loading ad...
عمان- يعد كتاب "معاناة الطفل الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي"، من الدراسات التي تسلط الضوء على أحد أفظع جوانب الاحتلال الإسرائيلي، حيث يتناول معاناة أطفال فلسطين الذين يعيشون تحت وطأة هذا الاحتلال المستمر منذ أكثر من ستة عقود.اضافة اعلان
ويعرض الكتاب الذي صدر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت – لبنان، ضمن سلسلة دراسات تتناول الجوانب الإنسانية للقضية الفلسطينية، من خلال مجموعة من الحقائق والقصص الإنسانية، الوضع القاسي الذي يعيشه الطفل الفلسطيني في ظل القهر والظلم، في وقت يتنعم فيه الأطفال في معظم دول العالم بالسلام والحرية.
الطفل الفلسطيني لا يعرف معنى الطفولة كما يعرفه الآخرون، حيث يجبر على مواجهة التحديات منذ نعومة أظفاره. وهو يعيش في ظل ظروف استثنائية، إذ يعاني من القتل، الاعتقال، التشريد، والدمار، فضلا عن معاناته النفسية والصحية جراء مشاهد العنف اليومية. إن الاحتلال الإسرائيلي لا يميز بين طفل أو بالغ، ولا بين مذنب أو بريء، بل يواصل انتهاكاته ضد الأطفال الفلسطينيين بوحشية، في ظل الصمت الدولي والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان.
يعد الكتاب الذي أعده كل من: أحمد الحيلة ومريم عيتاني توثيقا لمعاناة الأطفال الفلسطينيين، كما يعكس الصورة الحقيقية لما يعايشونه يوميا من ويلات. من خلال قراءة الكتاب، يتضح أن معاناة الطفل الفلسطيني لا تقتصر على الجوانب الجسدية فقط، بل تمتد لتشمل الآثار النفسية التي تلاحقهم طوال حياتهم.
يسلط الكتاب الضوء على قصص الأمل والشجاعة التي يظهرها أطفال فلسطين في مواجهة هذا الواقع المرير، مما يعكس القوة والصلابة التي يتحلى بها هؤلاء الأطفال رغم الظروف القاسية. إن الكتاب يهدف إلى أن يكون صوتا للأطفال الفلسطينيين، ليعرض معاناتهم للعالم بشكل أعمق وأكثر وضوحا، ولإثارة الوعي في المجتمع الدولي، حول ضرورة وقف هذا الظلم الممنهج بحقهم.
رئيس التحرير في مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، الدكتور محسن صالح، كتب تقديما للكتاب، جاء فيه: "يسر مركز الزيتونة أن يقدم الكتاب الثالث من سلسلة "أولست إنسانا"، التي تسلط الضوء على الجوانب المختلفة لمعاناة الإنسان الفلسطيني. فالطفل الفلسطيني تفتحت عيناه على الكون، وقد أحاطت به أدوات القهر والظلم والقتل والتجويع والتدمير من كل جانب. ويستفيق صباحا وهو يحلم بلعبة أو قطعة حلوى أو حتى كسرة خبز، ولكنه بدلا من ذلك قد يجد نفسه مسجونا، أو أمه التي فقدت جنينها على حاجز إسرائيلي، أو أخاه يقتل، أو بيته يُهدم على رؤوس أهله، فيحاول عبثًا أن يجد حقيبته المدرسية أو بقايا ألعابه.
ويشير صالح إلى أن الطفل الفلسطيني لا يعيش مرحلة الطفولة التي يعيشها الأطفال الآخرون، حيث يقتل الاحتلال براءته وأحلامه، ويعيش مشاعر الخوف والقلق، فتجبره الهموم والتحديات على أن يعيش "كبيرًا" منذ صغره. وقد أثبت بالفعل أنه "كبير"، فقدم نموذج الطفل الذي ينجح ويتفوق تحت أقسى الظروف، ونموذج الطفل الذي يعين أهله وأمته، كما قدم نموذج الطفل الذي يواجه الدبابة الإسرائيلية. إنه الطفل الفلسطيني الذي أصبح "مدرسة" قبل أن يذهب إلى المدرسة.
