أندي هوم*
حددت المفوضية الأوروبية 47 مشروعاً استراتيجياً تأمل أن تُنعش من خلالها قطاع المعادن الحيوي في المنطقة وتُقلل اعتماده على الواردات، وخاصةً من الصين.
لكن حتى في الوقت الذي يعمل فيه صانعو السياسات الأوروبيون على بناء قاعدة صناعية مستقبلية، يواجهون أزمة في قطاع المعادن الحالي في المنطقة. حيث أدت الطاقة الإنتاجية الفائضة في الصين وارتفاع أسعار الطاقة إلى تسريع التراجع الطويل الأمد في إنتاج الصلب والألمنيوم الأوروبي.
ومع ذلك، يأتي التهديد الأحدث من الولايات المتحدة. فرسوم الرئيس دونالد ترامب الجمركية، وخاصةً زيادتها على واردات الألمنيوم، تُنذر بتدفق هائل للمعادن إلى أوروبا. لكن استجابة أوروبا تتجه نحو الحمائية بنفس القدر، ما يُنذر بمزيد من التفكك في أنماط التجارة العالمية.
وتركز قائمة المشاريع الاستراتيجية الأوروبية بشكل كبير على مدخلات البطاريات مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل والجرافيت، وتشمل أيضاً عناصر أكثر تعقيداً مثل الغاليوم والجرمانيوم والتنغستن. وتضم القائمة 14 معدناً من أصل 17 مدرجة في قائمة المعادن الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي. وتمتد المشاريع في 13 دولة عضواً على طول سلسلة التوريد، من التعدين إلى المعالجة إلى إعادة التدوير وحتى استبدال المواد.
ومن المتوقع أن تُمكّن هذه المشاريع الكتلة من الوفاء الكامل بمعايير الإنتاج المحلي لعام 2030 لليثيوم والكوبالت، وتحقيق تقدم ملموس في مواد البطاريات الأخرى مثل النيكل والمنغنيز والجرافيت. وفي حالة الغاليوم، المستخدم في أشباه الموصلات والخاضع حالياً لقيود التصدير الصينية، سيغطي مشروع ميتلين في اليونان احتياجات المنطقة بحلول عام 2028.
وتتناقض طموحات أوروبا الجريئة في مجال معادن الطاقة الجديدة بشكل صارخ مع المشاكل الجسيمة التي تواجه قطاعات إنتاج المعادن التقليدية. فقد انخفض إنتاج الاتحاد الأوروبي من الصلب من 160 مليون طن متري في عام 2017 إلى 126 مليون طن متري في عام 2023. وذكرت المفوضية أن استغلال الطاقة الإنتاجية الحالية للصلب، والبالغ نحو 65%، غير مستدام. كما فقدت المنطقة جزءاً كبيراً من قدرتها الإنتاجية الأولية للألمنيوم إلى الأبد، ونحو نصف ما تبقى منها معطل منذ عام 2011.
وتحدد خطة عمل المفوضية الأوروبية ارتفاع تكاليف الطاقة كمشكلة جوهرية لقاعدة المعادن الصناعية فيها. إذ ارتفعت أسعار الطاقة بشكل حاد في عام 2022 بعد الحرب الروسية الأوكرانية، ورغم انخفاضها منذ ذلك الحين، إلا أنها لا تزال أعلى من مستوياتها التاريخية، وتفوق بكثير مثيلاتها في الولايات المتحدة. ولأجل ذلك، اقتُرحت مجموعة من الحلول، بدءاً من تسهيل إبرام عقود توريد طاقة طويلة الأجل، وصولاً إلى تحسين كفاءة الشبكة، وتسريع إصدار التصاريح اللازمة لبناء المزيد من سعة شبكات الطاقة المتجددة.
في غضون ذلك، أدى خطر وصول المعادن المنقولة من الولايات المتحدة إلى أوروبا إلى التركيز على كيفية منع المزيد من الانكماش في قطاعي الصلب والمعادن في القارة. ووفقاً لنائب الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية، ستيفان سيغورن، قد تُفرض حصص أكثر صرامة على استيراد الصلب في الشهر المقبل.
ويجري حالياً دراسة قاعدة «الصهر والصب»، التي تسمح للمفوضية باتخاذ إجراءات ضد المنتج الأصلي للمعدن بدلاً من مُحوّل طرف ثالث. كما يجري تسريع خطط فرض قيود على استيراد الألمنيوم، حيث تجمع المفوضية الأدلة ذات الصلة استعداداً لنوع من التدابير الوقائية. ويُعتبر هذا سباقاً مع الزمن بالنسبة للكثير من المُشغلين المُتعثرين.
وعلى الرغم من أن التعريفات الجمركية الأمريكية البالغة 25% على واردات الألمنيوم قد قُدّمت على أنها «بدون استثناءات»، إلا أنها لا تُطبّق على نقل الخردة. وكانت صادرات خردة الألمنيوم من الاتحاد الأوروبي في طريقها بالفعل إلى تحقيق رقم قياسي بلغ 1.3 مليون طن العام الماضي. ومن المرجح أن ينمو الرقم هذا العام مع توجه المزيد من المواد إلى الولايات المتحدة، حيث يمكن للمعالجين إعادة صهرها وتحويلها إلى منتجات ألمنيوم والاستفادة من علاوة التعريفة الجمركية.
وبالمثل، تشعر شركات إعادة تدوير النحاس الأوروبية بالقلق من أن تهديد التعريفات الجمركية الأمريكية على المعدن الأصفر يجذب بالفعل المزيد من الكميات إلى الولايات المتحدة، إلى جانب المعدن المكرر.
بدورها، تتعهد المفوضية باقتراح تدابير تجارية مناسبة بحلول الربع الثالث من العام لضمان بقاء المزيد من الخردة في الاتحاد الأوروبي. وسيشمل ذلك تدابير متبادلة على كلٍّ من الدول التي تفرض تعريفات جمركية على المعادن، وتلك التي تمنع حالياً تصدير الخردة. في وقت لم تتأثر فيه تجارة الخردة العالمية حتى الآن إلى حد كبير بالأوضاع الجيوسياسية، ولكن يبدو أن هذا الوضع على وشك التغير.
يحاول الاتحاد الأوروبي اللحاق بركب الولايات المتحدة فيما يتعلق بالاستثمار في الطاقة الإنتاجية للمعادن الحيوية. لكن هذا التكتل المكون من 27 دولة لا يمتلك ما يعادل الصلاحيات الرئاسية التي استخدمتها كلٌّ من إدارتي جو بايدن وترامب.
ويُظهر الجمع بين المشاريع الاستراتيجية وخطة عمل المعادن أن المفوضية الأوروبية قد أدركت أهمية بناء المستقبل وحماية ما لديها بالفعل. ولكن كما سارعت الشركات وجماعات الضغط إلى التصريحات، فإن الأقوال يجب أن تتبعها أفعال، فالاستراتيجية وحدها لن تُبقي العمليات مستمرة.
كاتب متخصص في أسواق المعادن الصناعية «رويترز»
0 تعليق