العربات المتنقلة والأساور الذكية .. مبادرات لرعاية كبار السن وذوي الإعاقة
دعم الضمان الاجتماعي .. أكثر من 150 حاجًا يستفيدون من مبادرة «أوقاف بيت الرباط»
تقليل زمن العبور إلى مخيم منى من أربع ساعات إلى 45 دقيقة فقط
اختُتمت مؤخرًا فعاليات معرض الحج والعمرة الأول فـي سلطنة عُمان، الذي استمر لمدة ثلاثة أيام فـي مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، ونظمته وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وجاء بهدف تطوير منظومة الحج والعمرة فـي سلطنة عُمان، وتعزيز التعاون بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة المحلية والدولية، وشارك فـيه أكثر من 30 جهة من مختلف القطاعات، بما فـي ذلك شركات الحج والعمرة ومؤسسات أخرى متخصصة فـي تقديم الخدمات للحجاج والمعتمرين.
كل هذه الجهود تمحورت حول الحاج، الذي يُمثل جوهر هذه المنظومة، فالإمكانيات تُسخّر لخدمته، والجهود تُحشد من أجله، والتعاون بين المؤسسات المحلية والدولية يهدف إلى توفـير تجربة حج آمنة ومريحة، وفـي هذا السياق، يأتي تنظيم المعرض كأكبر تجمع من نوعه، يضم أكثر من ثلاثين جهة من مقدمي خدمات الحج والعمرة، مما يعزز فرص التعاون والتكامل، ويعكس حجم الحراك والتطور الذي يشهده هذا القطاع الحيوي.
وفـي إطار الاستعداد لموسم حج 1446هـ، أطلقت الوزارة عددًا من المبادرات النوعية التي جسدت رؤيتها الاجتماعية والإنسانية، ومن بين هذه المبادرات «أوقاف بيت الرباط» التي تهدف إلى دعم الحجاج من فئة الضمان الاجتماعي، وتغطي أكثر من 150 حاجًا بمبلغ يفوق 150 ألف ريال عُماني، كما أطلقت الوزارة مبادرة «قياس جاهزية شركات الحج» لضمان تحقيق أعلى معايير الكفاءة والجودة فـي تقديم الخدمات، بما يتماشى مع متطلبات المرحلة القادمة.
النظام الإلكتروني لتسجيل الحجاج
تنبع رؤية وزارة الأوقاف والشؤون الدينية فـي إدارة قطاع الحج والعمرة من فلسفة إنسانية عميقة، تضع الإنسان فـي المقام الأول، وتتبنى غاية التيسير، وترفع شعار الإتقان، وقد انعكست هذه الرؤية بوضوح فـي الجهود المتواصلة لتطوير النظام الإلكتروني لتسجيل الحجاج، الذي لا يُعد مجرد منصة رقمية بل منظومة متكاملة تسعى لتحقيق الجودة والرضا، ولعل نيل هذا النظام جائزة «لبيتم للتميز» من المملكة العربية السعودية كأفضل خدمة إلكترونية من بين 76 دولة، دليل على حجم الإنجاز، وقد استقبل النظام فـي هذا الموسم أكثر من 40 ألف طلب، تم اختيار 14 ألف حاج منهم بناءً على معايير دقيقة تضمن العدالة والشفافـية.
وسعى المعرض إلى تعزيز الشراكة بين مختلف الجهات العاملة فـي هذا القطاع، وإيجاد بيئة تنافسية تشجع على الابتكار، وتطوير الخدمات المقدمة للحجاج والمعتمرين، ومن أبرز الفعاليات المصاحبة له، «نسك» فـي نسختها الحادية عشرة، التي تقدم مناسك الحج بأسلوب تفاعلي مبتكر، مستخدمة تقنيات الواقع الافتراضي والروبوتات، فـي تجربة فريدة تجمع بين التقنية والمعرفة، والنسخة السابقة استقطبت أكثر من ألفـي زائر حضوريًا وتسعة آلاف مستفـيد افتراضيًا، وهناك تطلع هذا العام إلى تحقيق أرقام أعلى.
ولم تغفل الوزارة عن الفئات الخاصة، حيث أطلقت مبادرة العربات المتنقلة لخدمة كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة، التي من المتوقع أن يستفـيد منها نحو 450 حاجًا هذا الموسم، كما تضمنت الخطة استخدام الأساور الإلكترونية لتتبع كبار السن والحالات المرضية، ما يعزز جوانب السلامة والأمان، ويقلل من حالات الفقد أو الضياع، ومن أبرز التحديثات أيضًا توسيع خطة تفويج الحجاج عبر المنافذ البرية، لتقليل زمن العبور إلى مخيم منى من أربع ساعات إلى 45 دقيقة فقط، وهو إنجاز يُحسب للجهود التكاملية المبذولة.
الشراكة بين القطاعين العام والخاص
وكان هذا المعرض أيضًا نموذجًا ناجحًا للشراكة بين القطاعين العام والخاص، فقد أسهمت العديد من المؤسسات فـي تقديم الدعم، سواء كان رعاية مباشرة أو مساهمة لوجستية، وكان بنك صحار الإسلامي هو الراعي الرئيسي، و«ميثاق للصيرفة الإسلامية» الشريك الاستراتيجي، فـي حين قدمت مؤسسة «أشرقت» الرعاية الماسية، والبنك الأهلي الإسلامي الرعاية الذهبية، كما أسهمت مجموعة «عمران» ومجموعة مستشفـيات «بدر السماء» فـي الجوانب اللوجستية، بينما تولت «عمانتل» الجانب التقني كشريك رئيسي فـي البنية الرقمية للحدث.
وما ميّز هذا المعرض أنه لم يقتصر على الجانب الخدمي فحسب، بل حمل فـي مضمونه رسالة إنسانية وثقافـية عميقة، تخفف عن الحجاج بعضًا من مشقة الرحلة، وتثري تجربتهم من خلال برامج ثقافـية، ومعرفـية، وتوثيقية، وعلمية أقيمت على هامش المعرض، لتجعل من هذه التظاهرة حدثًا متكامل الأبعاد، يليق بروحانية الحج وعظمة المناسبة.
أعلى مستوى من الرعاية الصحية
وتعليقًا على أهمية المعرض، أشار رئيس الوفد الطبي، الدكتور علي بن زايد البوسعيدي، إلى الجهود التي تبذلها البعثة الطبية العمانية لتوفـير أعلى مستوى من الرعاية الصحية للحجاج، وأضاف قائلًا: «الصحة هي أساس أداء المناسك بشكل صحيح، فمن يتمتع بصحة جيدة يستطيع أداء مناسكه بسهولة ويسر، أما من يعاني من أمراض فقد يواجه صعوبة فـي إتمام المناسك بشكل صحيح»، وأوضح البوسعيدي أن الوفد الطبي يبدأ عمله مبكرًا من خلال التوعية الصحية قبل السفر إلى المملكة العربية السعودية، حيث يتم توجيه الحجاج للحصول على التحصينات اللازمة مثل تحصين التهاب السحايا والإنفلونزا الموسمية، بالإضافة إلى تحصين مرضى الأمراض المزمنة، وكبار السن، والحوامل ضد مرض كوفـيد-19.
وأشار رئيس الوفد الطبي إلى أهمية اتخاذ بعض الاحتياطات قبل السفر، مثل ضرورة أخذ صورة من الأدوية المقررة للمريض، فضلًا عن ضرورة الحفاظ على اللياقة البدنية من خلال ممارسة الرياضة قبل الحج، إذ إن المناسك تتطلب جهدًا بدنيًا، مضيفًا إن التوعية الصحية تمتد إلى تقديم نصائح للحجاج خلال الموسم، مثل تجنب الإجهاد الحراري وضربات الشمس، والحرص على النظافة العامة، بالإضافة إلى نصائح تتعلق بالأمان الغذائي، حيث تم تدشين كتيب خاص بالسلامة الغذائية للحجاج.
كما أضاف البوسعيدي: إن هناك تعاونًا وثيقًا مع الجهات السعودية، من خلال وجود عيادات طبية فـي مكة المكرمة ومراكز إسعاف فـي منى وعرفة لضمان تقديم أفضل خدمة صحية للحجاج العمانيين، وأكد أن فريق الوفد الطبي يعمل بشكل متنقل مع الحجاج لضمان تقديم الدعم الصحي لهم فـي جميع مواقع الحج، مشيرًا إلى أن نسبة رضا الحجاج عن خدمات الوفد الطبي كانت عالية جدًا فـي السنوات السابقة، وهو ما يعكس الجهود الكبيرة المبذولة.
وتشهد جهود وزارة الأوقاف والشؤون الدينية فـي تسهيل عملية الحج استخدامًا متزايدًا للتكنولوجيا الحديثة، حيث تم إطلاق بعض المبادرات التي تشمل استخدام تقنيات التتبع من خلال السوار الإلكتروني لعدد من الحجاج، وتستهدف هذه المبادرة بشكل خاص كبار السن والمرضى، حيث سيساعد السوار فـي تتبع حركتهم وضمان سلامتهم خلال فترة الحج، كما تم تطوير تطبيقات وأجهزة إلكترونية يمكن للحجاج استخدامها للحصول على المعلومات المتعلقة بالحج بسهولة ويسر.
التكامل فـي تقديم الخدمات
فـي السياق ذاته، سلّط رئيس الوفد الكشفـي، ناصر بن سالم الرزيقي، الضوء على دور الكشافة العمانية فـي خدمة الحجاج، مشيرًا إلى أن الوفد الكشفـي يشارك منذ عام 1974 ضمن بعثة الحج العمانية، وقد أرسى تقاليد عمل تطوعية مهمة تشكل جزءًا من منظومة الدعم للحجاج، وقال الرزيقي: «الوفد الكشفـي يقوم بأدوار مهمة فـي تأمين مقار البعثة العمانية فـي مكة المكرمة والمدينة المنورة، حيث يتولى أعضاء الكشافة استلام المقرات وتسجيل بيانات الحجاج الوافدين، والتأكد من وصول كل الحجاج بشكل آمن إلى مقر البعثة».
وأوضح الرزيقي أن الكشافة لا تقتصر خدماتهم على تسجيل البيانات وتنظيم الأمور اللوجستية، بل يمتد دورهم إلى توفـير الدعم المباشر للحجاج خلال رحلتهم، وقال: «نحن نعمل بشكل وثيق مع مختلف الفرق الأخرى فـي البعثة، مثل الوفد الصحي وشرطة عُمان السلطانية ووفد الإفتاء والإرشاد، بهدف تقديم المساعدة فـي مختلف جوانب الحاج»، موضحًا أن الكشافة يساعدون فـي توجيه الحجاج إلى الأماكن الصحيحة ويقدمون الدعم لمن يحتاجون إليه، مثل كبار السن أو الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث يوجد أعضاء من الكشافة لتقديم الماء والمساعدة فـي نقل الأمتعة.
وفـيما يتعلق بالموسم الحالي، أشار الرزيقي إلى المبادرات الجديدة التي تم إدخالها لتحسين تجربة الحجاج، مثل فكرة استخدام «الآيباد» عند بوابات الدخول إلى المخيمات لتسريع عملية التحقق من بيانات الحجاج، وهناك أيضًا تجربة جديدة سيتم تنفـيذها هذا الموسم من خلال استخدام الأساور الإلكترونية لتتبع حركة الحجاج، خاصة كبار السن، وذلك بهدف ضمان سلامتهم وعدم ضياعهم فـي الزحام الشديد.
وقال الرزيقي: «نحن فخورون بمشاركة الكشافة فـي هذا العمل الإنساني والديني، والفرصة التي تتيحها وزارة التربية والتعليم لنا فـي إسهامنا ضمن بعثة الحج العمانية هي فرصة عظيمة لأعضائنا لتقديم خدمة جليلة لضيوف الرحمن».
تحسين تجربة الحج
وكانت قد أُعلنت عن مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى تحسين الراحة وسلامة الحجاج، وتشمل هذه المبادرات تعزيز الخدمات اللوجستية وتحسين الوضع الصحي للحجاج، بالإضافة إلى توفـير برامج توعية مكثفة، كما تم تعزيز التعاون مع شركاء استراتيجيين فـي القطاعين الحكومي والخاص لضمان تقديم أفضل الخدمات.
وتضمنت هذه المبادرات ضمان توفـير بيئة صحية وآمنة للحجاج، حيث تم تأمين آليات متقدمة فـي مجال التكييف فـي المخيمات بمشعري منى وعرفة، مع توفـير مرافق طبية متكاملة فـي مكة المكرمة، وقال رئيس الوفد الطبي، الدكتور علي البوسعيدي: «تعمل البعثة بكل وفودها على توفـير الراحة للحجاج من خلال إنشاء وحدات تكييف جديدة فـي مشعر منى، وكذلك تكييف المخيمات فـي عرفة لضمان تقليل التأثيرات السلبية للحرارة، وهو ما يسهم فـي تقليل التعب والإرهاق عن الحجاج».
وأضاف: إن هذه الجهود تأتي ضمن سلسلة من التحسينات التي يتم تطبيقها هذا الموسم لضمان أن يكون الحج تجربة روحية مريحة وآمنة لجميع الحجاج العمانيين، وأوضح أن هذه التحسينات تتكامل مع الحملات التوعوية التي تشمل نشر كتيبات توعية بأهمية الاهتمام بالصحة العامة والنظافة الشخصية، بالإضافة إلى التوجيهات الخاصة بالغذاء الآمن.
من جانب آخر، أفاد رئيس الوفد الكشفـي، ناصر بن سالم الرزيقي، أن التوسع فـي استخدام التقنيات مثل الأساور الإلكترونية لتتبع الحجاج يهدف إلى ضمان أمان الحجاج فـي الأماكن المزدحمة، وهو ما يعكس الجهود المبذولة لتوفـير مستوى عالٍ من الراحة والدعم للمشاركين فـي موسم الحج، وقال الرزيقي: «هذه التجربة تعد خطوة جديدة نحو استخدام التكنولوجيا فـي تحسين تجربة الحج، وخاصة للأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة فـي التنقل بسبب الكثافة البشرية أو الازدحام».
وتجسد هذه المبادرات التعاون المستمر بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة فـي سلطنة عُمان، بهدف تقديم خدمات أفضل للحجاج العمانيين وتعزيز تجربتهم فـي أداء هذه الشعيرة الدينية المهمة، ويُعد المعرض الذي أُقيم فـي مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض هذا العام نقطة انطلاق لهذه الجهود، حيث كان بمثابة منصة حيوية تجمع كافة الجهات المعنية، وتسهم فـي تعزيز الشراكة والتعاون بين المؤسسات المحلية والدولية المعنية بشؤون الحج والعمرة.
0 تعليق