وُهب ياسر وزوجته أمل طفلة ملأت حياتهما سعادة
بقدوم شهر رمضان، تتجلى الرحمات وتتجدد الأمنيات، وفي مكة المكرمة كانت هناك أسرة تعيش لحظة غيّرت مجرى حياتها إلى الأبد. "أبو مودة" و"أم مودة"، زوجان قضيا أكثر من عقدين في انتظار طفل يملأ حياتهما حبًا، لم يرزقا بالذرية، لكن الأمل لم يفارق قلبيهما يومًا.
رحلة طويلة من الدعاء والانتظار
تزوج ياسر بن سعيد وأمل بن سلمان قبل 21 عامًا، وحلما ككل الأزواج بيوم يحملان فيه طفلًا بين أيديهما، يربّونه بحبّ، وينشأ بين أحضانهما، لكن القدر كان له رأي آخر. سنوات من المحاولات، زيارات للأطباء، دعاء في كل ليلة، أيادٍ تُرفع للسماء، لكن الطفل المنتظر لم يأتِ. ورغم ذلك، لم ينكسر يقينهما برحمة الله، ولم ينطفئ النور في قلبيهما.
باب الاحتضان.. النور الذي أشرق في حياتهما
مع مرور الوقت، بدأ الزوجان يبحثان عن طريق آخر يحقق لهما حلم الأمومة والأبوة، فتوجها إلى جمعية الوداد الخيرية في مكة المكرمة، تلك الجمعية التي تفتح أبوابها لمن أراد أن يمنح اليتامى بيتًا حقيقيًا وأحضانًا دافئة.
لم يكن الأمر سهلًا، فأم مودة، وهي معلمة حاصلة على درجة الماجستير، لم تفوت أي فرصة لتقديم الطلب وإعادة تحديثه في كل مرة تسمع أن هناك فرصة للاحتضان. كانت تزور الجمعية وتستفسر، كانت تنتظر مكالمة قد تغير حياتها.
المكالمة المنتظرة
وفي يوم من الأيام، رنّ الهاتف. كان صوت الموظف في الجمعية يحمل بشرى طال انتظارها: “هناك طفلة بانتظاركم!” لم تصدق أمل أذنيها، شعرت أن قلبها توقف لثوانٍ قبل أن يعود ينبض من جديد، هذه المرة بنبضات أسرع، محمّلة بمشاعر امتزج فيها الفرح بالدهشة، والحلم بالحقيقة.
“مودة” تدخل حياتهم.. وتنثر السعادة في كل زاوية
وفي أول يوم من شهر رمضان المبارك، كان الموعد المرتقب، دخلت الصغيرة “مودة” إلى حياتهم، وهي طفلة بعمر السنة والنصف، بعينيها البريئتين ونظراتها التي تحاول استكشاف العالم الجديد من حولها، لم تكن تعلم أنها أصبحت جزءًا من أسرة انتظرتها بلهفة، وأنها ستملأ قلبين بحب لم يختبراه من قبل.
ما إن دخلت مودة البيت، حتى تبدل كل شيء. تحولت أركان المنزل إلى مساحات من الفرح، أصبح لصوت الضحكات طعم آخر، وللحياة معنى جديد. كان الأب المتقاعد يقضي وقته يداعبها ويحملها بين يديه، بينما كانت الأم تنظر إليها بعينين تلمعان بالحب والامتنان، تغمرها بأحضانها، كأنها تخشى أن تكون مجرد حلم قد يزول فجأة.
تفاصيل صغيرة.. لكنها تعني الحياة
لم تكن فرحة الاحتضان وحدها كافية، بل كان لا بد من خطوة أخرى تجعل مودة ابنتهما شرعًا. هنا، جاء دور عمر، ابن أخت المحتضن أبو مودة، الذي بادرت زوجته بأن تكون هي المرضعة لمودة، لتصبح ابنتهما بالرضاعة، وترتبط بهما برابط لا ينفصم.
لقاء مع العائلة.. ومشاعر لا توصف
في لقاء خاص مع "أخبار 24"، تحدث الأب بحبّ قائلاً: “ما في شعور يوصف، مودة غيرت حياتنا بالكامل، صارت هي كل شيء بالنسبة لنا.. الله رزقنا بها بعد ما ظننا أن الحلم مستحيلاً".
وأضاف: “مر علي أكثر من 50 رمضانًا، لكن رمضان هذا كان مختلفًا عنهم جميعًا.. الأجمل بلا منازع. وإلى الآن، لا أتوقف عن الدعاء أن يرزقني الله بالذرية الصالحة، حتى يكون لمودة إخوة وأخوات، لكنني من الآن أقول لهم إن مودة مقدمة على الجميع، ومعزتها خاصة جدًا".
وتابع قائلاً: “هذه ثمرة دعاء سنوات.. والله رزقني بها في الوقت الذي لم أكن أتوقع فيه أي معجزة".
أما الأم، فلم تستطع حبس دموعها وهي تقول: “كنت أدعو ليل نهار أن يرزقني الله بطفل، واليوم مودة بين يدي، شعور لا أستطيع وصفه.. صارت بنتي، ونبض قلبي، وما أتصور حياتي بدونها".
وأوضحت أن رمضان هذا العام كان مختلفًا تمامًا عن كل رمضان مر عليها، قائلة: “رمضاني هذه السنة غير كل الرمضانات اللي فاتت، مودة كانت جبرًا من الله عز وجل".
وكشفت أم مودة أنها ستبدأ تدريجيًا بالحديث مع الطفلة حول فكرة الاحتضان، موضحة لها أنها ابنتهم التي جاءت إليهم هدية وجبر خاطر من الله.
رسالة من أم مودة إلى ابنتها بعد 20 عامًا
وخلال اللقاء مع "أخبار 24"، طلبنا من أم مودة توجيه رسالة لابنتها الجديدة، التي رأتها أخيراً بعد انتظار 20 عامًا، فاختنقت الكلمات في حلقها قبل أن تقول بصوت مليء بالعاطفة: “يا مودة، أنتِ كنتِ بسمة لروحي وبلسمًا على قلبي، كنتِ لنا نورًا، وكنتِ لنا جمالًا، وكنتِ لنا عطاءً وبركةً وخيرًا. أنتِ هدية الله لنا، وستبقين دائمًا أجمل نعمة في حياتنا".
قصة بدأت بالحلم وانتهت بحب لا ينتهي
لم تكن مودة مجرد طفلة دخلت حياتهم، كانت النور الذي أضاء البيت، والمعجزة التي تحققت بعد صبر طويل، وكانت الابتسامة التي ملأت قلوبهم بأجمل معاني الأمومة والأبوة.
اليوم، تمر الأيام في بيتهم بشكل مختلف، صوت مودة يملأ الأرجاء، خطواتها الصغيرة تتجول في كل زاوية، حضن أمها هو المكان الأكثر أمانًا لها، وذراعا والدها هما الملجأ الذي لن يفارقها أبدًا.
هكذا، يكتب القدر قصصًا جميلة، وحين يكون الصبر مفتاحًا لها، فإن النهاية دائمًا تكون أجمل مما نتخيل.
0 تعليق