مواقع التواصل تتحول لعيادة نفسية.. تحذير من تسويق تجارب شخصية

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

عمان- أسماء مستعارة واستفسارات أسرية وتربوية ونفسية وأخرى زوجية وصحية تتصدر منصات التواصل الاجتماعي، حيث يزداد إقبال روادها يوما بعد يوم على مشاركة ما يشغل بالهم وربما ما يعكر صفو حياتهم.اضافة اعلان
نعيش اليوم واقعا أصبحت فيه منصات التواصل الاجتماعي جزءا أساسيا من تفاصيل حياة الفرد اليومية. وفي الآونة الأخيرة، بات الكثيرون يلجأون إليها لمشاركة مشاكلهم ومواقفهم الشخصية بأسماء مستعارة أو مخفية، طلبا للنصيحة أو بحثا عن إجابات لأسئلة تؤرق تفكيرهم.
لكن ما لا يدركه الآخرون أن لكل فرد تجربة مختلفة، وبالتالي فإن النصائح التي تقدم تكون مبنية على وجهات نظر وتجارب شخصية. وبينما تمتلئ هذه المنشورات بتعليقات وآراء مختلفة، يجد البعض نفسه في حيرة وتخبط أمام تعدد النصائح.
ويذهب آخرون في تعليقاتهم إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث ينتقدون صورة الأسرة والعلاقات الاجتماعية بشكل قد يؤثر سلبا. وهنا يطرح التساؤل: هل يمكن اعتبار منصات التواصل الاجتماعي مصدرا موثوقا للحصول على الاستشارات؟
هوية مجهولة واسم مستعار
 تبين الدكتورة سعاد غيث، أستاذة الإرشاد النفسي والتربوي في الجامعة الهاشمية، أن توجه الأفراد لهذه المنصات يعود إلى عدة أسباب، أبرزها سهولة الوصول إليها، وإمكانية استخدامها من خلف الشاشات دون الحاجة للكشف عن الهوية أو التفاصيل الشخصية والاجتماعية للشخص.
وتوضح غيث أن معظم الأشخاص يفضلون الدخول إلى هذه المنصات بهوية مجهولة واسم مستعار، مما يمنحهم شعورا بالراحة وحرية التعبير من دون قيود أو شعور بالحرج والخجل.
وتضيف أن ارتفاع كلفة العلاج لدى الأطباء والمختصين قد يكون أيضا من الأمور التي تدفع الأفراد للبحث عن النصيحة عبر منصات التواصل، مشسرة إلى أن بعض المستخدمين يعتقدون أن صاحب التجربة مؤهل لتقديم المشورة، إلا أن هذا غير صحيح، فلكل إنسان تفاصيل وظروف حياة مختلفة، وما يناسب شخص قد لا يناسب شخص آخر.
ووفق غيث فإنها ضد مشاركة المشاكل الشخصية عبر وسائل التواصل، موضحة أن هنالك ضعفا في التفكير النقدي. وتقول "عندما يقرأ الفرد منشورا على هذه المنصات، لا يقوم بتحليله أو تقييمه لمعرفة إن كان صحيحا أم خاطئا، مناسبا له أم لا.
وتضيف أن الاطلاع على تجارب الآخرين يمكن أن يكون مفيدا ومصدر تعلم، لكنه يتطلب قدرة على التمييز بين ما هو مناسب للشخص وما لا يناسبه، وهو جانب قد نفتقر إليه إلى حد كبير.
وتذهب غيث إلى أن هناك من يعتقد أن تجارب الآخرين قابلة للاستفادة، لكن ليست كل التجارب تستحق التعلم منها. حيث يشارك الناس جزءا من تجربتهم ويخفون أجزاء أخرى تكون مؤثرة في النتيجة النهائية التي توصلوا إليها.
وتطرح هنا تساؤلا: "هل يستطيع طالب المشورة فلترة الردود وانتقاء ما يناسبه؟" وتجيب بأن الواقع يظهر أن الفرد، وسط زحمة الآراء، يميل بشكل انتقائي إلى الردود التي  يرغب في سماعها.
منصات غير صالحة لمناقشة القضايا النفسية
وتوضح أن الشخص في كثير من الأحيان قد يكون على دراية بالحل، لكنه يلجأ للآخرين ليحصل على تأكيد ودعم لرأيه وتصرفه.
من جهة أخرى، تلفت غيث إلى أن منصات التواصل قد تكون مناسبة لبعض المواضيع البسيطة، مثل أسئلة عن ديكور المنزل أو ما يساعد في تسهيل الجوانب المعيشية، لكنها غير مناسبة لمناقشة القضايا النفسية.
اما المنصات المتخصصة التي يديرها مختصون في العلاج النفسي، أو الأمن المعلوماتي، أو الدعم التقني، فيمكن الوثوق بالمشورة المقدمة من قبل محترفين معتمدين. أما في غير ذلك، فتؤكد أن منصات التواصل الاجتماعي ليست المكان المناسب للحصول على الإرشاد أو المشورة.
وتفسر غيث أن النصائح المتداولة عبر هذه المنصات غالبا ما تفتقر للدقة والأسس العلمية، وتعتمد على تجارب شخصية غير قابلة للتعميم، بالإضافة إلى أن دوافع ونوايا مقدمي النصائح قد تكون مجهولة وغير معروفة.
وتؤكد على أهمية حماية النفس من التأثيرات السلبية لهذه المنصات من خلال التثقيف، ومعرفة حدود استخدامها بحيث يتم توظيفها بما يفيد الفرد ويسهل حياته.
كما تحذر غيث من خطورة النصائح المتداولة حول التربية، والتي قد تربك الأمهات، فتقديم نصائح في التربية لا يكفي فيه اجتياز دورة تدريبية، حيث إن الكثيرين يسقطون فلسفاتهم الشخصية حول الأبوة، والزواج، والعلاقات على من يطلب المشورة. لذا الطريق الصحيح للحصول على المشورة هو الرجوع إلى المختصين المؤهلين وأصحاب الخبرات العلمية والمهنية الحقيقية.
لكل إنسان ظروفه الخاصة
ومن الجانب النفسي، تبين الاختصاصية النفسية عصمت حوسو أنها تلقت بالفعل العديد من الرسائل التي تطلب منها تقديم حلول لمشكلات شخصية عبر الرسائل على منصات التواصل الاجتماعي، لكنها بدورها كانت ترفض الإجابة.
وترى حوسو أن الاستشارة النفسية أو الاجتماعية، سواء كانت مرتبطة بالجوانب النفسية للفرد أو بعلاقاته القريبة أو البعيدة، لا يمكن تقديمها عبر رسالة أو تعليق. ومن يقوم بهذا الفعل يكون شخصا غير مختص وغير أمين بمهنته.
وتشير حوسو إلى أن لكل إنسان ظروفه الخاصة، فما يصلح لشخص قد لا يصلح لآخر، إذ تختلف التجارب والخلفيات والظروف والأفكار وذكريات الطفولة وحتى المراهقة.
ووفق قولها، من المستحيل تقديم استشارة نفسية عبر وسائل التواصل، فهي تخبر دائما طالب المشورة أن الحل بمعرفة تفاصيل الحالة، ومعرفة ماضيها وظروفها الحالية، وجمع معلومات دقيقة لتحليل المشكلة ومن ثم وضع خطة علاجية.
وتشدد حوسو على أهمية توعية الأفراد بعدم اللجوء للحصول على الاستشارات النفسية عبر هذه الوسائل، إذ إن كلمة أو نصيحة غير مدروسة قد تؤثر سلبا وبشكل كبير على شخص يعاني من اضطراب نفسي.
إلى ذلك، التعليقات على منصات التواصل قد تترك أثرا عميقا في النفوس؛ فكل شخص يرى مشكلته كبيرة، في حين قد يراها الآخرون غير مهمة. وتبين أن من يعاني من قلق، اكتئاب، أزمة ثقة بالنفس، أو أي ظرف نفسي عابر أو دائم، قد تؤثر فيه كلمة واحدة فتزيد من معاناته أو ترفعه بشكل وهمي. لذلك، تؤكد أن التعامل مع الأشخاص الذين يمرون بأزمات نفسية أو اجتماعية يجب أن يتم بحذر شديد، وهو أمر لا يدركه إلا المختصون.
وتلفت حوسو إلى أنه رغم التقدم الملحوظ في الوعي بأهمية علاج الاضطرابات النفسية والمشكلات العاطفية والاجتماعية، إلا أن آخرين ما يزالون يخشون من الوصمة الاجتماعية مما يدفعهم للجوء إلى الاستشارة بأسماء وهمية على منصات التواصل.
وتؤكد حوسو أن الوعي بهذه الأمور يجعل الأفراد أكثر إدراكا لخطورة طلب حلول سريعة لمشاكل معقدة، فمعرفة جميع تفاصيل الحالة وتقديم حل مبني على حقائق ومعلومات دقيقة أفضل بكثير من تقديم نصيحة مختصرة في سطرين أو فقرة.
 تعميم تجارب الآخرين 
الأخطر "تسويق الآراء"، وفق حوسو، حيث يميل الناس لسماع تجارب الآخرين وتعميمها رغم أن لكل شخص ظروفه الفردية، الاجتماعية، البيئية والتربوية المختلفة، وهو ما يجعل الحلول الشخصية غير قابلة للتطبيق على الجميع. بالمقابل، يقدم المختص رأيا موضوعيا ومحايدا يناسب الحالة الفردية المعروضة أمامه.
وتضيف حوسو: " نحن خبرات إنسانية متراكمة، وأحيانا قد تكون هناك تشابهات بين التجارب، لكنها لا تعني الوصول لنفس الحل".
وتؤكد أن التصرف الصحيح عند البحث عن حل لمشكلة نفسية أو اجتماعية هو التوجه إلى المختصين المؤهلين، خاصة إذا كان الفرد يعاني من اضطراب نفسي، إذ يستطيع المختص تقييم ما إذا كانت الأزمة عابرة أم ناتجة عن خلل نفسي أو اضطراب وراثي أو ناتج عن ظروف متراكمة.
وتختم حوسو حديثها بالتأكيد على أهمية وعي الفرد بضرورة مراجعة ذاته وأخطائه، مع أهمية عدم الاعتماد على تجارب الآخرين بل التوجه إلى المختصين أصحاب الخبرة، والذين يتحلون بالضمير المهني وسرية عالية.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق