هل يبالغ المستثمرون في تقدير مخاطر الأسواق الصاعدة؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

فيديريكو غاليزيا وسوزان لوند* 

بعثت مجموعة العشرين رسالة قوية مفادها ضرورة أن تكون بنوك التنمية متعددة الأطراف "أفضل وأكبر وأكثر فاعلية". وهذا هو العنوان الرئيسي لخطة الإصلاح التي اعتمدتها مجموعة العشرين في تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، التي لا تحدد المسار المستقبلي فحسب، بل كيف السبيل إليه من خلال خريطة طريق مفصلة تتضمن 13 توصية و44 إجراء.اضافة اعلان
ويتمثل جزء رئيسي من هذه الإرشادات في أن تقوم بنوك التنمية متعددة الأطراف بتعبئة وجذب المزيد من رأس المال الخاص من أجل التنمية، إلى جانب الجهود الرامية إلى توفير المزيد من التمويل من خلال جهود الرفع المالي استناداً إلى مراكزها المالية القوية، وهو هدف تتحرك مجموعة البنك الدولي وبنوك التنمية متعددة الأطراف الأخرى بسرعة لتحقيقه، مع وجود مستهدفات طموحة قريبة الأجل تلوح في الأفق. ويشمل ذلك تعبئة 65 مليار دولار لأنشطة التمويل المناخي في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بحلول العام 2030. كما يؤدي القطاع الخاص دوراً محورياً في تحقيق هدف مجموعة البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية المتمثل في توفير الكهرباء لما لا يقل عن 300 مليون شخص في أفريقيا بحلول العام 2030.
وحتى يتسنى تحقيق هذه المستهدفات، يجب أن يكون لدينا رؤية واضحة بشأن العقبات التي تعوق تدفق رأس المال الخاص إلى الأسواق الصاعدة. ويشمل ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، المخاطر.
ليس هناك من شك في أن الاستثمار في الأسواق الصاعدة ينطوي على مخاطر، بدءاً من انخفاض قيمة العملة وعدم اليقين بشأن اللوائح التنظيمية وصولاً إلى صعوبات إنفاذ العقود. ولكن إجمالاً، ما مدى المخاطر التي تواجه هذه الاستثمارات؟ الإجابة عن هذا السؤال أصبحت موضع تركيز كبيرا بفضل الاتحاد العالمي لقواعد بيانات مخاطر الأسواق الصاعدة، وهو مبادرة تضم 26 من بنوك التنمية متعددة الأطراف ومؤسسات التمويل الإنمائي. ويقوم الاتحاد بجمع بيانات عن التخلف عن السداد ومعدلات استرداد الديون لنحو 18 ألف مشروع إنمائي، بإجمالي يزيد على نصف تريليون دولار، في الفترة من العام 1994 إلى العام 2023. والاتحاد العالمي لقواعد بيانات مخاطر الأسواق الصاعدة هو أكبر قاعدة بيانات عن مخاطر الائتمان في الأسواق الصاعدة، والغرض منه هو حفز الاستثمار في البلدان النامية من خلال مساعدة المستثمرين على تقييم المخاطر على نحو أفضل.
ويدحض تحليل بيانات الاتحاد العالمي لقواعد بيانات مخاطر الأسواق الصاعدة  الذي قامت به مؤسسة التمويل الدولية؛ ذراع مجموعة البنك الدولي المعني بالتعامل مع القطاع، التصور السائد بأن الأسواق الصاعدة هي بيئات عالية المخاطر.
فإذا أخذنا، على سبيل المثال، متوسط معدل التخلف عن السداد، البالغ 3.6 %، سنجد أداء القروض المقدمة لشركات القطاع الخاص وفق بيانات محافظ الاستثمار والمشاريع للاتحاد العالمي لقواعد بيانات مخاطر الأسواق الصاعدة مماثلاً لأداء الكثير من الشركات ذات التصنيف غير الاستثماري في الاقتصادات المتقدمة. فعلى سبيل المثال، سجلت الشركات العالمية المصنفة B من جانب مؤسسة ستاندرد آند بورز، وتلك التي تصنفها مؤسسة موديز B3 معدلات تخلف عن السداد بلغت 3.3 % و4 % على التوالي.
والأهم من ذلك أننا نجد معامل ارتباط منخفضا بين معدلات التخلف عن السداد في الأسواق الصاعدة العالمية وفق بيانات محافظ الاستثمار والمشاريع للاتحاد العالمي لقواعد بيانات مخاطر الأسواق الصاعدة بالنسبة للشركات الاستثمارية العالمية، ومعدلات التخلف عن السداد على مستوى العالم للشركات ذات تصنيفات المخاطر المماثلة. وخلال الفترات الست الرئيسة التي شهدت ضغوطاً اقتصادية عالمية على مدى العقود الثلاثة الماضية، لم ترتفع معدلات التخلف عن سداد الديون في الشركات العاملة في الأسواق الصاعدة بالقدر نفسه الذي ارتفعت به معدلات التخلف عن السداد بالنسبة للشركات ذات التصنيف المماثل في الاقتصادات المتقدمة. ففي أثناء الأزمة المالية العالمية في العام 2008، على سبيل المثال، كانت معدلات التخلف عن السداد في الشركات العاملة في الأسواق الصاعدة أقل من مثيلاتها في الاقتصادات المتقدمة. وبعبارة أخرى، نجد الشركات الاستثمارية والمستثمرين في الاقتصادات المتقدمة الذين أدرجوا الأسواق الصاعدة في محافظهم الاستثمارية حققوا منافع من تنويع النشاط الاقتصادي عندما كانت هناك حاجة ماسة إلى ذلك.
ومن بين أهم النتائج الدامغة المستخلصة من بيانات الاتحاد العالمي لقواعد بيانات مخاطر الأسواق الصاعدة؛ عدم الارتباط بين تصنيف المخاطر السيادية لبلد ما وأداء الشركات العاملة في هذا البلد فيما يخص التخلف عن سداد القروض والديون. ولطالما كانت التصنيفات السيادية عاملا مهما في كيفية تقييم المستثمرين لمخاطر إقراض القطاع الخاص واستثماراته في بلد ما. ومع ذلك، تظهر إحصاءات الاتحاد العالمي لقواعد بيانات مخاطر الأسواق الصاعدة أن الاعتماد المفرط على التصنيفات الائتمانية السيادية قد يؤدي بالمستثمرين إلى إساءة تقدير المخاطر التي تواجه الشركات في الأسواق الصاعدة.
ففي البلدان الأقل دخلاً، على سبيل المثال، بلغ متوسط معدل التخلف عن السداد بالنسبة للمقترضين من القطاع الخاص 6 %؛ أي أقل من نصف معدل التخلف عن السداد المتوقع بناء على التصنيفات الائتمانية السيادية ذات الصلة (14 %). ويقل التباين بين معدلات التخلف عن السداد في القطاع الخاص والمعدلات التي تستند إلى التصنيفات السيادية بدرجة كبيرة مع ارتفاع مستويات دخل البلد المعني. وبالمثل، تتقلص الفجوة عند النظر بعين الاعتبار إلى البلدان ذات التصنيفات السيادية الأفضل.
ولكن، ماذا يحدث عندما يحدث التخلف عن السداد؟ تظهر إحصاءات الاتحاد العالمي لقواعد بيانات مخاطر الأسواق الصاعدة أن هذه الأصول (الشركات) تتمتع أيضا بمعدلات استرداد أعلى من المتوقع. وفي المتوسط، يحقق المستثمرون معدلات استرداد لاستثماراتهم وفق بيانات قروض اتحاد قواعد بيانات الأسواق الصاعدة في الشركات المماثلة من القطاع الخاصة بنسبة 72 % بعد التخلف عن السداد، وهذا الأداء أعلى من أداء قروض موديز العالمية البالغ 70 %، والسندات العالمية لوكالة موديز بنسبة 59 %، وسندات الأسواق الصاعدة الصادرة عن بنك جي بي مورغان بنسبة 38 %. وتشير معدلات الاسترداد المرتفعة إلى أنه حتى عند حدوث التخلف عن السداد، فإن المستثمرين في الشركات العاملة في الأسواق الصاعدة يحققون أيضاً بعض المكاسب. ويمكن لبنوك التنمية متعددة الأطراف، التي تستثمر بصورة كبيرة في الخبرات المحلية وفي الموظفين القطريين، أن تؤدي دوراً محورياً في إظهار جدوى المشاريع في الأسواق التي لم تشهد تاريخيا تدفقات كبيرة من الاستثمار الأجنبي المباشر.
كما يمكنها تقديم خدمات استشارية للشركات لتحسين إدارتها المالية وحوكمتها، فضلا عن هيكلة المشاريع وتمويلها والإشراف على تنفيذها طوال مدة أجل القرض. وتساعد هذه الإجراءات على التخفيف من مخاطر المشاريع ومخاطر المقترضين، وتسهم في خفض حالات التخلف عن السداد ورفع معدلات الاسترداد. وما يبعث على التفاؤل بالنسبة للمستثمرين العالميين هو أن مؤسسة التمويل الدولية وغيرها من مؤسسات التمويل الإنمائي تتطلع إلى التوسع سريعاً في تعبئة رأس المال الخاص، وتعمل على إيجاد أدوات جديدة  للقيام بذلك.
والشواهد واضحة جلية. ومن خلال دمج الأسواق الصاعدة في محافظ الاستثمار العالمية، لن يستفيد المستثمرون من التنويع فحسب، بل يمكنهم أيضا القيام بدور في دعم جهود التنمية طويلة الأجل في الاقتصادات الأشد احتياجاً. ويبشر هذا بالخير الكثير في المستقبل الذي سيتحقق بناءً على دعوة مجموعة العشرين إلى زيادة رأس المال الخاص من أجل التنمية، وقدرة بنوك التنمية متعددة الأطراف على الاستجابة لها.

* فيديريكو غاليزيا نائب رئيس مؤسسة التمويل الدولية لشؤون المخاطر والتمويل، سوزان لوند نائبة رئيس مؤسسة التمويل الدولية للشؤون الاقتصادية وتنمية القطاع الخاص

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق