ولكن عندما توقفت أصواتهم، تركونا لوحشة الصمت.
لم يرتدوا سوى أوجاعهم وهم يتقبلون بصدور مفتوحة وشجاعة لا يثنيها صخب القذائف.
لن نذكر أعدادهم. هم أكبر من أن تحصيهم الأرقام، وأثقل من أن تحصرهم الكلمات.
•••
كأنّهم يودعوننا وهم يتشبثون بالرحيل. يهجروننا بعد عالم مملوء بالقهر.
هؤلاء الذين أغنتهم براءتهم عن ضوضاء الحياة وقّعوا بدمائهم كل لحظة عاشوها، ووقّعوا بصبرهم كل ألم حملوه.
ما حاجتهم لأضواء العدسات والقصائد الآن وهم الذين تركوا الحياة دون سباق أو خيار. تاركين وراءهم درساً يتلوه الحطام: أنَّ الإنسانيةَ حين تصمت... تخسر!
غادرونا بصمت يشبه النحيب، كأنهم يعلّموننا درساً في الفقد لا يمكن نسيانه. تركوا خلفهم ظلالاً من أملٍ ضائع، وألواناً بهتت تحت غبار الدمار.
أحلام صغيرة كانت تُرسم على وجوههم قبل أن يمحوها القصف بلا رحمة، وأغانٍ لم تكتمل كلماتها قبل أن تخنقها أصوات الطائرات.
الأطفال الذين حملوا ألعابهم (القتيلة) كأنها كنوز، والنساء اللواتي خبأن وجعهن خلف العيون المبللة بالدموع، والعجائز اللاتي حملت أكتافهن ما لم تحتمله السنون.
هؤلاء الذين علّمونا أن الصبر ليس اختياراً، بل قدَر يفرض نفسه في أحلك اللحظات، وأن «الحب في زمن الحرب» يصبح أغنية حزينة ترددها القلوب الخاوية.
لم يكونوا مجردَ أرقام تُسجل في التقارير أو أسماء تُكتب على شواهد القبور.
كانوا أرواحاً تفيض حياة.
كان لكل منهم قصة حلم. دعاء صامت كان يتمنى أن يُسمع.
لكن الغبار والركام كان أسرع من أصواتهم.
حين نتذكرهم، لا نتذكر موتهم فقط، بل نتذكر تلك الحياة التي قاوموا للحياة فيها.
تلك الوجوه التي ابتسمت رغم الجراح، والعيون التي اختبأ فيها الحزن. لم تفقد بريق الأمل. تركونا لنتلوا رواياتهم.
نكتب عنهم.
•••
نهاية:
(إنسانية) الغرب حين تنسى، تصبح شريكة في القتل.
اقتل. اقتل. اقتل حتى يصدقك الغرب!
أخبار ذات صلة
0 تعليق