تواجه ألمانيا، التي كانت تُعتبر في السابق قوةً صناعيةً رائدةً في الكفاءة والدقة، أزمةً كبيرةً الآن.. ذلك أن بنيتها التحتية تتهاوى حرفيًا. تنهار الجسور، وتتأخر القطارات باستمرار، والمدارس في حاجةٍ ماسةٍ إلى الإصلاح. يُعزى هذا الوضع المُقلق جزئيًا إلى عقودٍ من نقص الاستثمار المُزمن، حيث ركزت الحكومات السابقة على الحكمة المالية، خوفًا من الأثر الاقتصادي للديون. ومع ذلك، فإن الحكومة المنتظرة بقيادة فريدريش ميرز، المستشار المُحتمل لألمانيا، عازمةٌ على تغيير مسارها. فمن خلال تجاوز حدود الإنفاق الدستورية، وفّرت حكومة ميرز الائتلافية أموالًا طائلة لمعالجة البنية التحتية المتهالكة في البلاد. ولكن هل يُمكن لهذه الخطة الطموحة أن تُعيد ألمانيا إلى مسارها الصحيح، أم أنها قليلةٌ جدًا ومتأخرةٌ جدًا؟
من أجرأ الخطوات التي اتخذها ميرز إقناع المشرّعين برفع "كبح الديون" الدستوري، مما يسمح للحكومة باقتراض ٥٠٠ مليار يورو (حوالي ٥٥٦ مليار دولار أمريكي) على مدى السنوات الاثنتي عشرة المقبلة لإصلاح البنية التحتية المتداعية للبلاد. أثار هذا القرار جدلاً، حيث حذّر بعض الخبراء من أنه على الرغم من أهمية التمويل، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في توزيع هذه الموارد بكفاءة في المجالات المناسبة. سيُخصّص مبلغ كبير قدره ٢٠٠ مليار يورو للولايات وصندوق المناخ، بينما التزم الحزب الديمقراطي المسيحي وشركاؤه في الائتلاف الحاكم في الحزب الديمقراطي الاجتماعي بإنفاق حوالي ١٥٠ مليار يورو مباشرةً على مشاريع البنية التحتية قبل عام ٢٠٢٩.
تعهدت الحكومة بتسريع عمليات التخطيط والتصاريح وطرح المناقصات لهذه المشاريع. ومع ذلك، لا تزال تفاصيل كيفية تخصيص هذه الأموال غير واضحة. لكن المؤكد هو أن البنية التحتية ستكون على رأس الأولويات، حيث تأمل الحكومة الجديدة ألا تقتصر هذه الاستثمارات على توفير حافز اقتصادي فوري فحسب، بل تضمن أيضًا استقرارًا طويل الأمد للبلاد.
أزمة سلامة
من أكثر مشاكل البنية التحتية إلحاحًا في ألمانيا هي الطرق والجسور المتداعية. شُيّد العديد منها على عجل خلال فترة الازدهار الاقتصادي التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وهي الآن تعاني من علامات تآكل شديد. في سبتمبر ٢٠٢٥، انهار جسر رئيسي على النهر في دريسدن، مما سلّط الضوء على الحالة المزرية للبنية التحتية في البلاد. يُعدّ طريق AVUS السريع، الذي كان في السابق مسارًا سريعًا للسيارات، من بين أبطأ الطرق في ألمانيا بسبب تدهور حالة الجسور التي تعبره. في الواقع، أُغلق مؤخرًا جسر يربط برلين بهذا الطريق بعد أن اكتشف المهندسون صدعًا خطيرًا في هيكله، مما أدى إلى تأخيرات هائلة في حركة المسافرين.
أكدت الحكومة الجديدة أنها ستركز على إصلاح وتطوير البنية التحتية القائمة بدلًا من إنشاء طرق جديدة. ومن الأهداف الطموحة بشكل خاص إنشاء شركة مملوكة للحكومة الفيدرالية للإشراف على تشغيل وتوسيع شبكة الطرق السريعة، ومن المتوقع أن تُسهم رسوم المرور على الشاحنات في تعويض تكلفة هذه التحسينات. ولكن كما يُظهر انهيار الجسر وإغلاقه مؤخرًا، فإن عامل الوقت جوهري.
إحراج وطنى
عانت خدمة السكك الحديدية الوطنية الألمانية، ذات الشهرة العالمية، من التأخيرات، مما يُسلط الضوء بشكل أكبر على مشاكل البنية التحتية في البلاد. وبينما كان الالتزام بالمواعيد مصدر فخر، فقد تدهور الوضع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. ففي عام ٢٠٢٥، تأخرت ٣٧.٥٪ من قطارات المسافات الطويلة، مسجلةً أسوأ أداء لها منذ عقدين. وحتى في ظل التعريف الأكثر شمولًا لـ"الوصول في الموعد المحدد"، كانت الأرقام مُقلقة حيث يُعتبر القطار في الموعد المحدد إذا تأخر لمدة تصل إلى ست دقائق كحد أقصى.
وخصصت الحكومة بالفعل ١٧ مليار يورو لإعادة بناء خطوط السكك الحديدية القديمة، مع خطط لتحديث ٤٠٠٠ كيلومتر (٢٥٠٠ ميل) من أكثر ممرات السكك الحديدية استخدامًا بحلول عام ٢٠٣٠. ومع ذلك، تعهدت الإدارة الجديدة بتسريع هذه الجهود من خلال صندوق البنية التحتية. سينصبّ التركيز الرئيسي على رقمنة الإشارات والمفاتيح ودمج نظام أوروبي للتحكم في القطارات. تُعدّ هذه التحديثات أساسية لتحسين كفاءة وموثوقية شبكة السكك الحديدية.
تهديد للأجيال
لعلّ أكثر مظاهر أزمة البنية التحتية في ألمانيا إثارةً للقلق هو حالة مدارسها. فقد أصبحت النوافذ المتساقطة، وتسربات المراحيض، والأسقف المنهارة مشاهد شائعة في العديد من المؤسسات التعليمية في جميع أنحاء البلاد. في برلين، واجهت مدرسة ثانوية مؤخرًا ظروفًا خطيرة عندما تسببت رياح قوية في سقوط النوافذ من ارتفاع عدة طوابق في فناء المدرسة. في بعض الحالات، تُستخدم حواجز مؤقتة لحماية الطلاب عند دخولهم المباني.
0 تعليق