من هو الفقير؟

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

دار بيني وبين أحد الأصدقاء نقاش طويل حول معنى الفقر، ومن هو الفقير الحقيقي الذي يستحق الدعم والمساندة من المجتمع والدولة. كان الفقر والفقير فـي الماضي واضح المعالم، شخص معدم بالكاد يجد قوت يومه بلا مأوى بلا مورد دخل يعيش على ما تجود به الأيدي الرحيمة من جيرانه وأقربائه. لكن مع تطور الحياة وتقدمها تغيرت كثير من المفاهيم منها مفهوم الفقير الذي لم يعد بتلك الصورة النمطية التراثية المتوارثة فقد تجد اليوم فقيرًا يسكن فـي منزل جيد ويمتلك سيارة وهاتفًا محمولًا وإنترنت، ويتمتع بعدد من وسائل الترفـيه والتسلية ويسافر فـي بعض أيام السنة القائضة مع أسرته فـي سفر داخلي، فظاهريًا يبدو ذلك الشخص وكأنه من سكان الطبقة المتوسطة لكنه فـي واقع الحال هو من قاطني الطبقة الدنيا طبقة الفقر المالي التي هي أرفع درجات الطبقة الدنيا التي تقسم إلى ثلاث طبقات مختلفة، هي طبقة الفقر المدقع التي تعيش فـي ظروف قاسية جدًا، حيث لا يتمكن الأفراد من توفـير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء، والماء، والمأوى، الرعاية الصحية، والتعليم، أما الطبقة الثانية فهي طبقة الفقر النسبي وهي تلك الفئة التي لديها دخل منخفض مقارنةً بمستوى المعيشة العام فـي المجتمع الذي تعيش فـيه، لكنها قادرة على تأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية، أما الطبقة الأخيرة من الطبقات الدنيا فهي طبقة الفقر المالي أو ما يمكن تسميتهم بفقراء الدخل المتعثر وهذه الفئة تشمل الأفراد الذين لديهم دخل شهري، وربما يمتلكون أصولًا مثل سيارة أو منزل، لكن التزاماتهم المالية تفوق دخلهم، مما يجعلهم غير قادرين على تلبية متطلبات الحياة بسهولة وهذه الطبقة هي محور حديثنا اليوم وهي الطبقة الغالبة على المجتمعات خصوصا المجتمعات التي تنمو ببطء فـي محاولة منها لمغادرة إطار الدولة النامية.

قد لا تسعفني هذه المساحة للحديث عن الطبقتين المتبقيتين الطبقة الوسطى والطبقة الغنية والتي هي ليست محور حديثي هنا، لكنني أحببت أن أركز على الفئتين الأخيرتين من فئات الطبقة الدنيا طبقة الفقر النسبي وطبقة الفقر المالي اللتين لم يكونا ضمن تصنيف الطبقة الدنيا وإنما ضمن تصنيف الطبقة الوسطى لكن مع تبدل أحوال الحياة أصبح من لديه دخل منخفض ولا يقوى على دفع فواتيره الاستهلاكية المرتفعة يصنف ضمن دائرة الفقير الذي يستحق العون والمساعدة من الدولة ومن الجمعيات الخيرية وأهل البر والإحسان.

تدبرت فـي شؤون الفقر والفقراء فوجدت أن مفهوم فقير المدينة يختلف كثيرا عن مفهوم فقير القرية، ففقير المدينة يئن تحت وطأة المدنية الحديثة التي تطارده مغرياتها والتزاماتها ويطوقه صخب الحياة من كل جانب فكثيرا من الكماليات فـي المدنية تتحول إلى ضروريات قد لا يمكن الاستغناء عنها كما أسلفنا سابقا مثل السيارة ووسائل التسلية والمطاعم وغيرها من الكماليات التي استطاع فقير القرية الاستغناء أو الحد من استهلاكها، قد يكون بسبب عدم توافرها فـي القرية أو بسبب بعض القناعات الشخصية فـي فقير القرية الذي لا تستنزفه الرفاهيات ولا تغريه الكماليات.

لتقريب الصورة أكثر ولتبيان العلاقة بين مفهوم فقير القرية وفقير المدينة، فإنني أسترجع هنا ما تنشره الأمم المتحدة من تصنيفات للفقر فـي الدول المتقدمة والفقر فـي الدول الفقيرة النامية، ففـي الدول المتقدمة، يُعتبر الشخص فقيرًا عندما يقل دخله عن 60% من متوسط الدخل القومي للدولة فمثلا فـي الولايات المتحدة، يُحدد خط الفقر للفرد على أنه أقل من 35 دولارا أمريكيا يوميا، أما فـي الدول النامية، فـيُعتبر الشخص فقيرًا إذا كان دخله أقل 5 دولارات أمريكية يوميًا وفـي بعض البلدان الفقيرة جدا لا يتجاوز دخل الشخص اليومي أقل من دولارين يوميا. هذه الأرقام توضح بجلاء الفرق الشاسع بين واقع الفقر فـي الدول المتقدمة والدول النامية، وتسلط الضوء على الاختلافات الكبيرة فـي مستوى المعيشة بين فقير المدينة وفقير القرية.

فـي تقرير نشرته منظمة الإسكوا، تناول أوضاع الفقر فـي دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة من 2010 إلى 2021، حيث خلص إلى وجود نحو 3.3 مليون فقير فـي دول المجلس. كما أشار التقرير إلى أن خط الفقر بالنسبة للأسر الخليجية يتراوح بين 980 و1300 دولار أمريكي شهريًا، وتختلف نسب الفقر فـي المجتمعات الخليجية ما بين 2% و13% من إجمالي السكان. ورغم أن هذه الأرقام قد تبدو مقبولة فـي بعض دول المجلس، إلا أنها تظل بحاجة إلى تحسينات جوهرية فـي دعم الطبقات الفقيرة. من بين الإجراءات التي يمكن أن تسهم فـي ذلك، إصدار إعفاءات إضافـية من رسوم دفع فواتير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء، وتوفـير المستلزمات الحياتية الضرورية لأبناء الأسر المعسرة، وزيادة المخصصات المالية المعتمدة للأسر الفقيرة.

عبدالله الشعيلي رئيس تحرير جريدة «عُمان أوبزيرفر»

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق