العصيان المدني: عندما تصبح المعارضة عبئا على الوطن

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

في ظل تصاعد الأحداث في غزة، ووسط مشهد إقليمي وعالمي ملتهب، خرجت بعض الأصوات المعارضة في الأردن تدعو إلى “عصيان مدني” نصرةً لغزة المحاصرة التي لا يشك أحد أنها قضية عادلة، والتي تنزف تحت وطأة الحرب والعدوان الإسرائيلي، ولكن السؤال الأول المتبادر إلى الذهن: هل يمكن أن نخدم قضية عادلة بوسيلة خاطئة؟ وهل يعقل أن ترهق الدولة الأردنية اقتصادياً وسياسياً بحجة التضامن؟ وهل يجب أن نضعف عمان من أجل أن ننصر غزة؟.اضافة اعلان
لقد باتت الشعارات في عالمنا العربي تسبق الحسابات، وبات صدح الحناجر أعلى من صوت العقول، لكن دعونا نفكر، لا نهتف فقط، لنضع العاطفة جانباً، ونستحضر الوعي.
الأردن ليس دولة نفطية، ولا قوة اقتصادية كبرى، إنما هو وطن يقوم على التماسك الاجتماعي، والاستقرار السياسي، والولاء والانتماء لهذه الدولة، وأن أي زلزال في هذه المعادلة يؤثر مباشرة على لقمة عيش الفقير قبل الغني، وأن أي تحريض على " عصيان مدني" هو بمثابة تعطيل للدورة الاقتصادية التي تعاني أصلاً نتيجة الأحداث التي تمر بها المنطقة والعالم، مما يؤثر حتماً على قدرة الدولة على أداء التزاماتها اتجاه المواطن الأردني، أو أداء دورها على المستوى الإقليمي في دعم القضية الفلسطينية.
والدعوة إلى "عصيان المدني " ليس مزحة، إنه قرار حاد له تداعياته الخطيرة على الدولة وعلى المجتمع، وحين يستخدم بلا وعي سياقي يغدو انتحاراً جماعياً، وحتى بمفهومه الكلاسيكي له حسابات دقيقة، وأرضية صلبة لا تشبه الحالة الأردنية بأي شكل من الأشكال، فتجاهل كل هذه المعطيات والدخول في هذا النفق هو حالة لا مسؤولة تمارسها المعارضة بلا وعي.
أن نقف مع غزة هذا شرف، ويدرك الجميع أن الأردن شعباً وقيادة كان وما يزال يقدم الدعم اللوجستي والإنساني للقضية الفلسطينية من خلال حمايته للمقدسات في القدس، ودفاعه المستمر في المحافل الدولية عن حق الفلسطينين في إقامة دولتهم  المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وتقديم المساعدات الإنسانية لأهلنا في غزة، لكن أن تسحب السجادة من تحت أقدام الأردني الذي بالكاد يوفر لقمة العيش لأبنائه، فهذا جرم لا يغتفر، وأن تربك الاقتصاد الوطني الذي يمر بأزمات متتالية، ولو ليوم واحد، والذي يمثل شريان الحياة للمجتمع الأردني، فهذا أشبه بإطلاق النارعلى القلب لإنقاذ اليد.
المعارضة في الأصل هي صوت الضمير في أي نظام ديمقراطي، ووظيفتها في أي دولة هو التوازن والنقد البناء، والدفع نحو إصلاحات جوهرية دون المساس بوحدة الدولة وقوتها وأمنها، أما حين تتحول المعارضة إلى منصة لتمزيق الجبهة الداخلية، وتراهن على إنهاك اقتصاد بلدها في زمن الأزمات تصبح عبئاً لا ضميراً.
والأسوأ أن بعض الذين يروجون " للعصيان المدني" لا يملكون تصوراً بديلاً ولا رؤية واضحة لما بعد العصيان، وكأن المقصود هو مجرد التعبير، حتى لو كان الثمن فوضى اقتصادية واجتماعية يتحملها المواطن البسيط قبل غيره.
ثمة علاقة عجيبة في ذهن بعض المعارضين بين خراب البلدان وانتصار القضايا، وكأن الانتصار للقضية الفلسطينية لا يتم إلا إذا عمت الفوضى في القاهرة وعمان والرياض وبغداد، هذه الفلسفة التدميرية التخريبية لا تحرر أرضاً ولا تحفظ عرضاً، ولن تجعل إسرائيل تراجع جرائمها، أو أن المجتمع الدولي سيصحو فجأة على صوت الشارع الأردني.
الحكمة الحقيقية اليوم أن نحمي الوطن من أجل أن نبقي الباب موارباً لنصرة المظلومين، وأن نؤمن لقمة العيش لأبنائنا حتى نستطيع أن ندفع مثلها لإخواننا المحاصرين في غزة، وأن نحافظ على استقرارنا كي نشكل قوة ضغط حقيقية على المحتلين.
ما نراه اليوم من بعض التصرفات ليست معارضة مسؤولة، بل هو جر الدولة إلى الفوضى، وإدخالها في أزمات متتالية لا تقدم ولا تؤخر شيئاً للقضية الفلسطينية، وهي أشبه بالطبيب الذي يصف الموت علاجاً للرأس، فلا أحد يزاود على حب الأردنيين لفلسطين، لكن هذا الحب لا يقاس بالضجيج والشعارات، بل بالاتزان والحنكة السياسية، وإذا كنا نريد أن نبقى عوناً لغزة فعلينا أولاً أن نحافظ على لحمتنا الوطنية، ونحمي بيتنا الأردني من التصدع.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق