loading ad...
عواصم ــ ما العامل المشترك بين مطالبة ترامب بالسيطرة على كندا وغرينلاند وبين خطته لوقف الحرب في أوكرانيا عبر إجبارها على التنازل عن أراضيها لصالح روسيا وبين مساعي الصين للسيطرة على تايوان وتوسيع حضورها في بحر جنوب الصين؟اضافة اعلان
وفق تفسير مونيكا دافي توف أستاذة السياسة الدولية، ومديرة مركز الدراسات الإستراتيجية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة توف الأميركية، في مقالها المنشور بمجلة "فورين أفيرز"؛ فإن ذلك يمثل عودة لعصر "مناطق النفوذ" حيث تقسم الدول الكبرى العالم إلى مناطق نفوذ حصرية خاصة، وفي خضم هذا التقسيم تُقوض استقلالية الدول الصغرى وتُنتهك سيادتها.
ومع انهيار العولمة راهنا، وصعود السياسات القومية في الولايات المتحدة، فإننا نشهد "ردة جيوسياسية" غير مسبوقة سوف تكون جميع دول العالم تقريبا مجبرة على التعامل قريبا مع آثارها.
لم يكن غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا عام 2022 مجرد صراع إقليمي، فقد كان ضمه "غير القانوني" لشبه جزيرة القرم عام 2014 بمثابة حلقة في اختبار روسي واسع النطاق لما يسمى بـ"النظام الدولي القائم على القواعد"، حيث أراد بوتين استكشاف مدى جدية الغرب في الدفاع عن ذلك النظام.
وما حدث فعليا هو أن الحرب التي تلت ذلك أجبرت أوروبا على إعادة النظر في اعتمادها على الولايات المتحدة، ودفعت القادة الأميركيين إلى إعادة تقييم رغبتهم في الوفاء بالتزاماتهم الخارجية، كما قادت الحرب الصين إلى دور جديد داعم لروسيا وجعلت دولًا على بُعد آلاف الأميال تُصارع أسئلة جوهرية حول مستقبلها: كيف يُمكن موازنة شراكاتها مع القوى الكبرى المتحاربة؟ وما الخيارات المادية والمعنوية التي ينبغي اتخاذها الآن والتي ستبدو حكيمة حين يُنظر إليها بعد عقود؟
ورغم أن حربا عالمية أخرى لم تلح في الأفق بعد، فإن المشهد الجيوسياسي اليوم يُشبه إلى حد كبير ما شهدناه في نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما سعى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، والزعيم السوفياتي جوزيف ستالين إلى تقسيم أوروبا إلى "مناطق نفوذ"، حيث تسعى القوى الكبرى اليوم إلى التفاوض حول نظام عالمي جديد تمامًا كما فعل قادة الحلفاء عندما أعادوا رسم خريطة العالم في مفاوضات يالطا عام 1945.
وليس بالضرورة أن تُعقد المفاوضات هذه المرة في مؤتمر رسمي، ولكن إذا توصل الرئيس الروسي بوتين، والرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ إلى إجماع غير رسمي على أن "سياسة القوة" أهم من الخلافات الأيديولوجية، فإنهم سوف يسيرون على خطا "يالطا" في تحديد سيادة ومستقبل الدول المجاورة.
وعلى عكس ما حدث في يالطا، حيث تفاوضت دولتان ديمقراطيتان مع نظام استبدادي واحد، لم تعد هوية النظام تعيق الشعور بالمصالح المشتركة، ففي وقت تهيمن عليه "القوة الصلبة"، يعود الجميع إلى المبدأ القديم القائل بأن "القوي يفعل ما في وسعه والضعيف يعاني قدره المحتوم".
وفي عالم كهذا، سوف تهمش المؤسسات المتعددة الأطراف مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، وسوف تتعرض استقلالية الدول الصغرى للتهديد، بصورة غير مسبوقة منذ عقود.
لم يكن من قبيل المصادفة أن الدول التي قادت عودة سياسة القوة على مدار العقدين الماضيين، وهي الصين وروسيا والولايات المتحدة، وقعت جميعا تحت سلطة زعماء يتبنون سردية "جعل بلادهم عظيمة مرة أخرى". يُركز هؤلاء القادة على مقارنة مستاءة بين وضع بلادهم الحالي المقيد من وجهة نظرهم بفعل الخصوم الأجانب والمحليين على السواء، وبين ماض متخيل أكثر حرية ومجدا.
وبالنسبة للصين، لن تكفي تايوان وحدها لتلبية هذا النداء، في حين لن تكون أوكرانيا وحدها كافية أبدًا لتحقيق رؤية بوتين لمكانة روسيا الصحيحة في العالم، أما الولايات المتحدة فقد بدأت بدورها تتطلع إلى ضم كندا.
وفي هذا السيناريو، سوف تعمل هذه القوى (الناتو والاتحاد الأوروبي) على موازنة جهود الولايات المتحدة وروسيا والصين الرامية إلى استخدام القوة الباطشة لتحقيق مصالحها الضيقة بشكل يهدد سلام العالم وأمنه وازدهاره. لكن سيتعين على هذه القوى الموازنة المحتملة أن تكافح من أجل هذا البديل، وأن تستغل العقبات التي يفرضها عالم اليوم "الأكثر عولمة" على القوى العظمى الراغبة في تفكيكه.
العودة الصعبة
يتعين علينا أن نشير إلى أن "سياسة القوة" عادت للظهور مجددا قبل غزو روسيا لأوكرانيا بوقت طويل، فقد برهنت وقائع مثل التدخل الذي أثار حفيظة بوتين لحلف الناتو في كوسوفو عام 1999 والغزو الأميركي للعراق عام 2003 (رغم اعتراض حلفاء واشنطن المقربين) أن قادة العصر الجديد المفترض للأمن الجماعي ما يزالون يعتقدون أنه عندما لا تحصل الدولة القوية على ما تريد، فمن المقبول التصعيد عسكريا لتحقيق مآربها. وراهنا يترسخ نمط قديم من "سياسة القوة" سريعا في أماكن أخرى أيضا يتضمن قيام قوة مهيمنة بتأسيس "مناطق نفوذ" تتسبب في تقليص سيادة الدول المجاورة جغرافيًّا، كما يسعى ترامب لفعله في كندا وغرينلاند والمكسيك، وكما تحاول الصين فعله في تايوان.
والنظام السياسي القائم على مناطق النفوذ يعتمد على اتفاق ضمني بين القوى العظمى على عدم تدخل كل منها في مناطق نفوذ الأخرى.
وفي سيناريو تتفق فيه الولايات المتحدة والصين وروسيا على أن لديها جميعا مصلحة حيوية في تجنب حرب نووية، فإن الاعتراف المتبادل بمجالات نفوذ كل من هذه الدول يمكن أن يكون آلية لردع التصعيد.
فبعد أن شهد النظام الدولي دورات من الأزمات المزعزعة للاستقرار، ربما يُعيد تأكيد نفسه مرتدا إلى نظامٍ قائم على القواعد، يتمحور حول التعاون المتعدد الأطراف، والعولمة الاقتصادية، وترتيبات الأمن الجماعي التي تكبح الطموحات التوسعية.
من المؤكد أن الولايات المتحدة لا تمثل عامل استقرارٍ موثوق به حاليا. فبينما كانت واشنطن، حتى وقت قريب، هي الرادع الرئيسي للأنظمة التوسعية الإقليمية، يبدو الآن أنها تُشجع هذه الأنظمة نفسها، بل وتُقلّدها.
وسوف يعتمد ما إذا كان هذا التحول سيعود في نهاية المطاف إلى توازن القوى المتوقع أو سيفتتح حقبة طويلة من عدم الاستقرار والحرب على مدى فعالية التنافس على "مناطق النفوذ" ومدى جدية دول مثل الصين والهند وإيران وروسيا والولايات المتحدة في تأمين "مناطق نفوذها".-(وكالات)
وفق تفسير مونيكا دافي توف أستاذة السياسة الدولية، ومديرة مركز الدراسات الإستراتيجية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة توف الأميركية، في مقالها المنشور بمجلة "فورين أفيرز"؛ فإن ذلك يمثل عودة لعصر "مناطق النفوذ" حيث تقسم الدول الكبرى العالم إلى مناطق نفوذ حصرية خاصة، وفي خضم هذا التقسيم تُقوض استقلالية الدول الصغرى وتُنتهك سيادتها.
ومع انهيار العولمة راهنا، وصعود السياسات القومية في الولايات المتحدة، فإننا نشهد "ردة جيوسياسية" غير مسبوقة سوف تكون جميع دول العالم تقريبا مجبرة على التعامل قريبا مع آثارها.
لم يكن غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا عام 2022 مجرد صراع إقليمي، فقد كان ضمه "غير القانوني" لشبه جزيرة القرم عام 2014 بمثابة حلقة في اختبار روسي واسع النطاق لما يسمى بـ"النظام الدولي القائم على القواعد"، حيث أراد بوتين استكشاف مدى جدية الغرب في الدفاع عن ذلك النظام.
وما حدث فعليا هو أن الحرب التي تلت ذلك أجبرت أوروبا على إعادة النظر في اعتمادها على الولايات المتحدة، ودفعت القادة الأميركيين إلى إعادة تقييم رغبتهم في الوفاء بالتزاماتهم الخارجية، كما قادت الحرب الصين إلى دور جديد داعم لروسيا وجعلت دولًا على بُعد آلاف الأميال تُصارع أسئلة جوهرية حول مستقبلها: كيف يُمكن موازنة شراكاتها مع القوى الكبرى المتحاربة؟ وما الخيارات المادية والمعنوية التي ينبغي اتخاذها الآن والتي ستبدو حكيمة حين يُنظر إليها بعد عقود؟
ورغم أن حربا عالمية أخرى لم تلح في الأفق بعد، فإن المشهد الجيوسياسي اليوم يُشبه إلى حد كبير ما شهدناه في نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما سعى الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، والزعيم السوفياتي جوزيف ستالين إلى تقسيم أوروبا إلى "مناطق نفوذ"، حيث تسعى القوى الكبرى اليوم إلى التفاوض حول نظام عالمي جديد تمامًا كما فعل قادة الحلفاء عندما أعادوا رسم خريطة العالم في مفاوضات يالطا عام 1945.
وليس بالضرورة أن تُعقد المفاوضات هذه المرة في مؤتمر رسمي، ولكن إذا توصل الرئيس الروسي بوتين، والرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ إلى إجماع غير رسمي على أن "سياسة القوة" أهم من الخلافات الأيديولوجية، فإنهم سوف يسيرون على خطا "يالطا" في تحديد سيادة ومستقبل الدول المجاورة.
وعلى عكس ما حدث في يالطا، حيث تفاوضت دولتان ديمقراطيتان مع نظام استبدادي واحد، لم تعد هوية النظام تعيق الشعور بالمصالح المشتركة، ففي وقت تهيمن عليه "القوة الصلبة"، يعود الجميع إلى المبدأ القديم القائل بأن "القوي يفعل ما في وسعه والضعيف يعاني قدره المحتوم".
وفي عالم كهذا، سوف تهمش المؤسسات المتعددة الأطراف مثل حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، وسوف تتعرض استقلالية الدول الصغرى للتهديد، بصورة غير مسبوقة منذ عقود.
لم يكن من قبيل المصادفة أن الدول التي قادت عودة سياسة القوة على مدار العقدين الماضيين، وهي الصين وروسيا والولايات المتحدة، وقعت جميعا تحت سلطة زعماء يتبنون سردية "جعل بلادهم عظيمة مرة أخرى". يُركز هؤلاء القادة على مقارنة مستاءة بين وضع بلادهم الحالي المقيد من وجهة نظرهم بفعل الخصوم الأجانب والمحليين على السواء، وبين ماض متخيل أكثر حرية ومجدا.
وبالنسبة للصين، لن تكفي تايوان وحدها لتلبية هذا النداء، في حين لن تكون أوكرانيا وحدها كافية أبدًا لتحقيق رؤية بوتين لمكانة روسيا الصحيحة في العالم، أما الولايات المتحدة فقد بدأت بدورها تتطلع إلى ضم كندا.
وفي هذا السيناريو، سوف تعمل هذه القوى (الناتو والاتحاد الأوروبي) على موازنة جهود الولايات المتحدة وروسيا والصين الرامية إلى استخدام القوة الباطشة لتحقيق مصالحها الضيقة بشكل يهدد سلام العالم وأمنه وازدهاره. لكن سيتعين على هذه القوى الموازنة المحتملة أن تكافح من أجل هذا البديل، وأن تستغل العقبات التي يفرضها عالم اليوم "الأكثر عولمة" على القوى العظمى الراغبة في تفكيكه.
العودة الصعبة
يتعين علينا أن نشير إلى أن "سياسة القوة" عادت للظهور مجددا قبل غزو روسيا لأوكرانيا بوقت طويل، فقد برهنت وقائع مثل التدخل الذي أثار حفيظة بوتين لحلف الناتو في كوسوفو عام 1999 والغزو الأميركي للعراق عام 2003 (رغم اعتراض حلفاء واشنطن المقربين) أن قادة العصر الجديد المفترض للأمن الجماعي ما يزالون يعتقدون أنه عندما لا تحصل الدولة القوية على ما تريد، فمن المقبول التصعيد عسكريا لتحقيق مآربها. وراهنا يترسخ نمط قديم من "سياسة القوة" سريعا في أماكن أخرى أيضا يتضمن قيام قوة مهيمنة بتأسيس "مناطق نفوذ" تتسبب في تقليص سيادة الدول المجاورة جغرافيًّا، كما يسعى ترامب لفعله في كندا وغرينلاند والمكسيك، وكما تحاول الصين فعله في تايوان.
والنظام السياسي القائم على مناطق النفوذ يعتمد على اتفاق ضمني بين القوى العظمى على عدم تدخل كل منها في مناطق نفوذ الأخرى.
وفي سيناريو تتفق فيه الولايات المتحدة والصين وروسيا على أن لديها جميعا مصلحة حيوية في تجنب حرب نووية، فإن الاعتراف المتبادل بمجالات نفوذ كل من هذه الدول يمكن أن يكون آلية لردع التصعيد.
فبعد أن شهد النظام الدولي دورات من الأزمات المزعزعة للاستقرار، ربما يُعيد تأكيد نفسه مرتدا إلى نظامٍ قائم على القواعد، يتمحور حول التعاون المتعدد الأطراف، والعولمة الاقتصادية، وترتيبات الأمن الجماعي التي تكبح الطموحات التوسعية.
من المؤكد أن الولايات المتحدة لا تمثل عامل استقرارٍ موثوق به حاليا. فبينما كانت واشنطن، حتى وقت قريب، هي الرادع الرئيسي للأنظمة التوسعية الإقليمية، يبدو الآن أنها تُشجع هذه الأنظمة نفسها، بل وتُقلّدها.
وسوف يعتمد ما إذا كان هذا التحول سيعود في نهاية المطاف إلى توازن القوى المتوقع أو سيفتتح حقبة طويلة من عدم الاستقرار والحرب على مدى فعالية التنافس على "مناطق النفوذ" ومدى جدية دول مثل الصين والهند وإيران وروسيا والولايات المتحدة في تأمين "مناطق نفوذها".-(وكالات)
0 تعليق