تعيش بورصة مسقط منذ عدة أشهر حالة من عدم الاستقرار وقد أغلق المؤشر الرئيسي للبورصة بنهاية تداولات الأسبوع الماضي على 4387 نقطة مسجلا تراجعا بـ 189 نقطة عن مستواه في نهاية العام الماضي، وفي ظل هذه التراجعات يرى كثير من المتداولين أن البورصة لا يمكنها استيعاب مزيد من الاكتتابات خلال العام الجاري بعد التراجعات التي سجلتها أسهم الشركات التي تم الاكتتاب فيها خلال العامين الماضيين وهي - في نظر الكثير من المحللين - تقود موجة التراجع التي تشهدها بورصة مسقط حاليا.
هذا الاعتقاد صحيح إلى حد كبير خاصة أننا رأينا أن كثيرا من السيولة المتوفرة لدى الصناديق والمؤسسات الاستثمارية يتم توجيهها إلى الشركات الجديدة وهو ما يبدو جليا من خلال تراجع التداولات على العديد من الأسهم القيادية التي كانت نشطة قبل ذلك، وفي الوقت نفسه لا يستطيع الأفراد تسييل أسهمهم في الشركات التي اكتتبوا فيها العام الماضي نظرا لتراجعها بشكل كبير عن مستوى سعر الاكتتاب وبالتالي لا يمكنهم إعادة ضخ هذه السيولة في البورصة على الرغم من قناعتهم بوجود فرص جيدة في العديد من الأسهم الأخرى خاصة في هذا الوقت حيث تقر الجمعيات العامة السنوية توزيعات الأرباح.
لكن دعونا ننظر إلى الأمر من زاوية أخرى. هل بالفعل لا تحتاج بورصة مسقط إلى مزيد من الاكتتابات؟ في نظري - وربما يشاركني هذا الرأي كثير من المتابعين والمحللين - أرى أن البورصة في حاجة إلى إدراج مزيد من الشركات التي تتمتع بسجلٍّ جيد من الأرباح والتوزيعات وتنوعٍ في الأنشطة والأعمال، وكلما كان لدينا شركات ذات أداء ماليّ عالٍ فإن الخيارات المتاحة أمام المستثمرين في البورصة ستكون عديدة وبالتالي يستطيعون تحقيق عوائد جيدة من استثماراتهم، ولهذا فإن إدراج شركات جديدة من شأنه تنشيط التداولات وزيادة عائدات المستثمرين وإتاحة مزيد من الخيارات أمامهم لتنويع محافظهم الاستثمارية.
ينظر الكثيرون إلى أن هناك مشكلة في السيولة ولكنني أرى أن مشكلة السيولة يمكن تجاوزها إذا حققت الاكتتابات عائدا جيدا للمكتتبين، ولو عدنا قليلا إلى الوراء لوجدنا أن بنك صحار الدولي - على سبيل المثال - قام في شهر نوفمبر الماضي بطرح مليار و40 مليون سهم لممارسة حق الأفضلية بسعر 127 بيسة للسهم الواحد من بينها بيستان مصاريف الإصدار مستهدفا جمع 130 مليون ريال عماني وتم إدراج زيادة رأس المال ببورصة مسقط في 2 من ديسمبر الماضي ولكن سهم البنك لم يتأثر بهذا الاكتتاب ليغلق مع نهاية تداولات ديسمبر على 135 بيسة، وسجل صعودا في يناير إلى 140 بيسة ثم تراجع بنهاية فبراير إلى 135 بيسة وهذا يعني أن البورصة استطاعت استيعاب هذه الزيادة والسبب الرئيسي في هذا ليس مجرد الأداء المالي الجيد وارتفاع الأرباح ولكن أيضا أن السهم تم طرحه بسعر مشجع؛ في الوقت الذي كانت فيه علاوة الإصدار البالغة 25 بيسة مناسبة للطرفين.
هذا المثال يختصر كثيرا مما ينبغي طرحه في هذا المقال؛ فنجاح أي اكتتاب يحتاج إلى عدم المبالغة في سعر الاكتتاب، وفي نظري أن المشكلة الأساسية في الاكتتابات السابقة التي تراجعت دون سعر الطرح منذ الأيام الأولى من إدراجها بالبورصة هي المبالغة في سعر الطرح، واليوم فإن الفارق بين سعر الطرح وسعر التداول يزداد بمرور الأيام، وحتى التوزيعات التي تدفعها الشركات لم تصل بسعر السهم إلى مستوى التعادل وهو ما يجعل الإقبال على البورصة ضعيفا ويدفع أحجام التداول وأسعار الأسهم للتراجع.
إن الفترة المقبلة تحتاج إلى مزيد من الجهود لإعادة ثقة المستثمرين إلى البورصة من جهة وإلى الاكتتابات الجديدة من جهة ثانية خاصة أن موسم التوزيعات السنوية الذي يعتبر أحد العوامل الرئيسية لنمو الأسواق سوف ينتهي خلال الأسبوع المقبل وبالتالي فإن المحفزات ذات العلاقة بهذا الجانب ستكون محدودة وهو ما يتطلب دراسة الأسباب التي أدت إلى القناعات التي ترسخت لدى كثير من المستثمرين ببورصة مسقط عن الاكتتابات وتأثيراتها السلبية على البورصة. نتطلع إلى أن تكون الاكتتابات المقبلة مفيدة وقادرة على تعزيز الثقة ودعم التداولات وتشجيع الجميع على الاستثمار في البورصة وتحقيق مكاسب لجميع الأطراف.
0 تعليق