د. رامي كمال النسور*
غداة إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطاب أمام الكونغرس، أنه «من أجل تعزيز أمننا القومي بشكل أكبر، ستستعيد إدارتي قناة بنما، وقد بدأنا بالفعل في القيام بذلك. أكد رئيس بنما خوسيه راؤول مولينو، أن نظيره الأمريكي دونالد ترامب «يكذب من جديد» بشأن قناة بنما، لأن بلاده لا تنوي إخضاعها لسيطرة الولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد برر وعيده باستعادة السيطرة على قناة بنما، مؤكداً أن الصين «تشغل» الممر البحري الذي يربط بين المحيطين الهادئ والأطلسي، غير أن الحقيقة ليست بهذا الوضوح، وفقاً لما جاء في تقرير لوكالة فرانس برس.
وتقوم وكالة حكومية مستقلة هي «هيئة قناة بنما» بتشغيل وإدارة القناة التي تعتبر الولايات المتحدة أكبر مستخدميها، تليها الصين.
والحقيقة أن إثارة هذا الأمر يأتي ضمن سياق الحرب الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وكانت قناة بنما، الشريان الحيوي للتجارة العالمية، والذي يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، موضوعاً للمكائد الجيوسياسية لأكثر من قرن من الزمان. وفي السنوات الأخيرة، أشعلت التكهنات حول تورط الصين في عمليات القناة مناقشات حول نفوذها على هذا الممر المائي الاستراتيجي. ولكن هل تسيطر الصين حقاً على قناة بنما؟
أكملت الولايات المتحدة قناة بنما في عام 1914، وأحدثت ثورة في الشحن العالمي من خلال تقليل أوقات العبور بين المحيطين بشكل كبير. ولعقود من الزمان، أدارت الولايات المتحدة القناة، ولكن السيطرة انتقلت رسمياً إلى بنما في 31 ديسمبر 1999، بموجب شروط معاهدات توريخوس- كارتر. ومنذ ذلك الحين، تولت هيئة قناة بنما، وهي وكالة حكومية بنمية، إدارة القناة وتشغيلها.
وفي حين لا تمتلك الصين قناة بنما أو تسيطر عليها بشكل مباشر، فقد نما نفوذها في بنما ومشاركتها في البنية التحتية المجاورة للقناة بشكل كبير.
فمن ناحية تدير شركات مملوكة للدولة الصينية، مثل كوسكو (شركة الشحن البحري الصينية) وموانئ هتشيسون، مرافق الموانئ بالقرب من مدخلي القناة. على سبيل المثال:
* تدير موانئ هتشيسون موانئ بالبوا (على الجانب الهادئ) وكريستوبال (على الجانب الأطلسي)، والتي تعد حاسمة لتسهيل التجارة عبر القناة.
* تعد كوسكو واحدة من أكبر مستخدمي القناة، حيث تمر سفنها عبر الممر المائي بشكل متكرر.
وقد أدت هذه العمليات إلى مخاوف، وخاصة من الولايات المتحدة، من أن الصين قد تستغل وجودها الاقتصادي بالقرب من القناة لأغراض استراتيجية.
وفي عام 2017، حولت بنما اعترافها الدبلوماسي من تايوان إلى بكين، وهي الخطوة التي أكدت نفوذ الصين المتزايد في المنطقة. ومنذ ذلك الحين، استثمرت الصين بكثافة في بنما، ووقعت على اتفاقيات تجارية متعددة وصفقات البنية الأساسية. وتشمل هذه الاستثمارات مشاريع مثل المتنزهات اللوجستية، وخط سكة حديد محتمل يربط بنما بكوستاريكا، وتوسيع مرافق الموانئ.
أيضاً تعد الصين واحدة من أكبر مستخدمي قناة بنما، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى مكانتها كمصدر عالمي رائد. القناة حاسمة لشحن البضائع بين الصين والأمريكيتين، ما يعزز أهميتها لطرق التجارة الصينية.
وعلى الرغم من الوجود الاقتصادي الكبير للصين في بنما، من المهم ملاحظة:
• تحتفظ هيئة قناة بنما بالسيطرة الكاملة على عمليات القناة، بما في ذلك الصيانة والتسعير والجدولة.
* لا يوجد دليل يشير إلى أن الصين لديها أي تأثير مباشر بقرارات هيئة قناة بنما أو ممارساتها الإدارية.
* إن أهمية القناة بالنسبة للعديد من أصحاب المصلحة العالميين، بما في ذلك الولايات المتحدة، تضمن أن أي محاولة لفرض السيطرة ستواجه مقاومة كبيرة.
وفي حين لا تسيطر الصين على قناة بنما، فإن نفوذها المتزايد في بنما أثار ناقوس الخطر في واشنطن. لطالما نظرت الولايات المتحدة إلى القناة باعتبارها أصلاً استراتيجياً، وتظل حذرة من الدور المتوسع للصين في أمريكا اللاتينية. يزعم بعض المنتقدين أن استثمارات الصين في المنطقة قد تمنحها نفوذاً على البنية التحتية الحيوية، حتى لو لم تديرها أو تمتلكها بشكل مباشر.
في الختام لا تسيطر الصين مباشرة على قناة بنما. ويظل الممر المائي تحت إدارة هيئة قناة بنما، التي تعمل بشكل مستقل. ومع ذلك، فإن الاستثمارات الاقتصادية والمصالح الاستراتيجية للصين في بنما زادت بلا شك من نفوذها في المنطقة، ما أثار مناقشات جيوسياسية حول آثار وجودها بالقرب من أحد أهم طرق التجارة في العالم. مع استمرار التنافس بين الولايات المتحدة والصين في تشكيل السياسة العالمية، من المرجح أن تظل قناة بنما نقطة محورية للمناقشة.
* مستشار الأسواق المالية والاستدامة
0 تعليق