بعد سنوات من الانتظار؛ تنفس الجسم الصحفي البحريني الصعداء، بعد أن أعلن مجلس النواب إقرار قانون الصحافة الجديد، فمنذ سنوات ظل فيها هذا القانون يتنقل بين أروقة المجلس في دوراته المتعاقبة، حتى ظن البعض أنه أصبح من الملفات المنسية، لكن الخميس الماضي، تغير كل شيء.
كان المشهد مختلفاً؛ الصحافيون تحت قبة البرلمان، ليسوا هناك لتغطية حدث أو نقل تصريحات، بل شهود على لحظة تاريخية تتعلق بهم مباشرة، لحظة إعلان قانون ينهي عقوداً من الجمود، ويمنح المهنة شيئاً من التحديد والتحديث القانوني، كان الشعور السائد أشبه بالارتياح الممزوج بالتريث: هل تحقق ما كان يطالب به الجسم الصحفي؟ وهل سيكون القانون الجديد بداية لمرحلة جديدة للإعلام الوطني.
في رأيي، وحسب ما اطلعت عليه من مواد القانون الجديد، أنه لا يعدل نصوصاً قانونية فحسب، بل يعدل المزاج العام تجاه الصحافة، حيث يلغي العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، ويعترف بالإعلام الإلكتروني كجزء من المنظومة الإعلامية الرسمية، وينظم العلاقة بين الصحفي والدولة وفق معادلة أوضح.
لقد استغرق الوصول إلى هذه اللحظة سنوات من النقاش والتفاوض والتعديل، شاركت فيها كل الجهات المعنية، وعلى رأسها ممثلو الصحافة الوطنية، جمعية الصحفيين ورؤساء التحرير، لكن ما يهم الآن هو النتيجة؛ صيغة توافقية حديثة تعكس فهماً أعمق للتحديات التي تواجه الصحفيين في الزمن الرقمي.
لم يعد مقبولاً في هذا العصر أن يلاحق الصحفي بتهم قد تؤدي به إلى السجن لمجرد رأي أو تحقيق، لذلك فإن إلغاء وحذف عقوبة الحبس من القانون إلى جانب كونه انتصاراً للمهنة، هو أيضاً دليل على احترام الدولة لأدوار الصحافة في الرقابة والمساءلة، وليس خافياً أن هذا التعديل جاء بعد مراجعات مطولة شاركت فيها مؤسسات مختلفة، وهو ما يعكس نضجاً تشريعياً وإدارياً من المهم أن يستكمل بتطبيق جاد وشامل.
لكن، ولأن حرية الصحافة لا تصان بالقوانين فقط، بل بالثقافة العامة وبإرادة سياسية تؤمن بأن الإعلام شريك وبمجتمع يعرف قيمة المعلومة الحرة، لذلك فإن القانون الجديد يجب أن يتبع بإجراءات حقيقية عبر دعم استقلالية المؤسسات الإعلامية، تمكين الصحفيين مهنياً، ضمان الشفافية في الوصول إلى المعلومات، ومواكبة البيئة الرقمية بتشريعات أكثر مرونة وواقعية.
اللافت أن القانون لم يركز فقط على الجوانب العقابية، بل وسع نطاق التنظيم ليشمل الإعلام الإلكتروني والدعاية والإعلان، وهي مجالات كانت في السابق تعيش في المنطقة الرمادية من التشريع، لكن اليوم أصبح لها أطر قانونية تنظمها وتحمي العاملين فيها وتمنع التلاعب أو الغش، وهو ما يصب في مصلحة السوق الإعلامي، ويعزز مناخ الاستثمار.
وأخيراً، فإن هذا القانون فتح صفحة جديدة في سجل العلاقة بين الدولة وصاحبة الجلالة، لكنه لا يزال مجرد بداية، والتحدي الأكبر في تحويله من وثيقة على الورق إلى ممارسة يومية تحترم الكلمة، وتضمن حرية التعبير، وترسخ مكانة البحرين كبلد يتقدم بثقة نحو المستقبل.
0 تعليق