام بها فرنسيس إلى الضفة الغربية عام ٢٠١٤ والتي ما تزال مطبوعة في أذهان السكان خصوصا عندما صلى عند الجدار الفاصل بين بيت لحم والقدس.
وختم إسحق حديثه لإذاعة الفاتيكان لافتا إلى أن هذا المشهد ترك أثراً عميقاً في قلوب جميع الفلسطينيين الذين يتساءلون غالباً ما إذا كان العالم يكترث لأمرهم ويعاملهم أسوة بغيرهم من الشعوب.
0 تعليق