قطاع التمور.. ما المطلوب لمواجهة خطر التغيرات المناخية؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

عمان- فيما تعد التمور من المحاصيل الإستراتيجية المهمة في العديد من الدول العربية والآسيوية، بسبب مساهمتها الكبيرة في الاقتصاد الزراعي، غير أنها تشهد تهديدا متزايدا من حيث الإنتاجية والجودة بسبب التغيرات المناخية.اضافة اعلان
وبحسب خبراء لـ"الغد" رأوا ضرورة تطوير تقنيات الري الذكي، وزراعة أصناف مقاومة للحرارة والجفاف، وتحسين إدارة التربة والزراعة، وتطوير تقنيات التخزين والتسويق والاستثمار في البحث والابتكار الزراعي بما يخدم التكيف مع التغير المناخي في القطاع الزراعي بشكل عام، وفي قطاع نخيل التمر بشكل خاص.
تهديدات متنوعة
وفي هذا الصدد، بين الخبير الدولي في مجال التمور وإنتاجها وتسويقها رئيس جمعية التمور الأردنية المهندس أنور حداد، أن  التغيرات المناخية تتسبب بارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط الأمطار، وزيادة العواصف الرملية، وبالرغم من قدرة النخيل العالية على تحمل هذه التغيرات إلا أن ذلك لن يمنع انتشار الأمراض والآفات وتغير مستويات ملوحة الأراضي، ومياه الري.
وأضاف أن من شأن ذلك أن يؤثر على إنتاجية وجودة التمور في مناطق إنتاجها التي يتركز(75 %) منها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يتطلب إعادة النظر في العديد من الإستراتيجيات المتعلقة بإنتاج هذه التمور، وربما يتطلب الأمر لاحقا إعادة توزيع خريطة الأصناف ومناطق إنتاج التمور في العالم، وإعداد إستراتيجيات تكيف متطورة لإدارة القطاع الزراعي. 
وأشار حداد إلى أن النخيل المثمر يعد من الأشجار التي تتطلب مناخا دافئا وجافا، لكن الارتفاع المفرط في درجات الحرارة والتغير المرافق في مستويات الرطوبة نتيجة التغير المناخي حسب تنبؤات تغير الطقس في العالم، من المتوقع أن تؤدي إلى مجموعة من النتائج أهمها التأثير العام على إنتاج التمور وجودتها.
وقال إن التغير المناخي سيؤدي إلى تغير في درجات الحرارة ومواسم ومواعيد وكميات سقوط الأمطار، وبالتالي اختلال مواعيد التلقيح وتطور الثمار والحصاد، ويتبعها اختلالات هيكلية في مدى ملاءمة المناطق لإنتاج التمور أو أي نوع من أنواع الفاكهة والخضار، واختلاف مواسم الإنتاج تبعا لذلك، أو ربما خروج بعض المناطق من إنتاج التمور ودخول مناطق أخرى.
ورأى أن الإجهاد الحراري الذي ستتعرض له أشجار النخيل سيؤدي إلى تغيرات في سلوك النبات، وسيحدث تغيرات نتيجة لذلك في شكل ولون وطعم وحجم الثمار، كما سيزيد من حاجة الأشجار إلى المياه، ما يرفع تكاليف الإنتاج.
وتابع: "من جهة أخرى، قد تضطر بعض المناطق إلى تغيير أصناف التمور المزروعة لمواكبة التراكمات الحرارية التي تحتاجها الأصناف المختلفة من النخيل، ومن المتوقع زيادة نسبة وعدد الطفرات الوراثية والتغير في البصمة الجينية للعديد من أصناف التمور." 
وزاد: "كما سيؤدي انخفاض معدلات الأمطار وزيادة فترات الجفاف إلى تراجع كميات المياه، ما يجعل الري من مصادر أخرى وإضافية ضرورة لا غنى عنها."
وقال إن العديد من الدول ستواجه تحديات في توفير المياه، ما قد يحد من المساحات المزروعة، ويؤدي إلى تراجع الإنتاج والجودة وخصوصا في بعض المناطق التي تعتمد على المياه الجوفية أو مياه الأنهار، حيث سيؤدي تناقص الموارد المائية إلى زيادة ملوحة التربة والمياه، ما يلحق أضرارا في الإنتاج والجودة.
وبين أن العواصف الرملية، ستصبح أكثر تكرارا، ما يؤدي الى تراجع كفاءة أوراق الشجر، ويقلل من إنتاجية النخيل وجودة التمور.
وقال إن ارتفاع ملوحة التربة بسبب الجفاف يزيد من صعوبة امتصاص الأشجار للمغذيات، ما يؤدي إلى ضعف عام في المحصول.
وحذر حداد من تراجع القيمة الغذائية والتسويقية للتمور، حيث تؤدي التغيرات في درجات الحرارة، إلى اختلاف نسبة السكريات في التمور، فبعض الأصناف قد تصبح أقل حلاوة أو أصغر حجما نتيجة تعرضها لظروف مناخية غير مناسبة.
وتطرق إلى تأثير انتشار الأمراض والآفات الزراعية، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الرطوبة في بعض المناطق.
وقال إن دول السعودية والإمارات والعراق تعد من أكبر منتجي التمور، لكن ارتفاع درجات الحرارة والجفاف سيزيدان من صعوبة الحفاظ على الإنتاجية وجودتها فيها.
وتابع: "في العراق، سيؤثر التغير المناخي على توفر المياه، ما يزيد من ملوحة التربة ويقلل من جودة المحصول، كما تواجه
دول شمال أفريقيا (مصر، والجزائر، وتونس، والمغرب) تحديات كبيرة في توافر المياه، خاصة في مصر حيث تزداد ملوحة التربة بسبب تراجع تدفق مياه نهر مياه النيل."
وبالنسبة للأردن فبين حداد أن موقعه في المنطقة الحدية مناخيا ستتيح له في المدى المتوسط تحسنا في جودة الإنتاج خاصة في المناطق الوسطى والشمالية من وادي الأردن، فيما سيزداد الإجهاد الحراري في مناطق جنوب البحر الميت باتجاه العقبة، وبالتالي يمكن التوسع في مناطق إنتاج بعض الأصناف، كالمجهول، باتجاه الأغوار الشمالية وربما الأزرق.    
الاستثمار بالتكنولوجيا
وحول إمكانيات التكيف مع التغير المناخي، قال حداد إن الدول التقليدية المنتجة للتمور ستواجه تحديات تتطلب استثمارات كبيرة في التكنولوجيا الزراعية، وستتحدد الدول القادرة على الحفاظ على ريادتها في إنتاج التمور مستقبلا خاصة في ظل التطور التقني الكبير في الذكاء الاصطناعي، والتوسع في تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة على إدارة الإنتاج الزراعي، وبالتالي من الضروري العمل على إحداث تطورات كبيرة بما يخدم التكيف مع التغير المناخي في القطاع الزراعي بشكل عام، وقطاع نخيل التمر بشكل خاص.
وتابع: "كذلك لا بد من تطوير تقنيات الري الذكي، من خلال الاستثمار في أنظمة الري الحديثة واستخدام المياه المعالجة، والاستفادة من الطاقة البديلة في تحلية المياه لتقليل تأثير نقص المياه، والتوسع في تقنيات حصاد المياه وإدارة الموارد المائية بكفاءة أكبر."
وزاد: "كما يمكن زراعة أصناف مقاومة للحرارة والجفاف، من خلال العمل على تطوير أصناف جديدة من النخيل تتحمل درجات الحرارة والملوحة الزائدة، وتشجيع زراعة أصناف أكثر تكيفا في المناطق التي تشهد تغيرات مناخية معتدلة، وتحسين إدارة التربة والزراعة من خلال استخدام تقنيات زراعية متقدمة تحافظ على خصوبة التربة، وتقلل من تآكل التربة وتملحها.
كما دعا للاعتماد على الأسمدة العضوية والمواد الحيوية لتعزيز قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه والمغذيات، وتطوير تقنيات التخزين والتسويق من خلال تحسين تقنيات تخزين التمور للحفاظ على جودتها فترات أطول، وتقليل الفاقد منها، وتطوير سلاسل التوريد لتسهيل تداول التمور في الأسواق المحلية والعالمية.
وقال: "كذلك لا بد من الاستثمار في البحث والابتكار الزراعي من خلال تعزيز الأبحاث في مجالات الزراعة الذكية، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات المناخ والتنبؤ بالظروف المثلى لزراعة التمور، وتطبيق الحلول البيئية لمكافحة الآفات وتقليل استخدام المبيدات الكيميائية."
تهديد متزايد للنخيل
من جهته بين الخبير الدولي في الأمن الغذائي الدكتور فاضل الزعبي، أن التغير المناخي يمثل تهديدا متزايدا لزراعة النخيل وإنتاج التمور في الدول الكبرى المنتجة، بما في ذلك الأردن. 
وأضاف أن التحديات الرئيسة تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة، التي تزيد الإجهاد الحراري على أشجار النخيل، ما يؤثر على التمثيل الغذائي للنبات ويقلل من جودة التمور، كما تؤدي هذه الظروف إلى انخفاض معدلات الإخصاب، ما يؤثر سلبا على الإنتاجية.
وأضاف إن الجفاف الناتج عن تغير المناخ يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، حيث يعتمد النخيل على المياه بشكل كبير، كما أن زيادة معدلات التبخر تؤدي إلى ارتفاع ملوحة التربة والمياه، ما يؤثر سلبا على نمو الأشجار، كما أن تكرار العواصف الرملية والرياح القوية قد يتسبب في تلف الثمار وتضرر الأشجار، بينما تؤدي الفيضانات غير المتوقعة إلى تلف الجذور وزيادة انتشار الأمراض الفطرية.
وقال الزعبي إنه مع ارتفاع الحرارة والرطوبة، تنتشر آفات مثل سوسة النخيل الحمراء بمعدلات أكبر، ما يزيد من الخسائر الإنتاجية، حيث تعد هذه الحشرة تهديدا مباشرا لمستقبل زراعة النخيل في الأردن ما لم تتم مكافحتها بطرق علمية صحيحة.
وأشار إلى أن التغير المناخي قد يؤدي أيضا إلى تغير مواعيد النضج، ما يسبب اختلالا في السوق بسبب عدم انتظام العرض، فضلا عن أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى انخفاض نسبة السكريات الطبيعية في التمور، ما يقلل من جودتها التصديرية.
وبين أن منطقة الأغوار الشمالية والجنوبية تعد مكانا مناسبا لإنتاج التمور بسبب ارتفاع درجات الحرارة، إلا أن تغير المناخ أدى إلى التبكير في موسم القطاف بنحو 20 يوما، حيث يراكم هذا التغيير ضغوطا إضافية على المزارعين الذين يحاولون التكيف مع الظروف الجديدة. 
وقال: "يتزايد الاهتمام بتطوير تقنيات التعديل الجيني لتعزيز مقاومة أشجار النخيل للظروف المناخية القاسية، مع تركيز خاص على تحسين جودة التمور وزيادة إنتاجيتها"، مبينا أن الدراسات الحديثة تظهر تقدّما في فهم الآليات الجزيئية التي تمكن النخيل من تحمّل الإجهادات البيئية مثل الجفاف والملوحة والحرارة المرتفعة. 
وتابع: "على سبيل المثال، كشفت أبحاث التعبير الجيني عن تنشيط جينات مرتبطة بزيادة الكربوهيدرات القابلة للذوبان وإنتاج الأنواع التفاعلية للأكسجين كاستجابة للإجهاد الحراري والجفاف."
ولفت إلى التطورات التكنولوجية في التعديل الجيني من خلال تحرير الجينات باستخدام (كريسبر/كاسح) حيث تُستخدم هذه التقنية في محاصيل أخرى مثل البندورة والأرز لتطوير أصناف مقاومة للإجهادات اللاحيوية، وعلى سبيل المثال تعديل جينات SlCBF1 وSlBZR1 لتحسين تحمّل درجات الحرارة، وتخفيض تراكم المعادن السامة عبر تعطيل جينات مثل OsHAK1 في الأرز. 
نمو سوق الأغذية المعدلة
وقال الزعبي إن من أهم التحديات والتطبيقات العملية ما يتمحور حول نقص البروتوكولات الفعّالة، حيث ما تزال تقنيات التحويل الجيني في النخيل محتاجة إلى تطوير مقارنة بمحاصيل أخرى، علاوة على تحسين كفاءة استخدام المياه كالري بالتنقيط وإمكانية دمجها مع الأصناف المُعدّلة وراثيا لتعزيز المرونة المناخية.
أما من جهة تقبّل الأسواق للمحاصيل المعدّلة وراثيا، فتشير التوقعات إلى نمو سوق الأغذية المعدلة وراثيا عالميا بمعدل سنوي مركب يبلغ 7.72 %، ليصل إلى 184.9 مليار دولار بحلول 2030، وذلك بسبب القبول والإدراك العام حسب المنطقة، مع وجود مقاومة في أوروبا مقابل قبول أكبر في آسيا وأمريكا، وفق الزعبي.
وبين أنه الدراسات تظهر أن تحسين فهم المستهلكين للفوائد (مثل الأمن الغذائي والاستدامة) يعزز القبول، خاصة عند ربطها بأهداف التنمية المستدامة.
واشار إلى أن هذه الجهود تندرج ضمن مسارات تحويل النظم الغذائية العالمية التي أقرتها قمم مثل قمة نيويورك 2021 وروما 2023، مع تركيز متزايد على دمج الابتكارات الجينية في الزراعة المستدامة، حيث تعد الأبحاث الحالية حول نخيل التمر خطوة أولى نحو تطبيقات عملية، لكنها تتطلب مزيدا من الدعم التقني والسياسي لتحقيق الانتشار الواسع.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق