من مارسوا القمع والتشريد والقتل باسم فلسطين عليهم أن يدركوا أن هذه الأكذوبة باتت مكشوفة فور دخول أشعة الشمس إلى زنازين السجون، والغرف المظلمة في معتقلات الرعب.
هؤلاء الذين أمطرونا على مدى عقود مضت بأطنان الخطب والبيانات الرنانة في العلن، اكتشفنا أنهم يقولون شيئًا آخر في الغرف المغلقة، وتبيّن أنهم يعرفون حد الإتقان كيف ينحنون بحيث تلامس رؤوسهم الأقدام. ولمن يقولون لنا بين وقت وآخر، بل بين مذبحة وأخرى، “انظروا إلى النصف الممتلئ من الزجاجة”، نقول: رأيناه ووجدناه ممتلئًا بالدم والدمع وليس بالماء.
هم ذاتهم من كانوا يقولون إن قضية فلسطين هي قضية حق وعدالة، ولكنها تحولت لدى الكثير من الأنظمة إلى ورقة سياسية تُستخدم لتحقيق مصالح ضيقة. بل باتت هذه العبارة الممجوجة والمستهلكة مرتبطة بسجون وزنازين حجبت وقمعت الكثيرين ممن أحبوا فلسطين وجاهدوا من أجلها.
ولا ندري بأي ليل حالك الظلام، عديم القمر والنجوم، تحوّل هؤلاء المجرمون إلى مدافعين عن قضية لا تليق إلا بالشرفاء، فأباحوا لأنفسهم استباحة الحرية، وحوّلوها إلى زنازين لا ترى النور.
هذه التناقضات الكبيرة بين الخطاب والممارسة تجعلنا نقف عاجزين عن التفكير السليم بكل الخطب السياسية، وبكل من يُعلن عن دعمه العلني لفلسطين، لكنه من جهة أخرى يُمارس القمع ضد معارضيه السياسيين بطرق قد تكون أكثر قسوة من تلك التي يتعرض لها الفلسطينيون أنفسهم.
فلسطين هي قضية حق وعدالة، ولكن هؤلاء حولوها إلى ورقة سياسية تُستخدم لتحقيق مصالح ضيقة. تُدير بعض الأنظمة هذه الورقة لتقوية سلطتها الداخلية أو لتشتيت الانتباه عن مشاكلها من خلال إظهار نفسها بمظهر المدافع عن الحقوق الفلسطينية، بينما هي في الحقيقة تُمارس أشد أنواع القمع على شعوبها.
هذا التناقض يُحيل القضية الفلسطينية إلى أداة تُستخدم لتبرير الانتهاكات، بدلاً من أن تكون قضية تُركز على تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. ونتيجة لهذا التضليل الدنيء، باتت فلسطين مجرد شعار سياسي لا يمت إلى الواقع بصلة.
القمع باسم فلسطين والتشريد تحت لافتة الدفاع عن حقوق الفلسطينيين هو أكذوبة أصبحت مكشوفة بفضل وعي الأفراد والشعوب. لم يعد بالإمكان التستر على الحقائق، فالحقيقة التي خرجت إلى العلن من خلال تقارير وشهادات المعتقلين وحقوق الإنسان تُظهر إلى أي مدى تم تزييف الواقع.
الأمل في تحقيق العدالة لفلسطين يستدعي أولًا تحقيق العدالة في الداخل، والعمل على مواجهة الأنظمة التي تستغل القضية لأغراض سياسية بحتة.
“أشعة الشمس” التي دخلت إلى زنازين السجون تكشف، للناس في كل مكان عن بشاعة الواقع الذي كان يُحاول بعضهم إخفاءه. هذه الحقيقة ستظل ترافقنا، ولن تكون الأكاذيب قادرة على استمرارية تأثيرها لفترة طويلة.
كل ما جرى يفسر لنا تلك الخرافة السياسية التي انتشرت في العالم الثالث خلال العقود الماضية، وهي أن الهزيمة والنصر يتعلقان فقط ببقاء الحاكم على قيد الحياة، حتى لو لم يعد على قيد الحكم والسيادة.
0 تعليق