وخلص صالح إلى أن هذا الكتاب عن الطفل الفلسطيني وهو جزء من هذه السلسلة التي تسعى لتقديم صورة متكاملة عن معاناة الإنسان الفلسطيني، الذي انتزعت حقوقه، وطرد من أرضه، ولاقى القتل والسجن، وصودرت ممتلكاته، ودمر بيته، وانتهكت كرامته. يحدث هذا في وقت طوى فيه العالم صفحة الاستعمار التقليدي البغيض، ولكنه أبقى على الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيوني في فلسطين، وغض الطرف عن انتهاكاته واعتداءاته على الأرض والإنسان. يحدث هذا أيضا في وقت يتحدث فيه العالم أجمع عن حقوق الإنسان وصيانة كرامته وحريته وحقه في العيش بسلام في بيته وأرضه، لكنه يصم أذنه عما يحدث للإنسان الفلسطيني.
في مقدمة الكتاب، ورد أن لقطات مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة برصاص الاحتلال الإسرائيلي في غزة كانت من أكثر المشاهد التي أثارت تعاطف العالم مع القضية الفلسطينية، وبالأخص مع الأطفال الفلسطينيين. محمد، الذي كان في الثانية عشرة من عمره، لم يكن أول طفل يقتل بوحشية على يد الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يميز رصاص جنوده بين طفل أو شيخ، بين امرأة أو رجل، بين مذنب أو بريء. ولم تكن طريقة قتل محمد المؤلمة، وهو يحاول الاحتماء بحضن والده العاجز عن حمايته، أكثر قسوة من الطرق العديدة التي يقتل بها العديد من الأطفال الفلسطينيين على يد الجنود الإسرائيليين. ولأن مشهد قتل محمد هو من المشاهد الحية القليلة التي التقطتها عدسة أجنبية (القناة الفرنسية الثانية 2 France)، التي كشفت همجية هذا الاحتلال تجاه الأطفال، أصبح محمد رمزا للأطفال الفلسطينيين. وصارت لحظاته الأخيرة المحزنة، التي تظهر معاناة الفقد والموت، صورا انتشرت عالميا كرمز للاعتداءات التي يتعرض لها الأطفال الفلسطينيون على يد الاحتلال الإسرائيلي.
لكن محمد كان مجرد طفل من بين مئات الأطفال الفلسطينيين الآخرين الذين قتلوا، ليضاف كرقم واحد إلى الألف وأربعمائة طفل الذين ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف UNICEF)، أنهم استشهدوا منذ انتفاضة الأقصى العام 2000 وحتى أواخر العام 2007، جراء الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. هؤلاء الأطفال الشهداء، كان 230 منهم دون سن الثانية عشرة.
وتطرح المقدمة تساؤلات: ماذا عن الأطفال الأحياء؟ ماذا عن الجرحى والمعاقين؟ بل ماذا عن الأطفال الأسرى في سجون الاحتلال؟ وماذا عن أولئك الذين يعانون الجوع والفقر، أو الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم وأصدقاءهم وإخوانهم وأخواتهم جراء هذه الاعتداءات؟ ماذا عن الذين يعانون من أمراض نفسية؛ من الخوف والقلق جراء المشاهد العنيفة ومواقف الاعتداءات التي يتعرضون لها دائمًا من قبل الاحتلال الإسرائيلي؟ هؤلاء هم أطفال فلسطين الذين خصصت هذه الدراسة لهم، والذين لن تكفي دراسة واحدة لذكر معاناتهم. فالطفولة لها قدسيتها وخصوصيتها التي تجعل من وصف معاناتها أمرًا في غاية الصعوبة، تمامًا كما أن لممارسات الاحتلال الإسرائيلي الوحشية والمتنوعة بحق الأطفال "تفردها"، مما يجعل من وصفها أو حتى حصرها أمرا مستحيلا. ولعل هذه الدراسة هي مجرد صورة رمزية لما يمكن أن نصل إليه من توثيق لهذه المعاناة أو لبعض جوانبها على الأقل.
يوضح الكتاب أن أطفال العالم يعانون بسبب الكوارث الطبيعية، بدءا من الجفاف والتصحر وصولا إلى الفيضانات، التي نجحت الجهود الدولية في تدارك نتائجها والتخفيف من آثارها على الطفولة في العديد من المواقع حول العالم. كما يعانون أيضا بسبب الحروب والنزاعات. إلا أن الكارثة التي يعيشها أطفال فلسطين تختلف عن الكوارث التي يتعرض لها أطفال العالم، رغم التشابه في النتائج، لأنها تحمل سمات أساسية مختلفة: إن كارثة أطفال فلسطين من صنع البشر (الاحتلال الإسرائيلي). إن هذه الكارثة مستمرة بلا انقطاع منذ أكثر من ستين عامًا. إن مستوى التدخل الدولي لإنقاذ الطفولة الفلسطينية من مأساتها ضعيف في أفضل حالاته، مما ترك الطفل الفلسطيني وحيدا يعاني من شراسة الاحتلال وعنفه المفرط. وتكشف الدراسة التي بين أيدينا حجم المأساة التي يعيشها أطفال فلسطين تحت الاحتلال، وتسلط الضوء على الآثار الكارثية التي يتعرضون لها جسديا ونفسيا وصحيا واقتصاديا وتعليميا، بسبب الإجراءات الإسرائيلية.
قبل الحديث عن حقوق أطفال فلسطين تحت الاحتلال، يجب التذكير أن الاحتلال هو في الأصل عمل غير مشروع ولا يوجد له سند قانوني. إنه عمل غير أخلاقي وغير إنساني، مبني على الظلم ومنع الشعوب من حقها في حكم نفسها وتقرير مصيرها، وهو حق أساسي لجميع الشعوب.
وفي خاتمة الكتاب التي جاءت بعنوان "نداء"، يتبين أن "نداء" هنا ليس نداء عاديا، كالذي يعلو فيه صوت المطالبين بوقف الانتهاكات الإسرائيلية، بل هي "نداء" الطفلة الفلسطينية البالغة من العمر خمسة عشر عامًا، الكاتبة الرقيقة المبدعة، التي لم تشفع لها رقتها أمام رصاصة من جنود الاحتلال، أصابتها من الخلف وأودت بحياتها. "نداء" ذهبت شهيدة، لكنها ظهرت لاحقًا نداءً في قصيدة ضمن مناهج التدريس النرويجية، وهي التي أثرت في كل من عرفها ضمن البعثات الأوروبية. حتى أن الإسبانية المتطوعة المسؤولة عن إدارة مكتبة البعثة البابوية في بيت لحم، سألت زميلًا لها عند استشهادها: "هل عرفت ماذا فعلوا بطفلتنا؟". وقررت "مع استمرار موت الأطفال المجاني"، كما وصفت، أن تجمع أغراضها وتذهب "إلى مكان لا يقتل فيه الأطفال".
كانت "نداء" تحلم بأن تصبح ممرضة وصحفية، كما عبرت في حديث لها مع صحفية مصرية، وقالت: "صحفية لأكتب عن معاناة الناس، وممرضة لأداوي جراحهم". لكنها اليوم ماتت. وعندما ظهرت "نداء" في القصيدة النرويجية، اعترضت "إسرائيل" على هذه القصيدة. وقد قالت والدة نداء إن ذلك كان "محاولة لقتل نداء مرتين"، لكن القصيدة لم تمت، وظلت حيةً بهذا النداء.
تقول القصيدة: "كان هناك شيء مميز في طريقة نومها/ الجانب الوديع النقي/ جمال الحاجبين المنمنم/ النمش المتناثر على أنفها/ البشرة النقية، اليانعة التي لا يتمتع بها سوى الأطفال/ ذكرتني بطفلتي/ نداء ابنة الأربعة عشر ربيعًا/ ترعرعت في مخيم للاجئين/ لفّت رأسها بالكوفية الفلسطينية المميزة/ نداء التي قنصها الجيش الإسرائيلي/. دفعتني في نهاية المطاف للوقوف أمام مشهد العنف/ دفعتني كي آخذ موقفا/ ولكن هل ينفعها هذا الآن؟".
إن الاحتلال الإسرائيلي يتبع سياسة عنصرية إرهابية تجاه الأطفال الفلسطينيين، بهدف صناعة جيل فلسطيني معتل جسديًا ونفسيًا. هذا الأمر يضع عبئًا ثقيلًا على جميع الأطراف المعنية للعمل على رفع المعاناة عن الأطفال الفلسطينيين، ورفض أن يُزج بالطفل الفلسطيني في معادلات الصراع في المنطقة. ومن هنا، يجب توفير مظلة حماية كاملة وفقًا لإعلان حقوق الطفل العام 1959، واتفاقية حقوق الطفل للعام 1989، واتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949. كما يجب مضاعفة الجهود الفلسطينية الرسمية والأهلية لتوفير الحماية للأطفال وتوفير مناخ حياتي أفضل لهم في المدارس والمنازل ودور الرعاية.
ويعرض الكتاب الذي صدر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت – لبنان، ضمن سلسلة دراسات تتناول الجوانب الإنسانية للقضية الفلسطينية، من خلال مجموعة من الحقائق والقصص الإنسانية، الوضع القاسي الذي يعيشه الطفل الفلسطيني في ظل القهر والظلم، في وقت يتنعم فيه الأطفال في معظم دول العالم بالسلام والحرية.
الطفل الفلسطيني لا يعرف معنى الطفولة كما يعرفه الآخرون، حيث يجبر على مواجهة التحديات منذ نعومة أظفاره. وهو يعيش في ظل ظروف استثنائية، إذ يعاني من القتل، الاعتقال، التشريد، والدمار، فضلا عن معاناته النفسية والصحية جراء مشاهد العنف اليومية. إن الاحتلال الإسرائيلي لا يميز بين طفل أو بالغ، ولا بين مذنب أو بريء، بل يواصل انتهاكاته ضد الأطفال الفلسطينيين بوحشية، في ظل الصمت الدولي والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان.
يعد الكتاب الذي أعده كل من: أحمد الحيلة ومريم عيتاني توثيقا لمعاناة الأطفال الفلسطينيين، كما يعكس الصورة الحقيقية لما يعايشونه يوميا من ويلات. من خلال قراءة الكتاب، يتضح أن معاناة الطفل الفلسطيني لا تقتصر على الجوانب الجسدية فقط، بل تمتد لتشمل الآثار النفسية التي تلاحقهم طوال حياتهم.
يسلط الكتاب الضوء على قصص الأمل والشجاعة التي يظهرها أطفال فلسطين في مواجهة هذا الواقع المرير، مما يعكس القوة والصلابة التي يتحلى بها هؤلاء الأطفال رغم الظروف القاسية. إن الكتاب يهدف إلى أن يكون صوتا للأطفال الفلسطينيين، ليعرض معاناتهم للعالم بشكل أعمق وأكثر وضوحا، ولإثارة الوعي في المجتمع الدولي، حول ضرورة وقف هذا الظلم الممنهج بحقهم.
رئيس التحرير في مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، الدكتور محسن صالح، كتب تقديما للكتاب، جاء فيه: "يسر مركز الزيتونة أن يقدم الكتاب الثالث من سلسلة "أولست إنسانا"، التي تسلط الضوء على الجوانب المختلفة لمعاناة الإنسان الفلسطيني. فالطفل الفلسطيني تفتحت عيناه على الكون، وقد أحاطت به أدوات القهر والظلم والقتل والتجويع والتدمير من كل جانب. ويستفيق صباحا وهو يحلم بلعبة أو قطعة حلوى أو حتى كسرة خبز، ولكنه بدلا من ذلك قد يجد نفسه مسجونا، أو أمه التي فقدت جنينها على حاجز إسرائيلي، أو أخاه يقتل، أو بيته يُهدم على رؤوس أهله، فيحاول عبثًا أن يجد حقيبته المدرسية أو بقايا ألعابه.
ويشير صالح إلى أن الطفل الفلسطيني لا يعيش مرحلة الطفولة التي يعيشها الأطفال الآخرون، حيث يقتل الاحتلال براءته وأحلامه، ويعيش مشاعر الخوف والقلق، فتجبره الهموم والتحديات على أن يعيش "كبيرًا" منذ صغره. وقد أثبت بالفعل أنه "كبير"، فقدم نموذج الطفل الذي ينجح ويتفوق تحت أقسى الظروف، ونموذج الطفل الذي يعين أهله وأمته، كما قدم نموذج الطفل الذي يواجه الدبابة الإسرائيلية. إنه الطفل الفلسطيني الذي أصبح "مدرسة" قبل أن يذهب إلى المدرسة.
وخلص صالح إلى أن هذا الكتاب عن الطفل الفلسطيني وهو جزء من هذه السلسلة التي تسعى لتقديم صورة متكاملة عن معاناة الإنسان الفلسطيني، الذي انتزعت حقوقه، وطرد من أرضه، ولاقى القتل والسجن، وصودرت ممتلكاته، ودمر بيته، وانتهكت كرامته. يحدث هذا في وقت طوى فيه العالم صفحة الاستعمار التقليدي البغيض، ولكنه أبقى على الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيوني في فلسطين، وغض الطرف عن انتهاكاته واعتداءاته على الأرض والإنسان. يحدث هذا أيضا في وقت يتحدث فيه العالم أجمع عن حقوق الإنسان وصيانة كرامته وحريته وحقه في العيش بسلام في بيته وأرضه، لكنه يصم أذنه عما يحدث للإنسان الفلسطيني.
في مقدمة الكتاب، ورد أن لقطات مقتل الطفل الفلسطيني محمد الدرة برصاص الاحتلال الإسرائيلي في غزة كانت من أكثر المشاهد التي أثارت تعاطف العالم مع القضية الفلسطينية، وبالأخص مع الأطفال الفلسطينيين. محمد، الذي كان في الثانية عشرة من عمره، لم يكن أول طفل يقتل بوحشية على يد الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يميز رصاص جنوده بين طفل أو شيخ، بين امرأة أو رجل، بين مذنب أو بريء. ولم تكن طريقة قتل محمد المؤلمة، وهو يحاول الاحتماء بحضن والده العاجز عن حمايته، أكثر قسوة من الطرق العديدة التي يقتل بها العديد من الأطفال الفلسطينيين على يد الجنود الإسرائيليين. ولأن مشهد قتل محمد هو من المشاهد الحية القليلة التي التقطتها عدسة أجنبية (القناة الفرنسية الثانية 2 France)، التي كشفت همجية هذا الاحتلال تجاه الأطفال، أصبح محمد رمزا للأطفال الفلسطينيين. وصارت لحظاته الأخيرة المحزنة، التي تظهر معاناة الفقد والموت، صورا انتشرت عالميا كرمز للاعتداءات التي يتعرض لها الأطفال الفلسطينيون على يد الاحتلال الإسرائيلي.
لكن محمد كان مجرد طفل من بين مئات الأطفال الفلسطينيين الآخرين الذين قتلوا، ليضاف كرقم واحد إلى الألف وأربعمائة طفل الذين ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف UNICEF)، أنهم استشهدوا منذ انتفاضة الأقصى العام 2000 وحتى أواخر العام 2007، جراء الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. هؤلاء الأطفال الشهداء، كان 230 منهم دون سن الثانية عشرة.
وتطرح المقدمة تساؤلات: ماذا عن الأطفال الأحياء؟ ماذا عن الجرحى والمعاقين؟ بل ماذا عن الأطفال الأسرى في سجون الاحتلال؟ وماذا عن أولئك الذين يعانون الجوع والفقر، أو الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم وأصدقاءهم وإخوانهم وأخواتهم جراء هذه الاعتداءات؟ ماذا عن الذين يعانون من أمراض نفسية؛ من الخوف والقلق جراء المشاهد العنيفة ومواقف الاعتداءات التي يتعرضون لها دائمًا من قبل الاحتلال الإسرائيلي؟ هؤلاء هم أطفال فلسطين الذين خصصت هذه الدراسة لهم، والذين لن تكفي دراسة واحدة لذكر معاناتهم. فالطفولة لها قدسيتها وخصوصيتها التي تجعل من وصف معاناتها أمرًا في غاية الصعوبة، تمامًا كما أن لممارسات الاحتلال الإسرائيلي الوحشية والمتنوعة بحق الأطفال "تفردها"، مما يجعل من وصفها أو حتى حصرها أمرا مستحيلا. ولعل هذه الدراسة هي مجرد صورة رمزية لما يمكن أن نصل إليه من توثيق لهذه المعاناة أو لبعض جوانبها على الأقل.
يوضح الكتاب أن أطفال العالم يعانون بسبب الكوارث الطبيعية، بدءا من الجفاف والتصحر وصولا إلى الفيضانات، التي نجحت الجهود الدولية في تدارك نتائجها والتخفيف من آثارها على الطفولة في العديد من المواقع حول العالم. كما يعانون أيضا بسبب الحروب والنزاعات. إلا أن الكارثة التي يعيشها أطفال فلسطين تختلف عن الكوارث التي يتعرض لها أطفال العالم، رغم التشابه في النتائج، لأنها تحمل سمات أساسية مختلفة: إن كارثة أطفال فلسطين من صنع البشر (الاحتلال الإسرائيلي). إن هذه الكارثة مستمرة بلا انقطاع منذ أكثر من ستين عامًا. إن مستوى التدخل الدولي لإنقاذ الطفولة الفلسطينية من مأساتها ضعيف في أفضل حالاته، مما ترك الطفل الفلسطيني وحيدا يعاني من شراسة الاحتلال وعنفه المفرط. وتكشف الدراسة التي بين أيدينا حجم المأساة التي يعيشها أطفال فلسطين تحت الاحتلال، وتسلط الضوء على الآثار الكارثية التي يتعرضون لها جسديا ونفسيا وصحيا واقتصاديا وتعليميا، بسبب الإجراءات الإسرائيلية.
قبل الحديث عن حقوق أطفال فلسطين تحت الاحتلال، يجب التذكير أن الاحتلال هو في الأصل عمل غير مشروع ولا يوجد له سند قانوني. إنه عمل غير أخلاقي وغير إنساني، مبني على الظلم ومنع الشعوب من حقها في حكم نفسها وتقرير مصيرها، وهو حق أساسي لجميع الشعوب.
وفي خاتمة الكتاب التي جاءت بعنوان "نداء"، يتبين أن "نداء" هنا ليس نداء عاديا، كالذي يعلو فيه صوت المطالبين بوقف الانتهاكات الإسرائيلية، بل هي "نداء" الطفلة الفلسطينية البالغة من العمر خمسة عشر عامًا، الكاتبة الرقيقة المبدعة، التي لم تشفع لها رقتها أمام رصاصة من جنود الاحتلال، أصابتها من الخلف وأودت بحياتها. "نداء" ذهبت شهيدة، لكنها ظهرت لاحقًا نداءً في قصيدة ضمن مناهج التدريس النرويجية، وهي التي أثرت في كل من عرفها ضمن البعثات الأوروبية. حتى أن الإسبانية المتطوعة المسؤولة عن إدارة مكتبة البعثة البابوية في بيت لحم، سألت زميلًا لها عند استشهادها: "هل عرفت ماذا فعلوا بطفلتنا؟". وقررت "مع استمرار موت الأطفال المجاني"، كما وصفت، أن تجمع أغراضها وتذهب "إلى مكان لا يقتل فيه الأطفال".
كانت "نداء" تحلم بأن تصبح ممرضة وصحفية، كما عبرت في حديث لها مع صحفية مصرية، وقالت: "صحفية لأكتب عن معاناة الناس، وممرضة لأداوي جراحهم". لكنها اليوم ماتت. وعندما ظهرت "نداء" في القصيدة النرويجية، اعترضت "إسرائيل" على هذه القصيدة. وقد قالت والدة نداء إن ذلك كان "محاولة لقتل نداء مرتين"، لكن القصيدة لم تمت، وظلت حيةً بهذا النداء.
تقول القصيدة: "كان هناك شيء مميز في طريقة نومها/ الجانب الوديع النقي/ جمال الحاجبين المنمنم/ النمش المتناثر على أنفها/ البشرة النقية، اليانعة التي لا يتمتع بها سوى الأطفال/ ذكرتني بطفلتي/ نداء ابنة الأربعة عشر ربيعًا/ ترعرعت في مخيم للاجئين/ لفّت رأسها بالكوفية الفلسطينية المميزة/ نداء التي قنصها الجيش الإسرائيلي/. دفعتني في نهاية المطاف للوقوف أمام مشهد العنف/ دفعتني كي آخذ موقفا/ ولكن هل ينفعها هذا الآن؟".
إن الاحتلال الإسرائيلي يتبع سياسة عنصرية إرهابية تجاه الأطفال الفلسطينيين، بهدف صناعة جيل فلسطيني معتل جسديًا ونفسيًا. هذا الأمر يضع عبئًا ثقيلًا على جميع الأطراف المعنية للعمل على رفع المعاناة عن الأطفال الفلسطينيين، ورفض أن يُزج بالطفل الفلسطيني في معادلات الصراع في المنطقة. ومن هنا، يجب توفير مظلة حماية كاملة وفقًا لإعلان حقوق الطفل العام 1959، واتفاقية حقوق الطفل للعام 1989، واتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949. كما يجب مضاعفة الجهود الفلسطينية الرسمية والأهلية لتوفير الحماية للأطفال وتوفير مناخ حياتي أفضل لهم في المدارس والمنازل ودور الرعاية.
0 تعليق