****
إن السلطة الانتقالية المؤقتة؛ ممثلة بالمجلس السيادي الأعلى، ستفعل، في هذه المرحلة، أحد أمرين:
- إما أن تعيد إنتاج النظام السابق، بشكل أو بآخر، أو:
- تحرص على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نزيهة... تنتج عنها حكومة ممثلة للشعب فعلاً، ومستجيبة لرغبات غالبيته.
إن جنحت للخيار الأول، فسيرشح بعض قادة العسكر -خاصة بعض رموز النظام السابق- أنفسهم، ويتولى أحدهم الرئاسة، بعد أن يخلع البذلة العسكرية. ويتم «ترتيب» الانتخابات، بما يضمن فوزه ورفاقه. هنا يكون البلد قد استبدل ديكتاتوراً بآخر. وسيعمل الرئيس الجديد على أن يكون لديه برلمان طوع بنانه... وتُنسى الهبة الشعبية، ويُنسى الانقلاب. ولأن كل دول العالم الديمقراطية الحالية ترفض الحكومات العسكرية الصريحة، تبذل الحكومة الجديدة قصارى جهدها لتظهر بأنها مدنية، تمثل شعبها، لا القلة العسكرية فيه فقط؟!
أما إن حرص الجيش على تسليم السلطة للمدنيين (الشعب) كما يتوجب، وكما تريد غالبية الشعوب المنتفضة، وعمل على ضمان إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية سليمة، ثم عاد إلى ثكناته، مقره ومكانه الطبيعي، فإنه يكون -بذلك- قد أبدى نزاهة ووطنية، ومهنية رفيعة، ونقل بلاده لنظام تقبله غالبية الشعب المعني، ويضمن للبلاد الأمن والاستقرار الحقيقي، في المدى الطويل، وحتى لا تتكرر (بعد حين) الهبات الشعبية باهظة الثمن والتضحيات، حتى لو كانت سلمية...
****
وهناك ما يسمى بـ«الطب السياسي» (أو الإجراءات الإصلاحية السياسية الحكيمة) التي بواسطتها تعالج الدول المضطربة سياسياً، أو الدول المريضة سياسياً، إن تمكن إخضاعها للعلاج. وتداوى تلك المهددة بانهيار وشيك، أو اضطراب سياسي حاد، أو «حرب أهلية» في الأفق، أو ما شابه ذلك. ومن صور «الطب السياسي»، المشار إليه: قيام منظمات، أو دول أخرى، أو شخصيات ذات خبرة وتأثير، من داخل وخارج تلك البلاد، باستخدام كل ما يمكنها استخدامه من جهود واتصالات، لوقف ذلك العناء، وإعادة الحياة الطبيعية للبلاد المعنية، إلى ما كانت عليه، أو أحسن... عبر: الوساطة (النزيهة) بين الفرقاء المعنيين. وإن كان «علم السياسة» يقدم «تطبيباً» لـ«الجراح والأمراض السياسية» المختلفة، فإن من أبرز صور هذا التطبيب هي ذلك المسعى، أو ما يسمى بـ«التدخل الحميد»، إن حسنت نياته بالفعل، والذي كثيراً ما ينتج عنه شفاء أمراض سياسية عضال مختلفة، وإعادة الاستقرار إلى بلاد افتقدته.
في الحالة السورية، حسناً كان تمديد مدة الفترة الانتقالية، لأربع سنوات، ومحاولة حل مشاكل هذه الفترة ذاتياً. فإن تعذر ذلك، أو تعثر، يمكن الاستعانة بجامعة الدول العربية، أو بدولة، أو دول شقيقة، ترضاها للعمل كوسيط محايد. ثم يعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية الشاملة. وبعد ذلك يتم:
- تشكل لجنة برلمانية لصياغة دستور (نظام) جديد للبلاد.
- ويطرح الدستور المقترح للاستفتاء الشعبي.
- وتنزع أسلحة الميليشيات المسلحة، وتعطى للجيش السوري النظامي.
- وتحويل الصالح من التنظيمات المقاومة إلى أحزاب سياسية، تؤمن بالتداول السلمي للسلطة.
- إجراء انتخابات رئاسية، وتشريعية نزيهة، وتحت رقابة نزيهة.
- انصراف الثوار، غير المنتخبين، مشكورين، إلى بيوتهم.
* * **
وما ذكرناه يتم في حالة الاضطراب الحاد، أو الحرب الأهلية، بين فرقاء محليين. أما عندما تعاني دولة ما من مشاكل وأمراض أخرى مختلفة، فإن الإجراء «العلاجي» لا بد أن يختلف... تبعاً لاختلاف طبيعة وخصائص وأعراض كل مرض. والحمد لله، أن الشعب السوري، وقادته الجدد، على درجة عالية من النزاهة، والوطنية. الأمر الذي يبعث على التفاؤل بأن سوريا ستجتاز المرحة الانتقالية، بإتقان، وسلام.
وفي حالة حدوث اضطراب سياسي حاد، ناتج (مثلاً) عن: قيام مجموعة محلية معينة بإزاحة حكومة بلد ما معين، والاستيلاء على السلطة، فقد نكون بصدد حرب أهلية مدمرة. أو تبقى الأزمة في إطار الخلاف الأهلي الساخن.
وهنا، على المجتمع الدولي (ممثلاً في الدول والمنظمات التي يهمها أمر الدولة المعنية، بشكل أو بآخر) أن ينظر في هذه المسألة بموضوعية، وبأكبر قدر ممكن من التجرد والحيادية، والحكمة. فإن كانت الحكومة التي أُزيحت «شرعية» (تؤيدها غالبية سكان الدولة المعنية) فإن على ذلك المجتمع أن يتحرك لإعادة الحكومة الشرعية، وعدم الاعتراف بذلك «الانقلاب»، وبما يترتب على حصوله. أما إن كان ذلك الانقلاب ضد حكومة «غير شرعية» أصلاً فإن منطق الحق والعدالة يقتضي أن: يبارك المجتمع الدولي إزاحة تلك الحكومة.. وفي ذات الوقت يضغط على الانقلابيين كي يمهدوا لقيام حكومة شرعية، في أقرب فرصة ممكنة، سواء بمساعدة خارجية، أو بدون هذه المساعدة.
أخبار ذات صلة
0 تعليق