الكيان الصهيوني وحروب المنطقة

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

رغم الاتفاق على وقف إطلاق النار في قطاع غزة والجهود السياسية الكبيرة التي بذلتها مصر وقطر لإنهاء العدوان الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني من خلال تبادل الأسرى، فإن نتنياهو واصل العدوان العسكري والإبادة الجماعية وضرب بعرض الحائط كل التعهدات وهو أمر ليس بجديد على حكومة الاحتلال المتطرفة.

كما أن الاعتداء العسكري الأمريكي على اليمن هو جزء من إخضاع المنطقة للمشروع الصهيوني الذي يبدو أنه يتعثر في السودان ولبنان وسوريا وعلى صعيد التطبيع مع الكيان الصهيوني.

السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة لترامب هي سياسة غير واقعية ومتناقضة وأصبحت أكثر تطرفا في عدد من الملفات الخارجية ليس على صعيد قضايا المنطقة العربية وخاصة القضية الفلسطينية ولكن على صعيد العلاقات مع أوروبا ومع الصين وإطلاق حرب الرسوم التجارية.

ومن هنا فإن العالم سوف يشهد أربع سنوات معقدة وخطيرة من إدارة ترامب ليس فقط على الصعيد الخارجي ولكن على صعيد مواجهة الدولة الأمريكية العميقة.

المبعوث الأمريكي حول ملف قطاع غزة أظهر انحيازه للكيان الإسرائيلي ولم يلتزم بخطة الوسطاء، والتي ينبغي أن تدخل المرحلة الثانية تمهيدا لإطلاق سراح جميع الأسرى من الجانبين ووقف إطلاق النار بشكل كامل وإطلاق المبادرة العربية بإعمار قطاع غزة من خلال القرار الجماعي للقمة العربية الأخيرة في القاهرة، وعلى ضوء استئناف العدوان الإسرائيلي الهمجي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وأيضا العدوان الأمريكي على الشعب اليمني فإن المنطقة تدخل مناخا سلبيا من التصعيد ومن المواجهات العسكرية التي سوف تخلق أجواء التوتر الذي يدخل المنطقة في أجواء الحرب الشاملة.

إن الخيار العسكري ليس هو الحل ولكن الحوار والدبلوماسية هما الأساس في إيجاد الحلول الواقعية للأزمات، وهو الأمر الذي أكدت عليه بلادنا سلطنة عمان من خلال بيان وزارة الخارجية الذي يدعو للحوار وعدم استخدام القوة العسكرية. ومن هنا فإن المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط يعد على جانب كبير من الخطورة بسبب التطرف الإسرائيلي وأيضا سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة التي تغامر بمصالحها في المنطقة وهذا يفرض نظرة سياسية واقعية لإنهاء حروب وصراعات المنطقة إذا كان ترامب يتحدث عن الازدهار الاقتصادي والتعاون التجاري بين الدول والشعوب، وعلى ضوء ذلك فإن خطة نتنياهو التنصل من الاتفاق والخطة لإنهاء الحرب في قطاع غزة هي مسألة مقصودة لتخفيف الضغط عن الاتهامات التي يواجهها مع المحاكم الإسرائيلية علاوة على إشكالاته الداخلية مع القيادات العسكرية والأمنية، حيث أقال مؤخرا رئيس جهاز الشاباك، كما أن حكومة نتنياهو أمام ضغط شعبي داخلي.

ومن هنا فإن شن العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة هو جريمة جديدة تدخل في إطار الإبادة الجماعية التي ارتكبها الكيان الصهيوني على مدى عام ونصف، واستشهد من خلالها أكثر من خمسين ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء وتدمير القطاع الصحي والبنية الأساسية للقطاع في مشهد كشف عن وحشية الكيان الإسرائيلي المحتل، الذي أصبح يمثل معضلة أخلاقية وإنسانية للحضارة في عالم اليوم.

فيما يخص العدوان الأمريكي على اليمن فإن المعادلة هنا تتحدث عن ربط واقعي تتحدث عنه جماعة أنصار الله وهو ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وإدخال المساعدات للقطاع المنكوب، وإن مسألة الملاحة في البحر الأحمر تتعلق بالسفن المتجهة للكيان. ومن هنا فإن الهجوم العسكري الأمريكي على المدنيين في اليمن والذي أسفر عن عشرات الضحايا المدنيين هو خطوة غير مبررة ولا تستند إلى تحليل واقعي حيث إن كل الكوارث والحروب والصراعات التي شهدتها المنطقة العربية منذ قيام الكيان الإسرائيلي عام ١٩٤٨ سببها غطرسة الكيان الصهيوني والدعم الأمريكي اللامحدود عسكريا واقتصاديا ومعلوماتيا وهذه معضلة كبيرة لدولة تدّعي أنها تقود النظام الدولي.

إن الخيار الأوحد لإنهاء هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على القرار الدولي هو إيجاد نظام متعدد الأقطاب وإيجاد سياسة دولية تنصف قضايا الشعوب بعيدا عن لغة القوة والتهديد التي تتبعها إدارة ترامب، كما أن المنطقة قد تدخل في حروب وصراعات معقدة إذا لم تُردَع إسرائيل المعتدية من خلال تدخل المجتمع الدولي وأيضا إيجاد لُحمة عربية وموقف موحد، حيث إن المصالح العربية والأمن القومي العربي في مفترق طرق ولعل الحروب وعدم الاستقرار في السودان واليمن وسوريا ولبنان وليبيا هي جزء من صراع أكبر، كما أن المشروع الصهيوني العالمي يهدف إلى هندسة جديدة لخريطة المنطقة تكون إسرائيل هي القاعدة الأساسية والمسيطرة على المقدرات والممرات البحرية، ولعل حديث الرئيس الأمريكي ترامب أن إسرائيل صغيرة جغرافيًّا يعطي مؤشرا إلى خطط المشروع الصهيوني.

إن استئناف الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة المدمر هو جزء من كسر شوكة المقاومة الفلسطينية وإنهاء القضية الفلسطينية بشكل ممنهج وهو الأمر الذي لن ينجح حيث إن حركات التحرر في العالم لا يمكن أن تنكسر حيث تعاقُب الأجيال والإرادة لتحرير الأوطان.

ولعل الهزيمة الاستراتيجية الكبرى للكيان الصهيوني في السابع من أكتوبر جعلت نتنياهو وحكومته المتطرفة في حالة من التوتر والارتباك خاصة الخوف من التحقيقات والتي سوف تطيح بعدد من القيادات السياسية والعسكرية وفي مقدمتهم نتنياهو.

أما فيما يخص المواجهة في البحر الأحمر فإن الولايات المتحدة الأمريكية لها تجارب عسكرية مريرة في التاريخ ولن يكون اليمن استثناء حيث إن جذور المشكلة الأساسية تكمن في تواصل العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم فلسطين، ومن خلال إنهاء الاحتلال بشكل عادل ومنصف وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧ تدخل المنطقة والعالم مرحلة جديدة من السلام والاستقرار والازدهار الاقتصادي الذي يتحدث عنه ترامب، أما خيار القوة العسكرية والحروب والتهديد فهو خيار فاشل ومدمر وهذا ما يجعل من الولايات المتحدة الأمريكية تتخبط داخليا وخارجيا لتظل مصداقيتها على المحك حتى مع أقرب الحلفاء في أوروبا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق