• هل يمكن الإسهام في بناء مدارس لتحفيظ القرآن الكريم والعناية بها من مال الزكاة؟ وهل تدخل ضمن المصرف الثامن والأخير من مصارف الزكاة "وفي سبيل الله"؟
بعض أهل العلم رخص في هذا السهم، وهو سهم "في سبيل الله"، في كل ما كان يمكن أن يندرج في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، من تعريف بأحكام هذا الدين، ومن نشر له، ومن دعوة إليه، ومن أداء لواجبي التعليم لآيات كتاب الله عز وجل، وهدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فوسعوا في هذا المصرف ليشمل مثل هذه الوجوه.
لكن هذا قول الأقل من الفقهاء، وهم من المتأخرين أكثر مما نجده عند المتقدمين منهم، لكن إذا نظرنا في هذا السهم، فإن استعمال هذا الوصف، وهو "في سبيل الله"، يرد في القرآن الكريم دالًا على الجهاد في سبيل الله ولذلك نص الفقهاء أو عامة الفقهاء من مختلف المذاهب الإسلامية أن هذا المصرف يراد به ما يتعلق بالجهاد في سبيل الله، من الإعداد والعتاد والعدة والسلاح، وحمل الجنود وتجهيزهم، وكل ما يتعلق بالجهاد في سبيل الله، وأن مرد هذا المصرف إلى ولي الأمر، لا إلى أفراد المكلفين.
وهذا توجيه مقنع إذ في المقابل، إذا نظرنا في التوسعة التي يراها البعض، فإننا سنجد أسبابًا تمنع من الأخذ بهذه التوسعة أما أولًا، فلما تقدم من أن سهم "في سبيل الله" في القرآن الكريم وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشمل الجهاد أو يراد به الجهاد في سبيل الله لا يراد به عموم الأعمال الصالحة، وإلا فما من شك أن كل عمل يقوم به الإنسان يبتغي به وجه الله تبارك وتعالى، مخلصًا محسنا، موفيًا لأركانه وشروطه، أنه في سبيل الله لكن ليس هذا هو المقصود، وإنما المقصود هو هذا المعنى الاصطلاحي المأخوذ من الأدلة الشرعية من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما ثانيًا، فلأن سيرة المسلمين عبر تاريخهم هي أنهم جعلوا هذا المصرف خاصًا بالجهاد، ولم يتوسعوا فيه، فلم يجعلوا مما يمكن أن تنفق فيه الزكاة أموال الزكاة، بناء المدارس والمساجد والمصليات وما أشبهها من المرافق الدينية العامة، لم يبذل المسلمون الزكاة في مثل هذه الوجوه، وما استعملوها أيضًا في وجوه من الدعوة إلى الله تبارك وتعالى بنشر رسالة هذا الدين أو بمناظرة أهل الباطل، أو غير ذلك مما يندرج في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى أيضًا ما أخذوا من أموال الزكاة لمثل هذا الغرض.
أما السبب الثالث، فهو عدم وجود ضابط إذا قيل بالتوسعة، وأن مصرف "في سبيل الله" يمكن أن يشمل مثل هذه الوجوه، فأين نقف؟ ليس هناك ضابط، نجد البعض يريد لما يتعلق بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى والتعريف بالإسلام وبعض الحملات الدعوية، لاسيما في غير بلاد الإسلام، يأتي آخرون ويقولون لبناء مدارس ومدارس تعليم القرآن الكريم، وللتعليم والتعلم، وأن ذلك مما فيه نصرة لدين الله تبارك وتعالى، وغيرهم يأتي ويريد أن يدخل المساجد وعمارة المساجد، وهكذا لن نجد ضابطًا، ليس هناك ضابط نقف عنده لنتبين أين ينحصر هذا المعنى، وهو معنى "في سبيل الله".
من أجل كل ما تقدم، لا يظهر القول بجواز الأخذ من الزكاة لبناء مدارس لتعليم القرآن الكريم تحت هذا السهم "في سبيل الله"، لاسيما وأن هذه المدارس أيضًا سينتفع منها عموم أبناء المسلمين من أغنياء وفقراء ومن هم بين ذلك ممن لا يصدق عليهم وصف "الزكي" واستحقاق الزكاة فمن أجل ذلك لا أرى وجهًا مقبولًا شرعًا للأخذ بهذا القول في مثل أمر الزكاة، وهي فريضة من فرائض هذا الدين، والله تعالى أعلم.
• هل للمرأة أن تعطي زوجها من زكاة مالها إذا كان الزوج مديونًا ويذهب الجزء الكبير من راتبه للأقساط؟
هنا مسألتان، المسألة الأولى: هل للمرأة أن تعطي زوجها من زكاة مالها إذا كان الزوج مستحقًا للزكاة، والجواب هو نعم، يجوز للمرأة أن تدفع زكاة مالها إلى زوجها إن كان زوجها مستحقًا للزكاة.
المسألة الثانية هي مسألة أن يكون الزوج مدينًا، فما ضوابط هذا الغرم الذي به يستحق أن يكون أخذا للزكاة، الغرم إن كان في أمر تشتد إليه الحاجة في أمر ضروري أو حاجي، ولم يكن بإسراف أو تبذير، في أمر مباح، ولم يجد له وفاءً، فيعان من الزكاة مثل هذا الغارم، نعم يعان من الزكاة.
فهذا الوصف، وهو وصف الغرم، يصدق على هذا الذي يقترض لأمر لابد له منه لا يلزم أن يكون من ضرورات الحياة، وإنما مما تشتد إليه الحاجة بحسب أحوال الناس وأعرافهم فمما تشتد إليه حاجته، وليس عنده إلا أن يقترض من غيره، فاقترض، ثم لم يجد وفاءً وهو في اقتراضه ذلك في هذا الدين الذي تحمله، لا يريد الإسراف والمخيلة ولا التبذير، لا يريد المباهاة والمبالغة، وإنما يقتصر على قدر حاجته وحاجة أسرته، ثم لم يجد وفاءً لم يجد ما يسدد به هذا الدين الذي ركب، فهذا من الغارمين الذين يمكن أن يعانوا من الزكاة.
فباجتماع الصورتين، يتبين أنه لا إشكال، إن صدق أن الزوج غارم بمثل هذه الأوصاف التي تقدمت، فلا حرج على المرأة أن تدفع زكاة مالها لزوجها، لكن الذي أصبح يرد إلينا كثيرًا، هو أن الآباء يرغبون في أن يدفعوا زكوات أموالهم إلى أولادهم، أو أن النساء أيضًا يدفعن زكوات أموالهن إلى أولادهن ولا يلتفت إلى أن هؤلاء الأولاد لهم من يعولهم، فينظر في حال هذا الذي يعول أسرته، هل يصدق عليه وصف استحقاق الزكاة أو لا؟
ثم ينظر إذا كانوا ليسوا في عول أبيهم، ينظر في أحوالهم بأنفسهم، كما ينظر في أحوال غيرهم هل هم مستحقون للزكاة أم لا؟ فكما يبحث حال غيره، فإنه يبحث في حاله، هل هو محتاج لحاجة نفسه، أو لأنه مسؤول عن نفقات أخرى، أو أن والده متكفل بنفقاته؟ مثل هذه المسائل لا نحبها للناس لا أريد أن أقول الاحتيال، لكن البحث في إخراج الزكاة داخل الأسرة باستثناء الصورة الأولى التي هي صورة أداء المرأة لزوجها، لأن المرأة ليست مسؤولة عن الإنفاق على زوجها، العكس هو الصحيح، الرجل مسؤول عن الإنفاق على زوجته، أما هي فلا هي تملك مالها، وتتصرف في مالها، وقد ضمنت الشريعة لها أن تتصرف في مالها كيفما شاءت، مما أباحه الله تبارك وتعالى.
فإذا كانت عليها زكاة فلها أن تعطي زوجها، ولها أن تعطي من شاءت من المستحقين، أما أن يكون داخل الأسرة، أو لمصالح تعود للأسرة، فإننا نجد بعض الأسئلة التي يطلب فيها إصلاح جزء من البيت أو شراء بعض الأجهزة للأولاد الذين يدرسون أو بحاجة إلى أجهزة حواسيب أو حفر بئر للأسرة وضيوفهم وكأنهم لا يشحون بأنفسهم بأداء هذه الزكاة إلى مستحقيها، ولكنهم لا يريدون أن يظهروا بمظهر من لم يؤد زكاته، فيجعلونها في مصالح أنفسهم وأسرهم فقط وليس هذا من شأن المسلم الذي يؤدي هذه الزكاة بنفس طيبة، يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى، يطهر بها نفسه، ويطهر بها ماله.
هذا هو، هذه من أظهر مقاصد الزكاة التي أودعها الله تبارك وتعالى في هذه الفريضة، فلا ينبغي الاحتيال بمثل هذه النوع من الحيل والوسائل، والله تعالى المستعان.
0 تعليق