مبعدو مرج الزهور.. حكاية 415 فلسطينياً كسروا القيود بصخرة المقاومة

السبيل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
مبعدو مرج الزهور

السبيل

إجراء إسرائيلي أرادت منه تل أبيب إبعاد 415 مناضلا قياديا فلسطينيا خارج فلسطين، بهدف إفراغ الشارع الفلسطيني، من كل من يحمل فكر المقاومة، فقررت في 17 ديسمبر/كانون الأول 1992 إرسالهم إلى بلدة مرج الزهور في محافظة النبطية جنوبي لبنان، لكن إصرار المبعدين لعام كامل وجهودهم في إيصال رسالتهم للعالم، جعل إسرائيل ترضخ للضغط الدولي، وتوافق على إعادتهم على مراحل.

من المبعدون؟
415 ناشطا إسلاميا فلسطينيا من قطاع غزة والضفة الغربية، منهم قيادات في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي، إضافة إلى دعاة وقيادات إسلامية وأساتذة جامعات وأئمة، وكان من بينهم إسماعيل هنية الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس، وعبد العزيز الرنتيسي أحد مؤسسي حماس.

أسباب الإبعاد
أسَرَت كتائب القسام الجناح العسكري لحماس، الجندي الإسرائيلي نسيم طوليدانو من داخل أراضي 48، وطالبت مقابل تسليمه الإفراج عن الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس، وحددت مهلة لذلك.

عرقلت إسرائيل المفاوضات ورفضت الإفراج عن الشيخ ياسين، حتى انتهت المهلة، فقتلت القسام الجندي الإسرائيلي، ووُجدت جثته بعد يومين ملقاة على طريق القدس أريحا.

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين الحرب على حماس، وشنّ حملة اعتقالات واسعة في صفوف الحركة وقادتها، طالت 1300 شخص. وقررت إسرائيل إبعاد 415 شخصا من قيادات حركة حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور جنوبي لبنان.

وهدفت إسرائيل عبر إبعاد قادة العمل الإسلامي في فلسطين إلى إفراغ الشارع الفلسطيني من كل من يحمل فكر المقاومة، وحرصت على انتقاء الشخصيات المؤثرة الأبرز داخل فلسطين.

الإبعاد
داهم الجيش الإسرائيلي منازل القادة الفلسطينيين المدرجين على قائمة الإبعاد، وجمعهم في حافلات، ثم أنزلهم في مكان جبلي قرب الحدود اللبنانية، وسار المبعدون على أقدامهم زمنا حتى وجدوا منطقة فيها ماء أقاموا فيها، وعَرفوا فيما بعد أن اسمها “مرج الزهور”.

وُضع المبعدون في منطقة جبلية قاحلة مناخها صعب؛ ففي الشتاء، واجهوا البرد القارس والثلوج، وفي الصيف، كانت تنتشر فيها الحيات والعقارب التي لدغت عددا منهم، خاصة وأن المنطقة كانت مجاورة لـ”وادي العقارب”.

وكان الطعام شحيحا في البداية بسبب صعوبة التنقل خاصة مع وجود كبار في السن، وعانى المبعدون أيضا من انقطاع وسائل الاتصال، إذ لم تُتَح لهم أي وسيلة تواصل حتى مرور 3 أشهر.

مخيم العودة
اختار المبعدون إقامة مخيم على الحدود اللبنانية ورفضوا الدخول إلى لبنان، وأطلقوا عليه اسم “العودة” لترسيخ مبدأ حقهم في الرجوع إلى ديارهم. وتحوّل المخيم إلى مجتمع مصغر نُظمت فيه الحياة اليومية عبر لجان متخصصة، أبرزها اللجنة الإعلامية التي مثّلها الرنتيسي ناطقا بالعربية وعزيز دويك ناطقا بالإنجليزية، وعمِلا على نقل قضيتهم وإيصال صوتها لأكثر من 100 دولة.

قدّم المخيم عددا من الأنشطة التعليمية والدينية، بما في ذلك دورات في التجويد والقرآن والخط والخطابة، إضافة إلى دورات في اللغة الإنجليزية وفنون الدفاع عن النفس. كما أُنشئت عيادة طبية أشرَفت على تقديم الرعاية الصحية للمبعدين وحتى لسكان المنطقة المجاورة.

وأنشأ المبعدون عيادة طبية أدارها الدكتور عمر فروانة، عملت على مدار الساعة لمداواة مرضاهم، ونجحت في إجراء عمليات جراحية عدة، كما قدمت علاجا لعدد من سكان المنطقة المجاورة لمرج الزهور.

وكان هذا المخيم بمثابة بوابة لتوطيد العلاقات الفلسطينية-اللبنانية، وبوابة لانفتاح المبعدين على العالم بعيدا عن التضييق الإسرائيلي، فقد استطاع الفلسطينيون التواصل مع العالم واستقبلوا عددا من مراسلي الصحافة العالمية.

أسس المبعدون جامعة أطلقوا عليها اسم “جامعة ابن تيمية”، ترأسها موسى الأقطم، ضمّت 88 طالبا جامعيا، وأدارها عدد من الأكاديميين المبعدين، وكان التدريس فيها على الأسس العلمية والجامعية المعتمدة في جامعات فلسطين.

نجح المبعدون في التنسيق مع الجامعات الفلسطينية في الضفة وغزة لاحتساب المساقات التي دُرّست فيها. وخرّجت الجامعة 15 طالبا في الدفعة الأولى، واعتمدت شهاداتهم في الجامعات الفلسطينية. وقدمت الجامعة دورات تدريبية لغير منتسبيها من أجل استغلال أوقاتهم وتطوير قدراتهم.

رضوخ الاحتلال
استمر المبعدون في تنظيم المسيرات والوقفات الاحتجاجية للمطالبة بحقهم في العودة، أبرزها “مسيرة الأكفان” التي نظمت في أبريل/نيسان 1993، وفيها لبس المبعدون أكفانهم واتجهوا نحو الحدود الفلسطينية تعبيرا عن رفضهم أي قرار سوى العودة إلى ديارهم.

لم تستطع إسرائيل تحقيق مرادها بإبعاد قادة المقاومة الفلسطينيين، وراهنت -طَوال سنة كاملة- على يأس المبعدين وقبولهم الواقع الذي فرض عليهم، لكن إصرارهم على العودة وكسبهم تأييدا عالميا، نجح في كسر قرار الإبعاد ووأد هذه السياسة في مهدها، وأدى هذا الإصرار إلى انسحاب الوفد الفلسطيني والعربي من المفاوضات المنبثقة عن مؤتمر مدريد للسلام احتجاجا على سياسة الإبعاد.

اضطرت إسرائيل إلى إعادة المبعدين على مراحل، وذلك بعد ضغوط دولية ووساطة أميركية لاستئناف المفاوضات في واشنطن، واشترط الفلسطينيون تخلي إسرائيل رسميا عن سياسة الإبعاد، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الإيعاز بعودة المبعدين تدريجيا؛ ففي سبتمبر/أيلول 1993، وافقت على عودة 189 مبعدا إلى ديارهم، فيما عاد الباقون في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.

ولم يعد المبعدون إلى منازلهم، بل اعتقل العشرات منهم، وتذرعت إسرائيل أن عليهم إمضاء بقية الحكم الذي كان قد صدر بحقهم سابقا، ومنهم من أصدرت عليهم أحكاما جديدة. من جهة أخرى رفض عدد من المبعدين العودة خشية اعتقاله في سجون الاحتلال.

واغتالت طائرات الاحتلال عددا كبيرا من قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في الضفة وغزة فيما بعد، وعلى رأسهم جمال منصور وجمال سليم اللذان اغتيلا معًا في غزة عام 2001، وأيضا الرنتيسي في غزة عام 2004، وهنية بينما كان في زيارة إلى طهران عام 2024، وغيرهم.

الجزيرة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق