قانون الصحافة... من الأدراج إلى منصة التوافق

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بعد أكثر من عشرين عاماً من التجميد، عبر قانون الصحافة والإعلام الإلكتروني جلسة مجلس النواب الاستثنائية الأولى، مدفوعاً بأغلبية نيابية، وتوافق وطني، وصوت صحفي ظل يطالب بقانون يحاكي العصر، ويحمي الكلمة الحرة من أن تُقيد أو تُحاكم، إنها لحظة مفصلية في تاريخ الصحافة البحرينية، دشّن فيها عهد جديد من التقنين والتنظيم والاعتراف والمهنية.

قانون الصحافة الجديد لم يأتِ في فراغ، إنما هو ثمرة نقاش طويل بين الحكومة ممثلة في وزارة الإعلام، ومجلس النواب بلجنة خدماته في دورات متعددة، وجمعية الصحفيين بمجالس إدارة مختلفة، وعموم الجسم الإعلامي الذي ظل طوال السنوات يطالب بإلغاء الحبس في قضايا النشر، وتنظيم الإعلام الرقمي، وتوسيع مظلة الحماية القانونية للعاملين في المهنة.

وقد أقرّ مجلس الشعب بحضور رؤساء تحرير وصحفيين، الصيغة الجديدة للقانون التي حملت في طياتها تغييرات جوهرية، أبرزها إلغاء الحبس في كافة قضايا النشر، والاكتفاء بالغرامة، وتوسيع صلاحيات القاضي في تقدير العقوبة، وإضافة فصل مستقل ينظم الإعلام الإلكتروني، أما المادة 90 مكرراً التي أثارت جدلاً حول تفويض وزير الإعلام صلاحية تنظيم الأنشطة غير المشمولة بالقوانين، فقد رفضها النواب، لضبط الصلاحيات وعدم فتح أبواب التأويل حسب مداخلاتهم.

وفي مداخلات النواب في جلسة استثنائية وطويلة جداً شدد النواب على أهمية التفرقة بين الحسابات الفردية والتجارية، بين الرأي الشخصي والعمل الإعلامي المنظم، مؤكدين أن الهدف من القانون ليس التضييق بل التنظيم، ولا التقييد بل التمكين، في وقت تحوّلت فيه منصات التواصل الاجتماعي إلى مصدر رئيسي للمعلومة والخبر، بل وأحياناً للتوجيه والتأثير، وبعضها للتأجيج والتحشيد.

هذا القانون الذي مرّ بمخاض عسير، لا يمكن فصله عن الدور الحيوي الذي لعبه الدكتور رمزان النعيمي، وزير الإعلام، الذي تعامل مع الملف كقضية وطنية تستحق الصبر والإقناع والعمل الميداني، فمنذ استلامه للحقيبة الوزارية حرص الوزير على إشراك الجميع: جمعيات سياسية، صحف محلية، جمعية الصحفيين، المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وأعضاء السلطة التشريعية، حتى أصبح مشروع القانون ـ كما عبّر هو نفسه ـ نتاج توافق حقيقي لا ورقة حكومية فقط.

ولم يغب عن المشهد الصوت المهني الأصيل، وأحد أعمدة الصحافة البحرينية، فقد أكّد الأستاذ عيسى الشايجي، رئيس جمعية الصحفيين البحرينية، أن المشروع يمثل تحولاً تشريعياً طال انتظاره، ويؤسس لبيئة قانونية أكثر عدالة ومواءمة للعصر، مشيراً إلى أنه يعكس توافقاً وطنياً جاداً، وأن إدراج فصل مستقل للإعلام الإلكتروني هو نقلة نوعية تُدرج البحرين ضمن الدول المتقدمة في هذا المجال، كما أشاد بتوجه إلغاء العقوبات السالبة للحرية، وفتح مساحة أوسع للقضاء، واحترام حرية التعبير المسؤولة.

لكن مع هذه القفزة النوعية، ما زالت هناك فجوة يجب أن تُسد في المرحلة التشريعية القادمة، وهي مسألة تقنين الحسابات الإخبارية التي تنشط على وسائل التواصل الاجتماعي، فالمعلومة الأصلية تبدأ من الصحفي، تنشرها الصحيفة عبر بواباتها المهنية، ثم تُؤخذ بلا إحالة أو ذكر للمصدر من قبل صفحات وحسابات قد تحصد آلاف التفاعلات بتغريدة أو «بوست» مبهم، يحمل عنواناً مثيراً وربما مضللاً، لا تخضع لأي قانون أو ميثاق مهني.

هذه الحسابات تُمثّل اليوم ظاهرة إعلامية متوسعة، لكنها خارجة عن التنظيم، وتتجاوز أحياناً أخلاقيات المهنة، ما يضعنا أمام مسؤولية وطنية لتشريع إطار قانوني يحدد من يحق له ممارسة النشر الإخباري، وما هي الشروط والضوابط، ومتى يُسأل صاحب الحساب كما يُسأل الصحفي في حال التجاوز، فحرية النشر لا تعني التفلت والتملص من المسؤولية، تماماً كما أن الرقابة لا تعني الكبت.

ومع وصول هذا القانون إلى مجلس الشورى في آخر جلساته لهذا الدور، لا يسعنا إلا أن نخص سعادة وزير شؤون مجلسي الشورى والنواب، العم العزيز غانم البوعينين بكلمة شكر مستحقة، لما أبداه من حنكة وهدوء وذكاء سياسي في التعامل مع مجلس النواب طوال الفترة الماضية وخلال هذا الدور تحديداً الذي شهد الكثير من الحراك النيابي، فحتى في أعقد الملفات وأكثرها حساسية، فلقد كان صمام توازن في لحظات الخلاف، ورجل توافق في أوقات الجمود، وفريقه في الوزارة يستحق التقدير على مستوى الأداء والاحترافية في إدارة العلاقة بين السلطتين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق