شهدت الدولة العربية الإسلامية عام 41هـ - 661م هدوءاً نسبياً بعد فترة اضطراب وتوتر، حيث عُرف بعام الجماعة، ومثّل تحولاً سياسياً وبداية عهد جديد حيث الانتقال من العهد الراشدي إلى الأموي فأصبحت دمشق حاضرة الدولة العربية الإسلامية ومركزها، واستمر ذلك حتى عام 132هـ - 750م، وبفعل المستجدات والمتغيرات التي شهدها العالم العربي الإسلامي استحدث الأمويون إجراءات إدارية جديدة منها استمرار أمير البصرة بالإشراف المباشر على إدارة البحرين خصوصاً في تعيين الولاة والعمال بعد أن كانت في أغلب أحيان العهد الراشدي تتبع مركز الخلافة بشكل مباشر، ومع ذلك استمرت البحرين تؤدي دورها ومكانتها المرموقة في كافة المجالات، وممّا زاد من أهميتها حرص الأمويين في بواكير عهدهم على تحقيق الاستقرار في الخليج العربيّ وتأمين طرق الملاحة البحرية وتنشيط ودعم الحركة التجارية، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على البحرين حيث شهدت استقراراً نسبياً وتطوراً وازدهاراً سيّما في التجارة الداخلية والخارجية وتوافق ذلك مع نشاط ملحوظ في التعاملات الاقتصادية في أسواقها.
- البحرين.. الأهمية والتحديات: يمتاز إقليم البحرين وبحكم موقعه الجغرافي وعمقه الاستراتيجي بأهميته البشرية والاقتصادية والسياسية والحضارية . فقد كانت ومنذ القدم نقطة التقاء للطرق التجارية البحرية، ولها دور كبير في ربط الشرق بالغرب. ومع ذلك، واجهت البحرين تحديات عدّة، أبرزها الفراغ السياسي والكساد الاقتصادي الناجم عن انشغال الدولة الأموية في بعض الفترات بمواجهة المشاكل الداخلية ومحاولة حلها ،خصوصاً في الأقاليم المجاورة لبلاد الشام، كل ذلك أتاح فرصة للطموحين الباحثين عن فرص لتحقيق أهدافهم الشخصية والاستئثار بالسلطة وتحقيق مكاسب اقتصادية ومكانة اجتماعية.
- دور أهل البحرين في التصدي للنجدات: في فترة العصر الأموي، برزت بعض الحركات المناوئة للدولة المركزية، استخدم دعاتها أساليب شتى منها دعاوى إنسانية ووعود اجتماعية واقتصادية وأخرى دينية، ورفع شعارات العدالة الاجتماعية والمساواة وإثارة العواطف الدينية، وإنما هي أساليب تدثّر بها أصحابها لتحقيق أهدافهم وطموحهم السياسي والاجتماعي، ومن أبرز هذه الحركات الهدّامة التي نشطت في البحرين في العصر الأموي حركة النجدات بقيادة نجدة بن أبي عامر الذي بايعه الخوارج في اليمامة عام 66هـ - 684م، وبدأ طموحه بمد نفوذه إلى إقليم البحرين فبدأ بتنفيذ نشاطات عنيفة شملت اعتراض القوافل والاشتباك مع قبيلة عبدالقيس. وبالرغم من نجاحه بالتغرير بالبعض إلا أن أغلب أهل البحرين وزعماء قبائلها قد وقفوا له بالمرصاد فكان لموقف أهل البحرين الراسخ ودعم الدولة الأموية دور في إفشال هذه الحركة والقضاء عليها.
فبدأت أولى محاولات نجدة بإرسال قوى تابعة له إلى بعض نواحي البحرين، تصدى أهل البحرين لهذه الهجمات بشجاعة. بقيادة عامل البحرين قدامة بن المنذر. وعلى أثر ذلك قاد نجدة بنفسه حملة عسكرية كبيرة نحو البحرين عام 67 هـ - 685هـ، واجه مقاومة قوية من قبيلة عبدالقيس الذين رفضوه وقالوا عنه" حروري مارق"، واعتبروا وجوده تهديدًا لسيادتهم، وأعدوا جيشاً وجبهة قوية لمحاربته ضم اغلب قبائل البحرين حيث واجهوه في معركة الثوير، والتي تجلى فيها موقف أهل البحرين وحرصهم على الاستقلال ورفضهم للحركات الخارجية الهدامة، وعلى أثر ذلك تمادى نجدة الخارجي وارسل أبنه المطرح على رأس جيش من أتباعه إلى بعض مدن البحرين لنهب أموالها واستباحتها فتصدى له أهل البحرين فقُتل في موقعة الكوثر، التي مثّلت نقطة تحول في الصراع حيث حاول نجدة استعادة السيطرة على القبائل التي عارضته. لكن هذه المرة واجه مقاومة أشد، حيث أظهر أهل البحرين، تصميمهم على الحفاظ على استقلالهم ورفض أي تدخل خارجي. كانت هذه المعارك تعبيراً عن الوعي الجماعي لأهل البحرين بأهمية الحفاظ على هويتهم ومكانتهم.
يتّضح أنّ الغالبية العظمى من أهل البحرين خاصّة عبدالقيس وقفوا بوجه نجدة، ورفضوا الفتن، ممّا يعكس قوة مقاومة أهل البحرين وإصرارهم على استقلالهم ويؤكد ذلك ما جاء في كتاب الضوء الأول حيث ذكر الملك المعظم حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه: "من أسباب مقاومة أهل البحرين "بنوعبدالقيس" للخوارج الروح المعنوية إذ إنّ البحرين قاومتهم للحفاظ على استقلالها".
- أهل البحرين.. وعي وثبات: تُعد فترة العصر الأموي في البحرين نموذج حي للاستقرار النسبي رغم التحديات المعقدة والفتن والتدخلات الخارجية التي واجهتها. فقد أظهر أهل البحرين وعياً عميقاً ورؤية ثاقبة والتزاماً دينياً وحصافة سياسية فحافظوا على استقرار بلادهم ووحدتها سياسياً واجتماعياً، حيث تصدوا بشجاعة لمحاولات التدخل الخارجي وأفشلوا محاولات استغلال أوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية ووأدوا محاولات التمرد والانقسام. إنّ موقفهم الواضح والرافض للفتن والاضطرابات ونشر الفوضى في البحرين خاصة وفي الدولة بشكل عام، كل ذلك يعكس التزامهم بثوابتهم الدينية وقيمهم الأصيلة والحفاظ على هويتهم و يعكس مدى تحملهم المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية، ويبرز في ذات الوقت دور البحرين الحضاري الفاعل وأهميتها الاستراتيجية اقتصادياً وبشرياً واجتماعياً في الدولة العربية الإسلامية خاصّة في العصر الأموي.
* باحث في التاريخ وأكاديمي
0 تعليق