برامج المقالب واجترار التفاهة !

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تعتبر برامج المقالب الرمضانية واحدة من الظواهر التلفزيونية التي انتشرت بشكل واسع خلال عقود، خاصة خلال شهر رمضان المبارك. ورغم أنها تحظى بشعبية كبيرة وتحصد نسب مشاهدة عالية، إلا أن الكثيرين يرون فيها مجرد «تفاهات» لا تضيف شيئاً حقيقياً للمتلقي ولا بعداً ترفيهياً مناسباً، بل على العكس قد تساهم في نشر ثقافة استغلال الأشخاص والتلاعب بمشاعرهم.

في البداية، يمكن القول إن برامج المقالب الرمضانية لا يجب أن تخرج عن كونها محاولة لتسلية الجمهور في إطار من المرح والتشويق وصناعة المفاجأة المحمودة، حين يقوم فريق العمل بإعداد مقلب غير متوقع شريطة ألا يتجاوز حدود المعقول كما يحدث في البرامج حالياً من أفعال مقززة وإيذاء للمشارك والمتلقي باستخدام العنف اللفظي والجسدي بحيث يتفنن أحد تلك البرامج سنوياً باختراع أساليب أكثر عبثيةً وعنفاً لا تعود على المشاهد سوى بالضجر والتوتر والسخط كاستخدام الحشرات من عقارب وثعابين إلخ !

الأمر الذي يثير الجدل حول هذه البرامج هو الجانب الأخلاقي، ففي العديد من الحالات، تكون ردود الفعل الناتجة عن المقالب مبالغاً فيها، وقد تؤدي إلى حالات من الإحراج أو الصدمة للمشاركين، مما يعكس غياباً للاعتبار الأخلاقي في الكثير من الأحيان. قد تؤدي بعض المقالب إلى تعريض الأشخاص لمواقف محرجة أمام الجمهور، وتخلق توتراً غير مبرر. بل في بعض الأحيان يساهم هذا النوع من البرامج في تقليل احترام بعض الشخصيات العامة، خاصة إذا كانت المقالب تهدف إلى السخرية منها، وقد تنطوي هذه الأفعال على مخالفات قانونية ودعاوى قضائية تضر جميع الأطراف.

تتسم معظم برامج المقالب الرمضانية باستخدام الحيل المبالغ فيها والابتذال والإفراط في استخدام الحيل التافهة والمكشوفة، وهذا يجعلها تفقد مصداقيتها في أعين الكثيرين. فبدلاً من أن تكون جزءاً من تجربة ممتعة ومفيدة، تتحول هذه البرامج إلى مجرد سلسلة من المواقف المفتعلة التي تستهدف خلق لحظات كوميدية على حساب الآخرين. بالإضافة إلى أن هذه البرامج غالباً ما تكون اجتراراً مستمراً مما يقلل من تأثيرها ويجعل المشاهدين يشعرون بأنها مجرد تمثيلية متكررة.

من الجوانب السلبية الأخرى لهذه البرامج هو غياب المحتوى المفيد في شهر رمضان نهائياً، وبعدها عن أي نوع من العائد الثقافي أو الاجتماعي للمتلقي لتقتصر هذه البرامج على الترفيه السطحي الذي قد يؤثر سلباً على عقول المشاهدين من المراهقين والصغار، كما يمكن أن تؤدي برامج المقالب إلى تشويه الصورة العامة للأشخاص الذين يتعرضون للمقالب، خصوصاً إذا كانت تحتوي على مواقف مهينة أو مؤذية. ومع تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، تصبح هذه اللحظات أكثر تداولاً، مما يضر بسمعة الشخص المعني. بدلاً من تقدير الإنجازات أو المساهمات الإيجابية للأفراد، تصبح هذه اللحظات المفبركة أكثر انتشاراً، مما يساهم في انتشار ثقافة المهانة والسخرية.

على الرغم من أن برامج المقالب الرمضانية قد تكون جاذبة للعديد من المشاهدين، إلا أنها في كثير من الأحيان تفتقر إلى القيمة الحقيقية التي تتناسب مع روح رمضان وروحانيته وامتيازاته المتفردة عن باقي الأشهر، وبدلاً من تقديم محتوى هزلي فارغ، كان من الأفضل أن تستثمر هذه البرامج في تقديم مفاهيم أكثر عمقاً تساهم في تعليم الناس قيمة التعاون والاحترام المتبادل ونشر ثقافة التكافل الاجتماعي وأعمال الخير والتطوع كما يحدث في بعض البرامج النابضة بالإنسانية التي تسلط الضوء على المبادئ الأخلاقية في مجتمعنا والتدخل لإحقاق الحق أو الدفاع عنه.

في تقديري أنه قد حان الوقت للتفكير في كيفية تغيير هذا الاتجاه وتقديم محتوى يعكس روح رمضان الحقيقية: شهر التأمل، التحسين الذاتي، والمشاركة المجتمعية، بدلاً من الانكفاء على التكرار الممل واجترار المقالب السطحية التي تدمر العلاقات وتشوه المبادئ وتخلق بيئة من التفاهة على حساب إنسانيتنا وأخلاقنا وعقول جيل بأكمله!

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق