لطالما طالب الغرب الفلسطينيين بما يطلبه ترامب من أوكرانيا - وأكثر

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
‏خوان كول* - (إنفورمد كومينت) 1/3/2025
يذكّرنا‏‏ ديفيد سميث من صحيفة "الغارديان" ‏‏بأن ترامب من محبي مباريات الاتحاد العالمي للمصارعة، في محاولة لشرح المشهد المحزن الذي عُرض في البيت الأبيض يوم الجمعة.‏اضافة اعلان
هناك، كان ترامب يطالب فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، "بصنع السلام" مع روسيا، متهمًا إياه بالمخاطرة بإغراق الكوكب في حرب عالمية ثالثة بسبب موقفه ضد الغزو الروسي. وقال ترامب لزيلينسكي: "إما أن تُبرم صفقة أو نخرج". وكان يقصد بـ"الصفقة" الإذعان للضم الروسي لإقليم دونباس والمناطق المجاورة من أوكرانيا.‏
‏ندد الديمقراطيون بترامب وجي دي فانس بسبب الكمين المُعدّ الذي تم التدرب عليه مسبقًا بوضوح. ونقلت‏ ليوني تشاو فونغ، في ‏‏صحيفة "الغارديان"،‏‏ عن السيناتورة إيمي كلوبوشار (ديمقراطية من مينيسوتا) قولها عن زيلينسكي، "بلدنا يشكره والوطنيين الأوكرانيين الذين وقفوا في وجه ديكتاتور، ودفنوا أحباءهم وأوقفوا بوتين عن السير مباشرة إلى بقية أوروبا".‏
لا أستحضر كل هذا للحديث عن مواطن الصواب والخطأ في الحرب الأوكرانية. ثمة محللون عسكريون وعلماء سياسيون جادلوا لبعض الوقت بأنه بالنظر إلى مزايا روسيا من حيث الحجم والقوى البشرية، فإن انتصارًا صريحًا لأوكرانيا غير مرجح. ومع ذلك، يبقى تشجيع بوتين بهذه الطريقة عملًا غير حكيم، يشبه إلى حد كبير السماح لمنافسك على طاولة البوكر بمعرفة أنه ليس لديك أي أوراق قوية.‏
‏إن ما أريده هو أن أغتنم اللحظة لأشير إلى حقيقة أن مطالب ترامب من أوكرانيا لا تختلف عن مطالب الولايات المتحدة وأوروبا الغربية من الفلسطينيين في التسعينيات، وأن الغرب يبدو هذه الأيام وكأنه يتوقع من الفلسطينيين ببساطة أن يرتكبوا انتحارًا جماعيًا. 
مثل أوكرانيا، تعرضت فلسطين أيضا للغزو -في الحالة الأخيرة كان الغزاة هم المستعمِرون الاستيطانيون الصهاينة، الذين استولوا عليها وطردوا الفلسطينيين من وطنهم. وقد طرد الإسرائيليون -الذين كانوا قد اكتسبوا لقب "إسرائيليين" حديثًا- 57 في المائة من السكان الفلسطينيين من ما أصبحت إسرائيل، وسرقوا منازلهم ومزارعهم وأخذوها لأنفسهم -حتى أنهم أكملوا حصاد المحاصيل التي كان قد زرعها الفلسطينيون. وتم تكديس هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان بشكل رئيسي. والآن يأتي الإسرائيليون لملاحقة هؤلاء اللاجئين ويقومون بطردهم مرة أخرى.‏
أدى الغزو الروسي لأوكرانيا‏‏ إلى نزوح‏‏ 10.2 مليون أوكراني، أي حوالي 23 في المائة من السكان الأوكرانيين كما كان عددهم قبل الحرب. وبذلك، عانى الأوكرانيون من نسبة نزوح أقل بكثير من الفلسطينيين.‏
‏وفوق ذلك، في العام 1967، غزت إسرائيل قطاع غزة والضفة الغربية واستولت عليهما واحتلت الفلسطينيين من جديد، سواء اللاجئين الذين استقروا هناك أو الذين عاشوا في تلك الأراضي قبل العام 1948. وفي ذلك الوقت، كان هناك أكثر من 300.000 فلسطيني من الضفة الغربية يعملون في الخارج عندما دخلت القوات الإسرائيلية، والذين منعتهم السلطات الإسرائيلية من دخول بلدهم إلى الأبد.
منذ العام 2014، غزت روسيا ‏أوكرانيا واحتلت 19 في المائة ‏‏منها.‏ ‏وفي المقابل، استولت إسرائيل على 78 في المائة من مساحة فلسطين في العام 1948 عن طريق الغزو العسكري ومن خلال حملات التطهير العرقي المتعمدة التي تضمنت ارتكاب المجازر المبيّتة في حق القرويين الفلسطينيين بهدف نشر الذعر.‏
فعلت "منظمة التحرير الفلسطينية" في العام 1993 بالضبط ما يطالب ترامب زيلينسكي بفعله اليوم. لقد تخلت عن أي مطالبة من جانب الفلسطينيين بالأراضي التي استولى عليها المهاجرون اليهود الأوروبيون وحولوها إلى إسرائيل، وقبلت بإقامة دولة فلسطينية على 22 في المائة فقط من أرض فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني الاستعماري القديم. وقد تعهدت إسرائيل، وفق الاتفاقات، بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في العام 1967، مع تحديد موعد نهائي للقيام بذلك هو العام 1997. لكن بنيامين نتنياهو أخرج تلك الخطة تمامًا عن سكّتها، وحصل الفلسطينيون على أقل من لا شيء في مقابل تخليهم عن الكثير.‏
‏يطالب ترامب زيلينسكي بقبول ما يعادل اتفاقيات أوسلو التي وافق عليها الفلسطينيون في العام 1993. وقد أشار زيلينسكي إلى أن بوتين قد يبرم الصفقة ثم يتراجع بعد ذلك، وصرخ فيه ترامب وفانس وأسكتاه. لكن هذا بالضبط ما فعله الإسرائيليون.‏
يعاني الأميركيون الذين يشعرون بأن ما يطلبه ترامب من أوكرانيا غير عادل من نقطة عمياء عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين. ولا أعرف ما إذا كان ذلك ناجمًا عن العنصرية -حيث يصنف العديد من الأميركيين الأوكرانيين على أنهم "بيض" والفلسطينيين على أنهم "سمر". لكن العديد من الأميركيين لا يستطيعون رؤية الفلسطينيين، ولا يستطيعون التعاطف معهم، ولا يمكنهم فهمهم كبشر.‏
‏الآن، يطلُب ترامب من الفلسطينيين مغادرة غزة، وهي من الأجزاء القليلة من فلسطين التي ما يزال بوسعهم العيش فيها. وهذا أشبه بمطالبة 17 مليون أوكراني بلملمة متاعهم والرحيل بشكل نهائي إلى بولندا ودول أخرى، والتخلي عن أوكرانيا إلى الأبد، والسماح للمستعمرين الروس بالحلول محلهم. حتى ترامب لا يطلب ذلك من الأوكرانيين. بعد.‏
*خوان كول (Juan Cole): هو مؤرخ ومحلل سياسي أميركي، وأستاذ تاريخ في جامعة ميشيغان، متخصص في شؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وُلد في العام 1952، ويُعرف بأعماله حول التاريخ الإسلامي المعاصر، والعلاقات الأميركية-الشرق أوسطية، والصراعات في العالم العربي. يدير مدونة "التعليق المستنير" Informed Comment التي يقدم من خلالها تحليلات نقدية للأحداث السياسية في المنطقة. ألف كتبا عدة، أبرزها "مصر نابليون" Napoleon’s Egypt و"محمد: رسول السلام وسط صراع الإمبراطوريات" Muhammad: Prophet of Peace Amid the Clash of Empires؛ و"رباعيات الخيام" The Rubaiyat of Omar Khayyam. وهو من الأصوات البارزة في نقد السياسة الخارجية الأميركية، خاصة تجاه الشرق الأوسط.‏
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The West has Long Demanded of Palestinians what Trump Demanded of Ukraine — and More
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق