السلام والاستقرار في اليمن لا يصنعه جحيم الطائرات

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أكدت سلطنة عمان مجددا موقفها الثابت تجاه التصعيد العسكري في اليمن، محذرة، في بيان صدر عن وزارة الخارجية، من تداعيات استمرار الخيار العسكري على استقرار المنطقة وأمنها، ومشددة على أن الحلول المستدامة لا تتحقق إلا بالحوار والتفاوض. وموقف سلطنة عُمان ليس وليد اللحظة الآنية إنما هو امتداد لنهج دبلوماسي عريق اختطته سلطنة عُمان مستندا إلى مبادئ سياسية راسخة وخبرة طويلة في إدارة الأزمات الإقليمية وبرؤية تقوم على تهدئة النزاعات بدلا من تأجيجها.

وعلى النقيض من هذا النهج المسؤول، جاء الهجوم الأمريكي على اليمن ليعكس مرة أخرى خطأ الرهان على القوة العسكرية كحل لمشكلات المنطقة؛ فالقصف الذي أدى إلى سقوط عشرات الضحايا، بينهم نساء وأطفال، لا يحل المشكلة التي أراد حلها ولكنه يضاعف الكارثة الإنسانية في اليمن التي مضى عليها قرابة عقد من السنين حتى باتت واحدة من أسوأ الأزمات في العالم.

إن الضربة العسكرية التي تعرضت لها اليمن والتي تأتي في سياق ضربات سابقة شاركت فيها دولة الاحتلال الإسرائيلي تزيد من تصعيد التوترات في البحر الأحمر، فيما كان الأولى من أمريكا التي تقدم نفسها وسيطا في قضية الشرق الأوسط أن تسعى لعلاج الأسباب الجذرية للصراع. فبدلا من توجيه الجهود نحو دعم عملية سياسية شاملة تنهي معاناة اليمنيين، اختارت الولايات المتحدة مرة أخرى نهج الضربات العسكرية، في تجاهل تام لما أثبتته التجارب السابقة من أن القوة وحدها لا تؤدي إلى حل دائم، بل تعمّق الأزمات وتعزز مناخات العداء والكراهية.

ومن الواضح جدا أكثر من أي وقت سابق أن النهج الأمريكي في التعامل مع أزمات المنطقة يتسم بازدواجية المعايير، وهو ما تجلّى في الموقف من الحرب على غزة. فالولايات المتحدة، التي تقدم دعما غير مشروط لإسرائيل رغم جرائمها في القطاع، ترى في أي تحرك مضاد لهذه الجرائم تهديدا يجب سحقه بالقوة. لكن كيف يمكن تبرير مثل هذه السياسة أمام الشعوب التي ترى في هذه الازدواجية دليلا إضافيا على الانحياز الأمريكي الذي لا يمكن أن يكون أساسا لحلول عادلة ومستدامة؟

أظهرت الأحداث الأخيرة أن استهداف الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر كان بمثابة رسالة يائسة إلى العالم، تعكس الإحباط من عجز المجتمع الدولي عن وضع حد لانتهاكات إسرائيل في غزة. وبينما تتجه أمريكا نحو المزيد من التصعيد العسكري في اليمن، فإنها تتجاهل أن معالجة الأسباب الجذرية للأزمات هي السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار، لا القصف ولا فرض العقوبات.

البيان الذي أصدرته سلطنة عُمان يذكر العالم بالسياق التاريخي للأحداث الذي يؤكد أن سياسة الضربات العسكرية لم تؤدِّ إلا إلى مزيد من التدهور في الوضع اليمني، دون تحقيق أي تقدم نحو الاستقرار؛ ولذلك فإن دعوة عُمان المتجددة للحوار هي أكبر بكثير من موقف سياسي تجاه عملية عسكرية ظالمة على اليمن ولكنها خلاصة تجربة سياسية أثبتت نجاحها في أزمات سابقة، وسبيل وحيد للخروج من دائرة العنف المتكرر.

وعلى العالم أن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية ليتحرك من أجل وقف الهجمات على اليمن ومعالجة جذور الأزمة، بدلا من الاستمرار في السياسات التي تزيد من المعاناة وتفتح المجال لمزيد من الفوضى. وعلى القوى الدولية، إن كانت جادة في السعي إلى الاستقرار، أن تستمع إلى صوت الحكمة العمانية، وهو صوت العقل والسياسة معا، لأن الطريق إلى السلام لا ينطلق من القصف، بل عبر حل الجذور العميقة للمشكلة وفتح مساحات للحوار وصولا إلى حلول مستدامة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق