د.مينا كاظمي
جمعية البحرين النسائية – للتنمية الإنسانية
يُذكّرنا الدكتور زاك بوش بأنّ «أنتَ ما تأكل»، فكل لقمة نتناولها تحمل في طياتها أكثر من مجرد عناصر غذائية. إنها تحمل طاقة الحياة والتجارب التي مرت بها الكائنات والنباتات التي نستهلكها، وهذا يؤثر على صحتنا بشكل عميق.
تشير الدراسات الحديثة إلى أن التنوع في الميكروبيوم، أي تنوع الكائنات الدقيقة التي تعيش في أجسامنا وتحديداً في الأمعاء، يلعب دوراً كبيراً في تقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المزمنة، حيث وجدت دراسة نشرت في Nature Medicine أن الأشخاص الذين يتمتعون بتنوع ميكروبيومي أكبر هم أقل عرضة للإصابة بأمراض مثل السكري وأمراض القلب بنسبة تصل إلى 20%، في حين توصلت دراسة أخرى أجرتها جامعة ستانفورد إلى أنَّ تناول الأطعمة المخمرة يعزز تنوع الميكروبات في الأمعاء، مما يساهم في تقليل الالتهابات في الجسم بنسبة تصل إلى 30%.
هذا التنوع الحيوي لا يقتصر فقط على الميكروبيوم داخل أجسامنا، بل يمتد إلى البيئة المحيطة بنا، وخاصة بالنسبة للأطفال. فالطفل الذي ينمو في بيئة غنية بالتنوع الطبيعي، ويتعرض لمجموعة واسعة من الكائنات الدقيقة الآتية من التربة والنباتات والحيوانات، يتمتع بجهاز مناعي أكثر قوة. علاوة على ذلك، يُعزز وجود الطفل وسط أفراد العائلة السعداء بقدومه من صحته النفسية، حيث يشعر بالأمان والقبول.
ولكن في زمننا الحاضر نجدُ خلاف ذلك، إذ أصبح من النادر أن تحظى الأسرة الموسعة بوجود مشترك ومستمر حول الأطفال هذه العزلة، إلى جانب انعدام التنوع الطبيعي حول الطفل بسبب التمدن والاعتماد على الأغذية الصناعية، كلُّ ذلك ساهم في ظهور أمراض لم يكن الأطفال يصابون بها من قبل، مثل الحساسية المفرطة واضطرابات المناعة الذاتية.
وفضلاً على ذلك تُظهر الإحصائيات أن معدل الإصابة بالحساسية لدى الأطفال زاد بنسبة 50% خلال العقدين الماضيين، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC).
هذا الارتفاع يُعزى جزئيًا إلى البيئة المعقمة التي يعيش فيها الأطفال اليوم، حيث يفقدون التفاعل الطبيعي مع الكائنات الدقيقة التي تساعد في بناء جهازهم المناعي.
ومن هذا المنطلق نجد التحدي الأكبر اليوم في إعادة الاتصال بالنظام البيئي الذي نحن جزء منه، فلنعِ ما نأكل، وكيف نتنفس، وأين نمشي، وكيف نزرع نباتاتنا.
إنها دعوة للتواضع تجاه الطبيعة والاعتراف بأن صحتنا وصحة الكوكب مرتبطتان بعمق.
لذا فإنَّ العودة إلى الطبيعة وتعزيز التنوع في طعامنا وحياتنا ليست مجرد رفاهية، إنها حاجة أساسية للحفاظ على الصحة البيئية والبشرية، فلنكن جزءاً من هذا التغيير من أجل مستقبل أكثر استدامة وصحة لنا ولكوكب الأرض.* جمعية البحرين النسائية – للتنمية الإنسانية
0 تعليق