(CNN)-- عبّر مسؤولون أمريكيون سابقون في الأمن القومي عن صدمتهم ورعبهم من المعلومات التي كشفتها مجلة "ذا أتلانتيك"، الاثنين، عن إرسال كبار أعضاء إدارة الرئيس دونالد ترامب خططا مفصلة ومعلومات أخرى يُحتمل أنها سرية للغاية حول الضربات العسكرية الأمريكية على جماعة الحوثي في اليمن إلى محادثة جماعية على تطبيق "سيجنال" للمراسلة أُضيف إليها صحفي عن طريق الخطأ.
وأقرت إدارة ترامب بأن الرسائل، المُرسلة عبر تطبيق "سيجنال" غير الحكومي للدردشة المشفرة، تبدو أصلية دون تقديم أي تفسير لسبب مناقشة كبار المسؤولين لمعلومات عسكرية خارج الأنظمة الحكومية السرية المعتمدة.
ووفقًا لمجلة "ذا أتلانتيك"، عقد مستشار الأمن القومي مايك والتز في وقت سابق من هذا الشهر محادثة نصية مع كبار المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم نائب الرئيس جيه دي فانس، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، ووزير الخارجية ماركو روبيو، لمناقشة الضربات على الحوثيين في اليمن الذين يهددون الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
ويبدو أن والتز أضاف، عن طريق الخطأ، رئيس تحرير "ذا أتلانتيك"، جيفري غولدبرغ إلى المحادثة.
وبدأت الرسائل بنقاش حول موعد بدء العملية، بينما تابع غولدبرغ المنافشات نُفذت الضربات، وهنأ المسؤولون أنفسهم على العمل الجيد خلال نقاش قصير بعد العملية، قبل أن يتنحى غولدبرغ.
وقال مسؤول أمريكي كبير سابق تعليقا على التقرير: "يا إلهي"، فيما أجاب آخر عندما سُئل عما إذا كان هناك أي استخدام مماثل للتطبيق خلال إدارة الرئيس السابق جو بايدن: "لا".
وسيجنال تطبيق مراسلة مشفر شائع الاستخدام حول العالم، بما في ذلك بين الصحفيين والمسؤولين كما استخدمه مسؤولو إدارة بايدن بشكل روتيني لمناقشة التخطيط اللوجستي للاجتماعات، وأحيانًا للتواصل مع نظرائهم الأجانب.
لكن استخدام سيجنال لمناقشة التخطيط للعمليات العسكرية، وهو من أكثر الأسرار كتمانًا في الولايات المتحدة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تأثيره المحتمل على حياة العسكريين الأمريكيين، يُشكل خطرا صادما على الأمن القومي، وفقًا لمسؤولين سابقين.
وقال العديد من المسؤولين إنهم لا يتذكرون أي حالة استُخدم فيها سيجنال لنقل معلومات سرية أو مناقشة عمليات عسكرية.
ويتمتع كبار المسؤولين في الدردشة الجماعية بإمكانية الوصول إلى أنظمة اتصالات سرية، ولديهم موظفون مهمتهم ضمان أمن اتصالات المعلومات الحساسة.
وقال مسؤول استخبارات كبير سابق: "لقد انتهكوا كل إجراء معروف لحماية المواد قبل أي ضربة عسكرية، وهذا انهيار أمني كامل في عملية عسكرية".
وتتعزز الثقة في أمان تطبيق سيجنال بكونه مفتوح المصدر، ما يعني أن شيفرته متاحة للخبراء المستقلين لفحصها بحثًا عن نقاط ضعف ولكن كما هو الحال مع أي تطبيق مراسلة ذي أهداف عالية الأهمية، حاول قراصنة مدعومون من دول اختراق محادثات سيجنال، مما يترك الباب مفتوحًا أمام احتمال تعرضه للاختراق.
وكشف تقرير صدر الشهر الماضي عن شركة مانديانت الأمنية المملوكة لشركة غوغل أن جواسيس مرتبطين بروسيا حاولوا اختراق حسابات سيجنال الخاصة بأفراد عسكريين أوكرانيين من خلال انتحال صفة جهات اتصال موثوقة.
خطأٌ كان من شأنه عادةً أن يُفضي إلى تحقيق
إن استخدام محادثة سيجنال لمشاركة معلوماتٍ بالغة السرية، وإشراك مراسلٍ عن طريق الخطأ في المناقشة، يُثير أيضًا احتمال انتهاك القوانين الفيدرالية، مثل قانون التجسس، الذي يُجرّم إساءة التعامل مع معلومات الدفاع الوطني.
وقد استُخدم هذا القانون في مقاضاة وزارة العدل لترامب بتهمة تخزين وثائق سرية في أماكن غير مُصرّح بها، مثل حمام منتجعه مارالاغو، بعد انتهاء ولايته الأولى.
وفي الظروف العادية، كان خطأٌ كهذا ليُفضي إلى تحقيقٍ من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) وقسم الأمن القومي بوزارة العدل، وفقًا لمسؤولين سابقين في وزارة العدل.
وهذا مستبعد في تلك الحادثة، ويعود ذلك جزئيا إلى أن بعض كبار مسؤولي إدارة ترامب في محادثة سيجنال هم من سيطلبون إجراء مثل هذا التحقيق.
وتعتمد وزارة العدل عادةً على تلقي تقريرٍ عن جريمةٍ من الجهة المُصدرة لمعلومات الدفاع الوطني - وهي في هذه الحالة وزارة الدفاع كما يتمتع كبار المسؤولين في المناقشة بما يُعرف بسلطة التصنيف الأصلية، ما يعني أنه يُمكنهم تخفيض مستوى تصنيف المعلومات واعتبرها ليست سرية ويمكن تداولها.
لكن إذا ارتكب مسؤولون حكوميون من مستويات أدنى خطأً مماثلاً، فلا شك أن العواقب ستكون وخيمة، بما في ذلك احتمال فقدان تصاريحهم الأمنية، كما يقول مسؤولون حاليون وسابقون.
وتنص لوائح وزارة الدفاع (البنتاغون) تحديدًا على أن تطبيقات المراسلة، بما في ذلك سيجنال "غير مخولة بالوصول إلى معلومات وزارة الدفاع غير العامة أو إرسالها أو معالجتها".
وقال مسؤول سابق في وزارة العدل: "إذا فعل أي شخص آخر ذلك، فلا شك أنه سيخضع للتحقيق".
وزعم ترامب أنه لا يعرف شيئًا عما حدث، وقال ترامب للصحفيين عندما سُئل عن تقرير غولدبرغ: "لا أعرف شيئًا عن ذلك".
وتابع: "لست من أشد المعجبين بمجلة ذا أتلانتيك إنها، بالنسبة لي، مجلة على وشك الإفلاس، وأعتقد أنها ليست مجلة بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولكنني لا أعرف شيئًا عنها".
وأضاف: "لا يمكن أن يكون الهجوم فعالًا جدًا، لأن الهجوم كان فعالًا جدًا. أستطيع أن أقول لك، لا أعرف شيئًا عنه. أنت تخبرني به لأول مرة".
"يجب فصل أحدهم"
خلال المحادثة، أرسل هيغسيث "تفاصيل عملياتية للضربات القادمة على اليمن، بما في ذلك معلومات عن الأهداف والأسلحة التي ستنشرها الولايات المتحدة وتسلسل الهجمات"، وفقًا لمجلة "ذا أتلانتيك". وفي سياق آخر من المحادثة، أرسل مدير وكالة المخابرات المركزية، جون راتكليف، "معلومات قد تُفسر على أنها مرتبطة بعمليات استخباراتية فعلية وحالية".
وقال مسؤولون سابقون إنه من شبه المؤكد أن جميعها ستكون سرية على أعلى مستوى.
وذكر وزير الدفاع السابق ومدير وكالة المخابرات المركزية، ليون بانيتا، لشبكة CNN: "يجب فصل أحدهم".
وأضاف: "كيف أُضيف اسم صحفي إلى تلك القائمة؟ إنه خطأ فادح"، مشيرًا إلى أنه لو كان شخصًا آخر مثل غولدبرغ "لكان بإمكانه الكشف عن هذه المعلومات فورًا للحوثيين بأنهم على وشك التعرض لهجوم، وكان بإمكانهم بدورهم مهاجمة منشآت أمريكية في البحر الأحمر، مما يتسبب في خسائر بشرية في صفوف قواتنا".
ولدى الحكومة الأمريكية أنظمة متعددة لنقل وتوصيل المعلومات السرية، بما في ذلك شبكة موجه بروتوكول الإنترنت السري (SIPR) ونظام الاتصالات الاستخباراتية العالمية المشترك (JWICS).
ويتمتع كبار المسؤولين بمن فيهم وزير الدفاع ونائب الرئيس ووزير الخارجية وآخرون، بإمكانية الوصول إلى هذه الأنظمة في جميع الأوقات تقريبًا، بما في ذلك الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة المجهزة خصيصًا للمعلومات السرية.
وصرح مسؤول دفاعي أمريكي كبير سابق بأنه لا يُمكن إرسال معلومات سرية من أحد هذه الأنظمة إلى شبكة غير سرية، وكان على هيغسيث - أو أي شخص يعمل لديه - القيام بذلك يدويًا.
وقال المسؤول إن "هذا يُمثل سوء تعامل صارخ مع المعلومات السرية ونقلًا غير قانوني للمواد من نظام سري إلى شبكة غير سرية".
وأضاف المسؤول: "اضطر هيغسيث بطريقة ما إلى نقلها أو نسخها لوضعها على سيجنال في المقام الأول".
وتابع: "لا يُمكن إعادة توجيه بريد إلكتروني سري إلى نظام غير سري. سيتعين عليك إما طباعته أو كتابته أثناء النظر إلى الشاشتين. لذا، لا بد أنه فعل ذلك، وإلا لكان على شخص آخر القيام بذلك نيابةً عنه بهذه الطريقة".
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي برايان هيوز، في بيان لشبكة CNN: "يبدو أن هذه سلسلة رسائل حقيقية، ونحن نراجع كيفية إضافة رقم غير مقصود إليها، وهذه السلسلة دليل على التنسيق السياسي العميق والمدروس بين كبار المسؤولين، إن النجاح المستمر لعملية الحوثيين يُظهر عدم وجود تهديدات للقوات أو الأمن القومي".
ونُقل عن فانس في الرسائل النصية تعبيره عن قلقه من اعتبار الضربات "خطأً" وعدم يقينه من أن ترامب كان على دراية بكيفية تعارض الضربات على المتمردين الحوثيين مع رسالته بشأن أوروبا.
وكتب فانس في محادثة جماعية على تطبيق سيجنال، وفقًا لمجلة "ذا أتلانتيك": "لست متأكدًا من أن الرئيس يدرك مدى تعارض هذه الرسالة مع رسالته بشأن أوروبا في الوقت الحالي، هناك خطر إضافي يتمثل في أن نشهد ارتفاعًا متوسطًا إلى حادًا في أسعار النفط، أنا على استعداد لدعم إجماع الفريق، وسأحتفظ بهذه المخاوف لنفسي، ولكن هناك حجج قوية لتأجيل هذا الأمر لمدة شهر، والعمل على صياغة الرسائل حول أهمية هذا الأمر، ودراسة وضع الاقتصاد، وما إلى ذلك".
ويبدو أن مسؤولي إدارة ترامب قد تفاعلوا مع هذا الجانب من التقرير - ولا يوجد أي تلميح على الإطلاق إلى أن استخدام سيجنال لهذا الغرض أثار مخاوف تتعلق بالأمن القومي.
وفي تصريح لشبكة CNN، قال ويليام مارتن، مدير الاتصالات لدى نائب الرئيس: "إن الأولوية الأولى لنائب الرئيس هي دائمًا التأكد من أن مستشاري الرئيس يُطلعونه بشكل كافٍ على فحوى مداولاتهم الداخلية، ويدعم نائب الرئيس فانس بشكل قاطع السياسة الخارجية لهذه الإدارة. وقد أجرى الرئيس ونائب الرئيس محادثات لاحقة حول هذا الموضوع، وهما متفقان تمامًا."
وأعرب الديمقراطيون في الكونغرس عن غضبهم، حيث أشار عضو كبير واحد على الأقل إلى أنه يعتزم الضغط على كبار مسؤولي الاستخبارات عندما يمثلون أمام الكونغرس في جلسة استماع مقررة مسبقًا أمام لجنة الاستخبارات بمجلس النواب بشأن تهديدات الأمن القومي يوم الأربعاء.
وقال النائب جيم هايمز، عن ولاية كونيتيكت، وهو أكبر ديمقراطي في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب: "أشعر بالفزع من التقارير التي تفيد بأن كبار مسؤولي الأمن القومي لدينا، بمن فيهم رؤساء وكالات متعددة، شاركوا معلومات حساسة، ومن شبه المؤكد أنها سرية، عبر تطبيق مراسلة تجاري، بما في ذلك خطط حرب وشيكة"، مشيرًا إلى "المخاطر الكارثية لنقل المعلومات السرية عبر أنظمة غير سرية".
وذكر: "إذا كانت هذه التقارير صحيحة، فإن هذه الإجراءات تُعدّ انتهاكًا صارخًا للقوانين واللوائح الموضوعة لحماية الأمن القومي، بما في ذلك سلامة الأمريكيين المعرضين للخطر".
وقد سبق لبعض المشاركين في سلسلة الرسائل النصية أن انتقدوا استخدام منصات غير حكومية لإجراء أعمال رسمية حساسة.
وقال السيناتور عن ولاية فلوريدا آنذاك، ماركو روبيو، في فعالية عامة بولاية أيوا عام ٢٠١٦: "وضعت هيلاري كلينتون بعضًا من أهم المعلومات الاستخباراتية وأكثرها حساسية على خادمها الخاص، ربما لأنها تعتقد أنها فوق القانون أو ربما أرادت فقط سهولة قراءة هذه المعلومات على هاتفها بلاك بيري هذا غير مقبول، وهذا يُقصي المرشحة عن سباق الرئاسة".
0 تعليق