د. بدرية بنت علي الشعيبية
مغامر عاش بين أدغال أفريقيا الشرقية وتمكن من تأسيس امبراطورية تجارية في أواسط القارة، حمد بن محمد بن جمعة بن رجب المرجبي الذي ولد في زنجبار سنة 1840م.
كان حمد المرجبي منذ طفولته قوي الشخصية ذا نزعة قيادية، ومما يحكى عنه أنه حين كان في الثانية عشر من عمره، قرر والده أن يرسل بضاعة إلى مدينة تابورة في أواسط أفريقيا وأن يكون حمد ضمن الفريق وتكون قيادة هذه القافلة التجارية تحت سيطرة أحد التجار الأفارقة، فرفض هذا الطفل القوي العزيمة أن يخرج في قافلة والده وألا يكون قائدا فيها، وأصر على قيادة القافلة فنزل والده عند طلبه فعينه قائدا للقافلة، وبالفعل نحج حمد في قيادة القافلة والعودة بها محققا أرباحا مالية.
كان حمد المرجبي شخصية عمانية فذة فريدة من نوعها، يفرض احترامه على الجميع، يقول عنه ستانلي - وهو أحد المستكشفين الأوروبيين في القارة الإفريقية- :" ملابسه ناصعة البياض، وعمامته جديدة، وحول وسطه حزام مرصع وفيه خنجر من فضة، ومظهره العام يدل على أنه السيد العربي الذي يعيش في رغد من العيش".
لقب المرجبي بألقاب عدة وهي تيبوتيب وتعني صوت طلق البندقية، أو رفة العين، ولقب أيضا بلقب كينجوجوا ويعني الضبع الأرقش، ولقب بلقب مكانجوانزارا أي الذي لا يخشى أحد، وكان لكل لقب من هذه الألقاب قصة تمثل مرحلة من حياة المرجبي، ويحكي المرجبي في سيرته قصة كل لقب ومن أين حصل عليه.
عمل المرجبي في تجارة العاج والأخشاب والملح والجلود وغيرها من السلع التي يشتريها من البر الإفريقي ثم ينقلها إلى زنجبار وغيرها من الموانئ لبيعها للتجار، ويمتلك المرجبي حدس تجاري وشجاعة في المغامرة التجارية، فكان يعرف اتجاه السوق ويقرأ حاجة المشتري، مما ساعده في تكوين امبراطورية تجارية لها سمعة كبيرة بين التجار والقبائل الإفريقية. وكانت تجارة المرجبي وقوافله تعاني تحدي تعرضها للخسائر باستمرار من قبل الأفارقة الذين قد يهجون على القافلة في أي لحظة وبالتالي يخسر بضاعته، فعمل على تعيين حراس لمواجهتهم، وعرف عنه شجاعته وقدرته القتالية ومعرفته بالبر الإفريقي وتعاونه مع عدد من القبائل الإفريقية التي كانت تقدره وتحترمه لما أظهره لها من مظاهر ومعاني الأخلاق الإسلامية العربية.
للمرجبي دور كبير ومهم في استكشاف مجاهل القارة الإفريقية، وكان دليلا للمستكشفين الأوروبيين في استكشاف منطقة البحيرات العظمى كستانلي، وسبيك، ولفنجستون، وكاميرون، وويسمان. فلقد كان رفيق لهم ومساعدا في استكشاف منطقة البحيرات العظمى.
تعرض حمد المرجبي لمحنة مالية وسياسية حين تم اتهامه بقتل بارتلوت وهو رائد في الجيش البلجيكي وكان حمد مرافقا له، مما جعل حكومة بلجيكا تطالب بمحاكمته، وأستغل أحد التجار الهنود في إفريقيا الفرصة وسيطر على بضاعة المرجبي، ونصح الكثير من العرب والأوروبيين حمد أن يختبئ في وسط أفريقيا ويتنازل عن بضاعته، إلا أنه أصر على مواجهة البلجيك واستعادة حقه.
كتب المرجبي سيرته الذاتية ليوضح من خلالها موقفه من الأوروبيين وطبيعة العلاقة التي تجمعه بهم، وكيف نجح في تكوين ثروته وكافح وغامر وحارب من أجل الوصول إليها.
يبدأ تيبوتيب سيرته الذاتية بذكر بداياته الأولى في التجارة حيث يقول:" عندما بلغت الثانية عشر من عمري أخذت أسافر إلى البلدان القريبة متاجرا في السندروس وملازما أخي محمد بن مسعود الوردي وعمي بشير بن حبيب وعبد الله بن حبيب الورديين. تاجرت عاما كاملا بذلك النوع من الخشب. كنت أحمل بضائع قليلة لصغر سني بينما يحمل أخي وعماي بضائع أكثر".
وصل المرجبي بتجارته إلى منطقة البحيرات الاستوائية، ونجح بالتعاون مع غيره من التجار العمانيين في تكوين شبكة ممرات وطرق تجارية، وتأسيس عدد من المحطات التي توفر لهم أماكن للتبادل التجاري، من أبرز التحديات التي واجهت المرجبي وغيره من التجار العرب صعوبة التعامل مع بعض القبائل الإفريقية، والتي قد تغدر بهم فجاءة، فقد تبيعهم كميات كبيرة من العاج ثم تباغتهم بالهجوم عليهم وسرقة العاج فيكون التاجر قد خسر أمواله وبضاعته وكذلك مرافقيه الذين قتلوا في الهجوم. وتعمل بعض القبائل على خيانتهم من ناحية أن يكون المرجبي قد أجر مجموعة من أفراد القبيلة لحمل البضائع وسلمهم ثلث المبلغ وأعطاهم كميات من الأطعمة ليتفاجأ بهم في الصباح وقبل انطلاق القافلة أن الحمالين قد اختفوا وعادوا إلى قبائلهم . ممارسة التجارة في تلك الفترة الزمنية في إفريقيا الغنية بالأدغال والحيوانات الخطيرة والأمراض المستعصية، والقبائل التي لا يحكمها قانون موحد ليس بالأمر الهين، وإنما يحتاج إلى خبرة وحنكة في التعامل، وهذا ما اكتسبه المرجبي من تجارته، اكتسب مهارة التعامل مع القبائل الإفريقية، واكتسب ثقة التجار فيه واحترام الجميع له حتى السلاطين البوسعيد مثل السلطان ماجد بن سعيد والسلطان برغش بن سعيد كانوا على علاقة به وكانوا يدعموه بالمال والسلاح.
كتب المرجبي في سيرته مغامراته والأحداث التي واجهته أثناء مزاولته لتجارته في البر والساحل الإفريقي، وتعد هذه السيرة الذاتية مصدرا مهما ودليلا على مدى شجاعة العمانيين وجسارتهم وتحديهم للمجهول، ومدى الاحترام والقبول الذي حظوا به من القبائل الإفريقية. وتوثق هذه السيرة أيضا الدور الذي لعبه العمانيين في الدفاع عن البر الإفريقي ضد السيطرة الغربية.
تعامل حمد المرجبي في تجارته مع جميع شرائح المجتمع الافريقي في ذلك الوقت فقد تعامل مع العرب والأفارقة والبانيان، وكان أمينا في تعامله مع الجميع فنال بذلك احترامهم وثقتهم. فأصبح من أهم التجار وأبرزهم، وكان يتاجر في العاج والخرز، وتوفير عمال للشركات الأوروبية التي تعمل في إفريقيا.
قام الدكتور محمد المحروقي بترجمة هذه السيرة الشيقة والمثيرة للاهتمام، ونشرها تحت عنوان" مغامر عماني في أدغال إفريقيا"، ومن خلال هذا المقال أدعو الجميع إلى قراءتها للتعرف على هذا التاجر المغامر والوقوف على الدور العماني الجليل في شرقي إفريقيا، ومعرفة كيف نجاح العماني في قارة إفريقيا لم يكن نجاحا معطرا بالورد بل شاقا صعبا ملئ بالأشواك والعقبات، واجهها العماني وتحدها وصنع من كل تحدي فرصة استثمارية، وتعامل مع الجميع بإنسانية واحترام فاحترمه الجميع وقدره ، وللتاجر العماني دور بارز في نشر الدين الإسلامي الحنيف بين مجاهل إفريقيا وغاباتها.
مات المرجبي في 10 ربيع الأول 1323هـ / 14 يونيو1905م في زنجبار متأثرا بمرض الملاريا. وكان يتمنى قبل وفاته زيارة أوربا والتجول بين المدن الأوروبية التي كان يصفها له ستانلي وغيره من المستكشفين الأوروبيين الذين رافقهم إلى أواسط القارة الأفريقية، حيث كانوا يصفون له المدنية والتطور الحضاري في أوروبا، فكان دائما ما يصرح أنه يتمنى السفر إلى هذه المدن والتعرف عليها. وكان غاية أهدافه أن يزور بيت الله الحرام، ولكن المنية كانت أقرب من أحلامه وطموحاته، رحمه الله واسكنه فسيح جناته .
وبمجرد إعلان خبر وفاته تهافت الوفود للمشاركة في تشيع جنازته، وتقديم واجب العزاء فيه، ومنهم القنصل البريطاني والقنصل الأمريكي في زنجبار. وقال عنه وايتلي: "
كان تيبو تيب رجلا مشهورا، وله دور بارز في توسيع التجارة العربية في تانجانيقا والكونجو الأمر الذي يمنحه أهمية تاريخية، كما تمثل سيرته أهم سيرة ذاتية عرفت في اللغة السواحلية".
0 تعليق