سلطنة عُمان تواصل جهودها للحفاظ على المال العام والتصدي لكافة أنواع الفساد

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تعاون مجتمعي ومؤسسي لتعزيز الوعي بمخاطر الهدر المالي

تواصل سلطنة عُمان جهودها للتصدي لكافة أوجه الفساد، ومن بينها هدر المال العام والمساس به، وذلك من خلال تبني عدة مسارات من بينها نشر ثقافة الوعي بأهمية الحفاظ على المال العام، والتوعية من أجل الحفاظ عليه والإسهام في التعاون مع الجهات المعنية من أجل توحيد الجهود والتصدي لكل من يحاول المساس بالمال العام باعتباره ثروة وطنية ملكًا للجميع، والمساس أو الاعتداء عليها يجرمه القانون ويعاقب عليه.

وأكد مختصون أن عقد الندوات والمحاضرات والملتقيات التي من شأنها نشر الوعي بين أفراد المجتمع، لتعزيز الثقافة المجتمعية المتعلقة بالحفاظ على المال العام، وتوعية الموظفين وأفراد المجتمع بأهمية الحفاظ على المال العام والبعد عن كل شبهة قد تؤدي إلى مساءلات قانونية أثبتت جدواها، وتلاقي حضورًا كبيرًا من قبل الشباب والموظفين ومختلف شرائح المجتمع.

وتعكس الفعاليات والندوات والملتقيات التي تقام في مختلف ولايات سلطنة عُمان، وتنظمها عدة جهات مدى التزام سلطنة عُمان بمكافحة الفساد والحفاظ على المال العام.

مشاركة فاعلة

وقال سعادة الدكتور حمد بن سعيد بن عبدالله المعمري والي مطرح، بعد تنظيم ملتقى مطرح الإثرائي الذي تناول الثقافة المالية بشقيها الاجتماعي والقانوني والحفاظ على المال العام من منطلق مسؤولية الفرد والمجتمع والمؤسسات عن النزاهة والشفافية: الملتقيات تثري الجانب المعرفي والقانوني لدى الجميع، وبالأخص الموظف العام الذي يتعامل مع الجوانب والإجراءات المالية، ففي أحيان كثيرة تقع من الموظف العام بعض التصرفات بشكل غير مقصود، لكنها تُعد مخالفة للقانون، رغم حدوثها أو وقوعها نتيجة الجهل بالقانون، لذا فإن تبصير المجتمع والناس وبالأخص الموظف العام يعد من الأهمية بمكان، خصوصًا بالثقافة المالية.

وأوضح سعادته أن ملتقى مطرح الإثرائي في نسخته الثالثة لهذا العام، ركز على الثقافة المالية في شقها القانوني، والمتمثل في حماية القانون للمال العام، والجانب الاجتماعي من خلال تعزيز قيمة الادخار كثقافة اجتماعية، وإدارة الموارد المالية بذكاء نحو استدامة مالية سواء في المدارس أو المؤسسات التعليمية الأخرى أو حتى على مستوى الأفراد.

وأكد المعمري أن المشاركة الفاعلة من الشباب في الملتقيات دليل على اهتمامهم بالمال العام، والتعرف على الكيفية التي يمكن الإسهام بها لوقف هدر المال العام والمساس به، باعتباره ملكًا للجميع، وليس لأحد الحق في التصرف فيه أو المساس به.

وقال المعمري: إن أهمية الحفاظ على المال العام تكمن في تحقيق قيمة النزاهة الوظيفية، وذلك بإبعاد الموظف العام عن كافة صور الفساد المالي والإداري، وذلك عن رضا وقناعة، وصونًا لنفسه، وحفاظًا على كرامة وسمعة أسرته من أذى المجتمع، وحفاظًا على حقوق الوظيفة العامة كذلك وواجباتها.

وأشار إلى أن هناك ارتباطًا كبيرًا بين الأمن الاجتماعي والأمن المالي، فكلاهما مؤثر في الآخر تأثيرًا مباشرًا، فأي خلل في منظومة الأمن المالي يخدش الأمن الاجتماعي سلبًا ويؤدي إلى نتائج وخيمة على المجتمع، لأن غياب النزاهة والشفافية، والتعدي على المال العام، يقوض الأمن الاجتماعي في صور عديدة، لعل أبرزها يكون في تراجع الدولة والمجتمع في معدلات الإبداع والتطور، وتراخي الهمم، وتراجع الإنتاجية في العمل، فتغيب التنمية، أو تتراجع معدلاتها، وتقل ثقة المجتمع، والأفراد في مؤسسات الدولة، كما تنهار معها مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.

وأكد سعادة الدكتور حمد بن سعيد بن عبدالله المعمري والي مطرح أن الحكومة تبذل جهودًا كبيرة في هذا الشأن من خلال القوانين والتشريعات المنظمة لذلك، كقانون الرقابة المالية والإدارية للدولة، وغيره من القوانين الأخرى المتعلقة بالحفاظ على المال العام، فضلًا عن وجود جهاز قضائي نزيه وفاعل، يقف بالمرصاد لمعاقبة المتجاوزين والمخالفين للمال العام.

وأوضح أن الندوات والمحاضرات والملتقيات كثيرًا ما تسلط الضوء على أهمية الحفاظ على المال العام، كما هو الحال لملتقى مطرح الإثرائي الثالث الذي ركز على الشراكة المجتمعية والمؤسسية، في تعزيز النزاهة سواء من خلال الدور الذي يقوم به الأفراد أو الأسرة أو المجتمع أو مؤسسات الدولة، التي تعمل باستمرار، على تبني المؤسسات العاملة للعمل وتعزيز التعاون بين موظفي المؤسسة، فضلًا عن تبني الأنظمة الملائمة في تقييم الموظف العام، وتنمية مهاراته وكفايته المهنية حتى يتمكن من أداء الدور المنوط به، وتجنب أية مخالفات مالية أو إدارية تتعلق بعمله من المحتمل أن يقع فيها.

خطوات جادة

من جانبها أكدت أبرار بنت ناصر الحضرمية باحثة اجتماعية في القضايا المجتمعية أن الحفاظ على المال العام يُعد صفة جليلة تجمع بين الأمانة والمراقبة، وهي من أجلّ القيم الوظيفية التي يجب أن يتحلى بها الفرد امتثالًا لقول الحق سبحانه: «يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون» (الأنفال: 27)، وهي مسؤولية جماعية تتطلب الحفاظ عليه وإدارته بكفاءة لضمان تحقيق التنمية المستدامة ومصلحة الجميع.

وقالت الحضرمية: إن سلطنة عُمان حرصت وبتوجيه مستمر من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه - على مشاركة المجتمع المحلي والمجتمع الدولي الاهتمام بمحاربة الفساد، وتعزيز قيم النزاهة والعدالة وحفظ المال العام؛ لما له من أهمية في تعزيز استقرار الدولة وتنمية مؤسساتها وأفرادها، حيث يسهم المال العام في تمويل المشاريع القومية والبنية الأساسية وتطوير القطاعات الإنتاجية، مما يعزز التنمية الاقتصادية ويضمن تقديم الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والأمن، وبالتالي يرفع من جودة حياة المواطنين، كما يُعد عنصرًا أساسيًا في تمويل الأنشطة الحكومية ودعم الابتكار والبحوث وتحقيق الشفافية والمساءلة بما يخدم المصلحة العامة.

وأشارت الباحثة إلى أن سلطنة عُمان اتخذت خطوات جادة وواضحة في التوعية بأهمية الحفاظ على المال العام ومكافحة الفساد، بدءًا بوضع الأساس التشريعي الذي يتمثل في القوانين التي تنظم العمليات المالية وتجرّم أفعال الفساد بكل أشكالها، مرورًا بإنشاء الجهات المختصة كجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة الذي يُعنى برصد التجاوزات والعمل على تحسين كفاءة الإدارة المالية والمحاسبة عليها، ووصولًا إلى إطلاق العديد من الحملات التي تستهدف تعزيز النزاهة، بالتعاون مع مختلف المؤسسات التعليمية والإعلامية لنشر الوعي، على سبيل المثال، البرامج التلفزيونية الموجهة والمبادرات الوطنية التي تشجع المجتمع على التعاون مع الجهات الحكومية لرصد أي مخالفات، هذا ما يجعلها نموذجًا يمكن الافتخار به.

وأوضحت أن الحفاظ على المال العام يتطلب الاهتمام الكبير والواسع من خلال تنظيم العديد من الحملات والندوات التي تُعد وسيلة فعّالة لتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على المال العام، فهي تسهم في نشر ثقافة المسؤولية الجماعية وتوضيح آثار الهدر والفساد على التنمية الوطنية، كما وتشكل الندوات التي تُنظم في المؤسسات التعليمية المختلفة وسيلة فعّالة لإيصال الرسائل التوعوية بأسلوب مقنع للشباب باعتبارهم عماد المستقبل.

وأوضحت أبرار الحضرميّة أن الجهود التي تُبذل تتطلب التعاون بين المؤسسات الحكومية المختلفة، لا سيما المؤسسات الإعلامية والتعليمية والرقابية، وبين مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، الذي يمكن أن يسهم بشكل كبير في تنظيم حملات وطنية ناجحة قادرة على تحقيق أهدافها في تعزيز النزاهة والحفاظ على المال العام، ويتطلب ذلك وضع خطط واضحة وتنفيذ مبادرات مستدامة تعمل على توعية الأفراد بمسؤولياتهم تجاه المال العام، مع التركيز على دور الشباب في حماية مكتسبات هذا الوطن.

وأكدت أن من أهم ما يجب التركيز عليه في حملات التوعية الخاصة بالحفاظ على المال العام، هو دور الأجهزة الرقابية في مكافحة الفساد بكافة أشكاله، وتوجيه رسائل واضحة حول خطورة الفساد على الاقتصاد الوطني والتنمية الاجتماعية، وتحقيق الوعي بالقوانين والإجراءات ذات الصلة بالمال العام والوظيفة العامة، وتحفيز المواطنين للإبلاغ عن أي سلوكيات تُخل بالنزاهة، كما يُعد تعزيز قيم الشفافية والمسؤولية الفردية مكونًا رئيسيًا يجب العمل عليه من خلال حلقات العمل والمناقشات المفتوحة، بالإضافة إلى ضرورة تسليط الضوء على قصص نجاح واضحة حيث تمت محاسبة المتجاوزين وإعادة الأموال العامة إلى مكانها الصحيح، كما يجب أن تتضمن رسائل تعزز من الدافعية الذاتية لدى الأفراد لتبني الممارسات المناسبة حيال المال العام.

وفي ختام حديثها بينت أبرار الحضرميّة الباحثة في الشأن الاجتماعي أن الاستثمار في التوعية يُعد حجر الأساس لتطوير ثقافة وطنية تحترم المال العام وتحافظ عليه كحق مشترك بين الجميع، والذي لا يأتي إلا بتضافر الجهود بين جميع قطاعات المجتمع لضمان بيئة مؤسسية واقتصادية واجتماعية عادلة تخدم مصالح الجميع وتُحقق رؤية تنموية مستدامة.

تعزيز الوعي

من جانبه قال الدكتور مبارك بن خلفان الرحبي مدير دائرة الرقابة على الشؤون الاقتصادية بجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة: الملتقيات تلامس هموم الشباب وقريبة منهم، وتُحقق نجاحات مؤثرة لتعزيز الوعي لديهم، موضحًا أن الملتقيات تستمد قوتها من المواضيع التي تطرحها وملامستها للواقع وضمن اهتمام المجتمع، بالإضافة أنها مواضيع حديث الساحة في هذا الوقت، ومن هنا ينجذب إليها الشباب وتكون الرغبة لحضورها أكثر.

وبيّن الرحبي أن الشخص مسؤول عن المال الذي بين يديه، كما هو مسؤول عن المال العام، ولكون المال العام أيضًا مالًا مشتركًا بين جميع ذوي الحقوق فيه، فيجب توعية الجميع بأهمية الحفاظ عليه من الصغير إلى الكبير، ومن المسؤول الأعلى إلى الأقل منه، مؤكدًا أنه كلما زاد الحفاظ على المال العام وتعززت النزاهة لدى القائمين عليه، زاد الشعور بالأمان والرضا من أفراد المجتمع، لكون هذا المال يؤثر على الخدمات المقدمة، ويؤثر على المسؤولية والشفافية والمساواة في المجتمع.

وأشار مدير دائرة الرقابة على الشؤون الاقتصادية بجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة إلى أن مؤسسات الدولة تقوم بتشريع القوانين والنظم التي تنظم وتحافظ على المال العام، وحوكمة الإجراءات المنظمة للتصرف بالمال العام عن طريق الصلاحيات المحددة للجهات، بالإضافة إلى الرقابة من جهات الاختصاص على تنفيذ هذه القوانين وأعمالها بالشكل السليم، ويأتي دور أفراد المجتمع بتحمل المسؤولية والالتزام بالقوانين والأنظمة والمساهمة الفاعلة مع المؤسسات الرقابية بإبلاغ الجهات المسؤولة عن أي تجاوزات مالية أو إدارية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق