إسماعيل الشريف

“لدينا الكثير من القتلة”—هكذا أجاب ترامب عندما سُئل عن كون بوتين قاتلًا.

تحوَّل زيلينسكي، الذي خاض حربًا ضد روسيا طوال ثلاث سنوات، من طفلٍ مدللٍ لدى الرئيس الأميركي السابق بايدن إلى ديكتاتورٍ منبوذٍ لا يريده الرئيس الحالي، ترامب، الذي سيجبره على إيقاف الحرب وسيستولي على نصف ثروة بلاده المعدنية.

ولكن لماذا هذا الانقلاب على زيلينسكي؟

هناك ثلاث نظريات مؤامرة تفسر هذا التحول. الأولى تزعم أن ترامب جاسوس لروسيا، وهو ما صرّح به أكثر من عميل سابق في وكالة الاستخبارات السوفييتية “كي جي بي”، وأبرزهم ألنور موساييف، الذي كان أحد كبار مديري الوكالة خلال الحقبة السوفييتية، ثم شغل منصب مدير المخابرات في كازاخستان قبل أن ينشق ويستقر في أوروبا. ووفقًا له، فقد جُنِّد ترامب في عام 1980 عندما واجه الإفلاس، حيث أنقذه المال الروسي آنذاك، وكان اسمه الحركي “كراسنور”.

أما النظرية الثانية، فتتحدث عن لقاء سري جمع ترامب، وبوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ، حيث تقاسموا العالم فيما بينهم. وفقًا لهذه الرواية، تحتفظ الولايات المتحدة بكندا وجرينلاند وقناة بنما، بينما تحصل روسيا على أجزاء من أوكرانيا ودول في البلطيق وآسيا الوسطى، في حين تستحوذ الصين على تايوان بشرط أن تبقى مسيطرة دائمًا على كوريا الشمالية. ويُشَبَّه هذا الاجتماع بمؤتمر يالطا عام 1945، الذي جمع تشرشل وروزفلت وستالين لتقاسم النفوذ العالمي.

أما النظرية الثالثة، فتدعي أن ترامب كان زائرًا نشطًا لجزيرة جيفري إبستين. ولمن لا يعرف، كان إبستين رجل أعمال أميركيًّا متهمًا بالاتجار بالبشر لأغراض جنسية، مستهدفًا قاصرات، وكانت له علاقات مع شخصيات نافذة. تم اعتقاله عام 2019، لكنه وُجد ميتًا في زنزانته في ظروف غامضة، مما أثار تكهنات حول تورط جهات قوية في وفاته. وتزعم هذه النظرية أن بوتين يمتلك ملفًا عن ترامب، يستخدمه لابتزازه.

ورغم أن هذه النظريات تبدو للوهلة الأولى مثيرة، فإن غالب الظن أنها ليست سوى ادعاءات يروّجها خصوم ترامب، دون أدلة قاطعة تثبت صحتها. ومع ذلك، تظل الحقيقة أن ترامب يميل إلى محاباة روسيا على حساب أوكرانيا، وهو ما تؤكده أدلة منطقية بعيدة عن نظريات المؤامرة، مدعومة بتقارير موثوقة، من بينها:

1. تشير تقارير إلى أنه بعد إفلاس ترامب في تسعينيات القرن الماضي، أنقذته أموال روسية من رجال أعمال معروفين بعلاقاتهم بالمافيات الروسية وقربهم من السلطة. على سبيل المثال، تم تمويل مشروع “ترامب سوهو” جزئيًا من قبل شركة “بايروك”، التي تربطها علاقات بمستثمرين روس. كما اعترف دونالد ترامب الابن عام 2008 بأن الأموال الروسية تشكل جزءًا كبيرًا من استثماراتهم.
2. عقد ترامب اجتماعات سرية مع بوتين، كان أبرزها قمة هلسنكي عام 2018، والتي لم يحضرها سوى المترجمون، وتم إتلاف جميع الوثائق المتعلقة بها.
3. تصب سياسات ترامب في خدمة المصالح الروسية، ومن ذلك خفض القوات الأميركية في ألمانيا، وموقفه المناهض لحلف شمال الأطلسي. وغرّد إيلون ماسك، أحد أقرب المقربين من ترامب، بأن على الولايات المتحدة الانسحاب من الحلف.
4. تشير بعض التقارير إلى وجود استثمارات لترامب في روسيا.
5. ثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن كبار موظفي إدارة ترامب خلال فترته الأولى كانت لهم علاقات قوية مع روسيا. من بينهم بول مانافورت، مدير حملة ترامب، الذي سُجن بتهمة التهرب الضريبي، ومايكل فلين، مستشار الأمن القومي السابق، اللذان تلقيا 12.7 مليون دولار من فيكتور يانوكوفيتش، الرئيس الأوكراني السابق الموالي لروسيا. لاحقًا، اعترف فلين بأنه كذب بشأن اتصالاته مع السفير الروسي في الولايات المتحدة، وكذلك بشأن اجتماعه في سيشل عام 2017 مع مسؤولين روس كبار.
6. كشفت تحقيقات أجراها مكتب المدعي العام عن ارتباطات بين ترامب وروسيا، وهو ما أكده تقرير صادر عن مجلس الشيوخ، الذي أشار إلى وجود اتصالات مكثفة بين ترامب ومسؤولين روس.
7. نشرت وكالة “رويترز” تقريرًا تحدث عن وجود صداقة شخصية بين بوتين وترامب، حيث سبق لترامب أن وصف بوتين بأنه “محترم وقوي”. كما أشارت التقارير إلى أن ترامب أرسل إلى روسيا خلال فترته الأولى تقارير اختبارات كوفيد-19.
8. في كتاب الحروب لبوب وودوارد، تناول الكاتب تدخل الروس في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، ومع ذلك، رفض ترامب توجيه أي انتقاد لروسيا.

إذا انتهت الحرب الروسية بسيطرة موسكو على 19% من الأراضي الأوكرانية، بما في ذلك مصانعها وثرواتها وسككها الحديدية وموانئها على البحر الأسود، فضلًا عن مناجم الفحم الحجري ومحطات الطاقة، وانتهت بذلك مغامرة أوكرانيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حينها قد يجد البعض مبررًا للترويج لإحدى نظريات المؤامرة الثلاث. أما إذا لم يحدث ذلك، فستظل الأدلة الثمانية المنطقية هي الأكثر إقناعًا.