loading ad...
بعد أن تم اعتقاله بشكل غير قانوني بعد أن ظن الجنود أنه فلسطيني أثناء قيامه بعمله الصحفي في الضفة الغربية، شعر الناشط من أجل السلام والمساهم في مجلة "بروغريسيف"، سام شتاين، بأن حياته مهددة على يد الجنود الإسرائيليين.اضافة اعلان
* * *
على مدار السنوات الخمس الماضية، شاركت في استراتيجية نضالية تُعرف باسم "الحضور الوقائي" في الضفة الغربية. والمبدأ غريب، لكنه بسيط: عندما يكون أشخاص من أكثر امتيازًا حاضرين في المكان -خاصة من المواطنين الإسرائيليين اليهود البيض- يصبح احتمال حدوث عنف من المستوطنين أو الجيش ضد الفلسطينيين أقل احتمالًا.
كلما حدث شيء فعلاً، نضع أجسادنا بين الفلسطينيين والفاعلين العنيفين، بينما نقوم بتوثيق كل شيء بالفيديو. وتُستخدم كل اللقطات التي نصوّرها لاحقًا كأدلة قانونية موثقة وكوسيلة لرفع الوعي من خلال المنظمات غير الحكومية، والمنشورات الإخبارية، ووسائل التواصل الاجتماعي.
وأظهر استطلاع أجراه "برنامج المرافقة المسكونية في فلسطين وإسرائيل" (1) أن هذا النوع من النشاط فعّال، حيث يوفر "المرافقون المسكونيون" المنتمون إلى البرنامج حضوراً حاميًا من خلال وجودهم كشهود على المعاناة اليومية للناس الذين يعيشون تحت الاحتلال.
وقال أكثر من نصف الفلسطينيين الذين شملهم الاستطلاع عند الحواجز الإسرائيلية إن وجود "المرافقين المسكونيين" خلال عمليات التفتيش كان مفيدًا لهم. ومن واقع القصص التي أخبرني بها أصدقائي وزملائي الفلسطينيون، فإن وحشية المستوطنين والجيش تكون أكثر قسوة وعنفًا بكثير مما يحدث عادة في حضوري. لكنني عشتُ مؤخرًا لمحة صغيرة جدًّا مما يعنيه أن تكون فلسطينيًا في نظر إسرائيل.
في 12 آذار (مارس)، ذهبت إلى خربة "جورة الخيل" شرق الخليل كمنسق ميداني لمنظمة "حاخامات من أجل حقوق الإنسان"، التي تجلب متطوعين للمشاركة في شبكات "الحضور الوقائي" تضامنًا مع المجتمعات الفلسطينية. وكان أهل الخربة قد فروا من عنف المستوطنين المتصاعد في تشرين الأول (أكتوبر) 2024، لكنهم تلقوا لاحقًا أمرًا من المحكمة العليا الإسرائيلية يسمح لهم بالعودة إلى أراضيهم بمرافقة وحماية الجيش. وذهبت للانضمام إلى سكان جورة الخيل، ولكن سرعان ما أمرني الجيش بالمغادرة. وبسبب نقاط التفتيش والبوابات وإغلاقات الطرق التي واجهتها في طريقي إلى هنا، كانت سيارتي مركونة بعيدًا، وكانت الطريق إليها طويلة.
تمامًا بينما كنتُ أقترب من سيارتي برفقة متطوعة أميركية من "حاخامات من أجل حقوق الإنسان"، اقترب منا جنديان. كنت قد أوقفت سيارتي من دون قصد قرب برج عسكري، وطلب الجنود مني التعريف بنفسي وتوضيح ما كنتُ أفعله هنا. وقد امتثلت، لكن الجنود أصبحوا عدوانيين بسرعة، وشرع أحدهم في التصوير بالفيديو ووضع هاتفه في وجه المتطوعة. وبدأت أنا بالتصوير أيضًا ردًا على ذلك، فصرخ أحد الجنود فيّ على الفور: "أوه، لقد أضعت للتو ست ساعات من حياتك"، في إشارة إلى أن الاعتقال العسكري يمكن أن يستمر قانونيًا حتى ست ساعات.
طرحني الجندي أرضًا وبدأ بضربي بينما يتهمني بأنني هاجمته. وسرق هاتفي وحاول فتحه من خلال الأقفال الحيوية، بصمة الوجه أو الإصبع، وهي وسائل لا أستخدمها. وطلب مني إعطاءه رمز القفل، وعندما أجبته بأن تفتيش الهاتف يتطلب مذكرة قضائية، هدد بقتلي. وتحت التهديد، امتثلت: القانون لا يهم إذا كانت الجهة المنفذة لا تكترث به.
تم اقتيادنا أنا والمتطوعة إلى داخل البرج العسكري، حيث تعرضنا لمزيد من التهديدات والانتهاكات، حتى أن أحد الجنود هدد باغتصاب المتطوعة الأميركية. تم تقييدنا بأربطة بلاستيكية، وتغطية أعيننا، وأُجبرنا على الركوع أرضًا. ولكن عندما أدرك الجنود أنني يهودي ومواطن إسرائيلي -سمعت أحدهم يقول: "يبدو أنه يهودي. اسمه شموئيل (النسخة العبرية من صامويل) ويتحدث العبرية"- خفّت حدة الإساءات بشكل كبير. شتموني ووصفوني بالخائن أثناء تصفحهم لحسابي على "إنستغرام" على هاتفي، لكنهم ضربوني مرة أو مرتين فقط بعد ذلك. حتى أن القائد خفف من شدة قيودي وعصابة عيني، وبدأ قلبي يعود تدريجيًا إلى نبضه الطبيعي. لم أعد أشعر بالخوف على حياتي.
***
بعد بضع ساعات من الركوع على الأرض معصوب العينين ومقيد اليدين داخل الكشك العسكري، تم اعتقالي رسميًا. أما المتطوعة الأميركية فتم الإفراج عنها من دون توجيه أي تهمة. وعلى الرغم من أن مركز الشرطة كان بيئة أكثر أمانًا بشكل عام، إلا أن انتهاك حقوقي المدنية استمر هناك.
تم حرماني من حقي في الخصوصية أثناء الحديث مع محاميتي، حيث رفض الضباط الابتعاد أثناء مكالمتي معها. كما تم استجوابي باللغة العبرية من دون توفير مترجم، كما ينص القانون. وفي النهاية، أفرجوا عني بشروط، مع منعي من التواجد في مكان الحادثة لمدة خمسة عشر يومًا.
كانت الدقائق الخمس عشرة التي ظن فيها الجنود أنني فلسطيني هي الأكثر رعبًا في حياتي كلها. وبما أنني كنتُ قد خضعت لتدريب قانوني مستفيض، فأنا على دراية بحقوق الفلسطينيين تحت القانون العسكري، وكذلك بحقوق غير الفلسطينيين تحت القانون المدني الإسرائيلي. لكن ذلك لم تكن له أي قيمة: إذا لم يكن لدى الدولة اهتمام بتطبيق قوانينها، فإن تلك القوانين تكون وكأنه لا وجود لها فعليًا.
لم تكن هذه الحقيقة جديدة عليّ، لكنني استوعبتها الآن على مستوى أعمق. حتى مع كوني يهوديًا إسرائيليًا، كان واضحًا خلال استجوابي أنه إذا قررت الشرطة خرق القانون، فلا شيء يمكن أن يردعها -وهو ما رأيته مرة أخرى بعد أقل من أسبوعين، حين تعرض المخرج المشارك في فيلم "لا أرض أخرى" No Other Land، حمدان بلال، للضرب على يد مستوطنين إسرائيليين، ثم قامت الشرطة باعتقاله في الضفة الغربية.
ليس هذا الواقع خاصًا بإسرائيل وحدها: في الولايات المتحدة، قامت "إدارة الهجرة والجمارك" باعتقال الناشط المتضامن مع فلسطين، محمود خليل، بشكل غير قانوني، على الرغم من كونه مقيمًا دائمًا ويحمل "البطاقة الخضراء". واتهمت "منظمة العفو الدولية" اليابان بإساءة معاملة السجناء. ولدى الهند سجل موثق من اضطهاد الأقليات الدينية والإثنية. والقائمة تطول.
تشكل العديد من هذه الانتهاكات -أو جميعها- خرقًا للقوانين الداخلية للدول التي ترتكبها. لكن توقع أن تُحاسب هذه الدول نفسها هو شأن عبثي وهزلي. وسوف يفشل أي نظام من الضوابط والتوازنات نعتمد عليه حتمًا عندما ترفض الحكومات القوية الالتزام بقواعدها.
هذه الانتهاكات ليست سوى أعراض؛ أما المرَض الحقيقي فهو "التراتبية الهرمية". وبما أننا نقبل بأن تكون للقوات الرسمية مكانة أعلى بلا منازع من المدنيين، فإننا نوافق ضمنيًا على أن تكون الحالات مثل حالتي -والحالات الأشد قسوة التي تحدث يوميًا في الضفة الغربية ومناطق أخرى حول العالم- جزءًا من هذا النظام.
لا أتمنى لأحد أن يمر بتجربتي، ومع ذلك، بعض الجوانب منها أفرحتني. فرحت لأنني أصبحت أفهم بشكل أفضل ما يعانيه الفلسطينيون يوميًا. وفرحتُ لأنني حين أسمع حمدان بلال واثنين من جيرانه وهم يروزن كيف أمضوا ليلة كاملة على الأرض داخل قاعدة عسكرية، أصبح لدي جزء صغير من السياق لفهم ما تعنيه تلك التجربة.
آمل أن تساعدني هذه التجربة على أن أكون حليفًا وناشطًا أفضل؛ وفقًا للمنطق الداخلي لعمل "الحضور الوقائي"، فإن الحقيقة المؤسفة هي أن مزيدًا من الناس سيتعاطفون مع هذه القصة لأنها حصلت مع يهودي إسرائيلي، وليس مع فلسطيني. كنتُ فلسطينيًا فعليًا لمدة خمس عشرة دقيقة، وأصبحت أعرف أكثر من ذي قبل: الحضور الوقائي فعال.
ملاحظة المحرر: تطالب مجلة The Progressive وآخرون بإجراء تحقيق فوري في واقعة اعتقال شتاين بطريقة عنيفة، وبمحاسبة كاملة للجنود المتورطين. في 15 آذار (مارس)، أرسلت المجلة رسالة رسمية إلى كل من جيش الدفاع الإسرائيلي ووحدة شكاوى وزارة الدفاع الإسرائيلية، تعبر فيها عن قلقها من معاملة شتاين وتطلب ردًا كتابيًا. وحتى وقت نشر المقال، لم تتلق أي رد -أو حتى إقرار باستلام الرسائل.
*سام شتاين Sam Stein: كاتب وناشط ضد الاحتلال. وُلد ونشأ في مدينة لورانس بولاية نيويورك. انتقل إلى تل أبيب في أواخر العام 2019 ثم إلى القدس في العام 2020 ليصبح ناشطًا ضد الاحتلال الإسرائيلي. تغطي مقالاته لمجلة "التقدمي" The Progressive مجموعة من القضايا المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بما في ذلك تجاربه الشخصية مع سوء المعاملة، وقمع حرية التعبير، والعنف الذي يمارسه المستوطنون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين. تسلط تقاريره الضوء على التحديات التي يواجهها الفلسطينيون والنشطاء في الضفة الغربية، وتوسع المستوطنات غير القانونية، والمخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان الناتجة عن هذا الصراع المستمر.
نشر هذا المقال تحت عنوان: My Fifteen Minutes As a Palestinian
هامش:
(1) المرافقون المسكونيون Ecumenical Accompaniers: هم متطوعون يعملون ضمن "برنامج المرافقة المسكوني في فلسطين وإسرائيل" Ecumenical Accompaniment Programme in Palestine and Israel (EAPPI)، حيث يشارك الناشطون في مراقبة أوضاع حقوق الإنسان، وتوفير "حضور وقائي" protective presence للفلسطينيين المتأثرين بالاحتلال، من خلال التواجد في مواقع التوتر، وتوثيق الانتهاكات، ومناصرة العدالة والسلام عند عودتهم إلى بلدانهم. في الأصل، تشير صفة "مسكوني" إلى أن هؤلاء المرافقين متطوعون من طوائف مسيحية مختلفة، يعملون معا ضمن روح التعاون المسيحي لدعم السلام والعدالة، خصوصًا في مناطق النزاع مثل فلسطين. لكنها تشير في السياق الواسع إلى الانفتاح والتعاون بين الأديان أو المذاهب المختلفة.
0 تعليق