الأوقاف التعليمية: رافعة استراتيجية للاستثمار في رأس المال البشري

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تُعدّ الأوقاف التعليمية من أهم أدوات التنمية المستدامة في المجتمعات، لما لها من دور فاعل في تمويل التعليم وضمان استمراريته بعيداً عن تقلبات تمويلات القطاع العام والقطاع الخاص أو التبرعات الموسمية. وتُعرف الأوقاف التعليمية بأنها أصول موقوفة تُدار بشكل استثماري وتُخصص عوائدها لدعم مؤسسات التعليم أو المنح الدراسية أو البرامج البحثية والتدريبية.

وفقاً لتقرير البنك الدولي (2022)، فإن الاستثمار في التعليم يعزز الناتج المحلي الإجمالي للدول النامية بنسبة تصل إلى 10% إذا تم توجيهه بفاعلية نحو الفئات ذات الدخل المحدود. وهنا تتجلى أهمية الأوقاف التعليمية، خصوصاً في الدول التي تسعى لتحقيق رؤية تنموية طويلة المدى لتعزيز التمويل الذاتي للجامعات والمؤسسات الأكاديمية.

وتشير إحصاءات مؤسسة الوقف التعليمي العالمية (IEF) إلى أن حجم الأوقاف التعليمية في الجامعات الأمريكية تجاوز 840 مليار دولار في 2023، حيث تتصدر جامعة هارفارد بحجم وقف يناهز 50.7 مليار دولار، ما يتيح لها تمويل الأبحاث، وتقديم منح دراسية، واستقطاب الكفاءات دون الاعتماد على الرسوم الدراسية وحدها. وعلى الصعيد العربي، يُعد وقف السلطان قابوس لجامعة نزوى في سلطنة عُمان أحد النماذج الرائدة عربياً، إذ يدير أصولاً وقفية تتجاوز 130 مليون دولار، ويُعد مثالاً على شراكة مستدامة بين الحكومة والقطاع الوقفي لدعم التعليم العالي.

تُحدث الأوقاف التعليمية أثراً عميقاً في كل من البعدين الاجتماعي والاقتصادي، إذ تسهم في تعزيز العدالة الاجتماعية من خلال إتاحة فرص التعليم للفئات المحرومة، وتقليل الفجوة التعليمية بين الطبقات. فعلى سبيل المثال، تشير دراسة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD, 2021) إلى أن كل سنة إضافية يقضيها الفرد في التعليم تزيد من دخله بنسبة تتراوح بين 9% و15%، ما يعكس الأثر المباشر للأوقاف التعليمية في تحسين مستويات المعيشة وتقليل نسب البطالة.

أما على المستوى الاقتصادي، فتمثل الأوقاف التعليمية آلية تمويل مستدامة تقلل من عبء الدولة على المدى الطويل، وتسهم في بناء رأس مال بشري قادر على دعم الابتكار وزيادة الإنتاجية. وتُظهر تقارير مؤسسة ماكنزي (2023) أن الاستثمارات التعليمية ذات الطابع الوقفي تُولّد عائداً اقتصادياً يزيد بنسبة 20% على الاستثمارات التقليدية في البنية التحتية، إذا ما أحسن إدارتها، وربطها باحتياجات سوق العمل.

كما تُعزز الأوقاف التعليمية من استقرار المنظومة التعليمية في أوقات الأزمات الاقتصادية أو الكوارث، كما حصل خلال جائحة كوفيد-19، حيث تمكّنت الجامعات ذات الأوقاف القوية في الولايات المتحدة وكندا من الحفاظ على برامجها وتقديم منح طارئة للطلبة، مقارنة بتلك التي تعتمد على التمويل الحكومي وحده.

اجتماعياً، تُسهم الأوقاف التعليمية في خلق فرص متساوية وتحفيز ثقافة التفوق العلمي، خاصةً إذا وُجّهت لدعم التخصصات المستقبلية كالذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، وهو ما يشكل رافعة للتحول نحو اقتصاد المعرفة في دولنا الخليجية.

في الختام، تمثل الأوقاف التعليمية ركيزة حيوية لبناء اقتصاد المعرفة، ودعم العدالة التعليمية، واستدامة تمويل المؤسسات الأكاديمية. ومع اتساع التحديات التعليمية عالمياً، فإن تنمية هذا القطاع باتت ضرورة استراتيجية لا ترفاً مؤسسياً.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق