روت لي صديقتي قصة بسيطة، لكنها تختصر حكاية متكررة نعيشها كل يوم، حيث كانت تحاول إنهاء معاملة في إحدى الجهات، لكنها اصطدمت بجدار من الإجراءات؛ الانتظار، والوجوه التي لا تبالي، يومان من التنقل بين المكاتب، وكل مرة تطلب منها ورقة إضافية، توقيع جديد، أو مجرد «تعالي باچر»، كانت على وشك أن تستسلم.
في لحظة ضيق، حكت مشكلتها لزميل لها في العمل، لم يملك حلاً سحرياً، فقط رفع هاتفه، واتصل بصديق له يعمل في ذات الجهة، دقائق من الكلام العادي بين «شلونك» و«وينك»، وانتهت بعبارة: «ترى عندي وحده بتخلص شغلة، تساعدها؟» وفي أقل من نصف ساعة، كانت المعاملة منتهية، مختومة، ومنجزة.
تقول لي وهي تضحك بنصف حسرة: «صارت كلمة السر لكل معاملة هناك... كلم رفيجك».
منذ تلك اللحظة، صار الأمر شائعاً بين الأصدقاء، وكل من واجه تأخيراً أو تعطيلاً، يقال له: «كلم رفيجك»، وكأنها تذكرة مرور لا تحتاج إلا إلى اسم واحد داخل الجهة المعنية.لكن هل هذه واسطة؟
نعم... ولا.
نعم؛ لأنها تخالف المفهوم المثالي للعدالة والمساواة، فمن لا يملك «رفيجاً» هناك، عليه أن يواجه البيروقراطية وحده.
ولا؛ لأنها لا تتعلق بتجاوز القانون أو أخذ حق ليس لك، بل في الغالب هي دفعة صغيرة لإنهاء ما هو من حقك أصلاً، لكنه عالق في الروتين أو مزاج الموظف.
الواسطة ليست دائماً أن «تجيب شخصية كبيرة تمشيك»، بل أحياناً مجرد معرفة موظف عادي في الجهة كفيل بأن يجعل لك باباً يفتح بدلاً أن يغلق في وجهك، المشكلة الحقيقية ليست في أننا نعرف أحداً هناك، بل في أن من لا يعرف أحداً... قد يتأخر أو ينسى. وهنا يصبح السؤال؛ هل المشكلة فينا؟ أم فيمن جعلنا نحتاج إلى «رفيج» لتسير أمورنا؟
أنا لا أدافع عن الواسطة، ولا أزعم البراءة منها، لكنني أطرحها كما هي واقع يومي نعيشه، يتأرجح بين الفزعة والمحاباة، بين «المعروف» و«أخذ الدور».
ربما نحن بحاجة إلى مؤسسات لا تفرق بين من له رفيج ومن لا، مؤسسات لا تربكها الأسماء ولا تسهلها، نحتاج أن تكون «كلم رفيجك» مزحة لا وسيلة إنجاز.
إلى أن نصل إلى ذلك اليوم، خذها مني نصيحة: إذا ضاقت بك الدنيا في معاملة.. كلم رفيجك.
إضاءة..
خلال زيارتي للمعرض الختامي الذي نظمه المكتب التنفيذي ضمن الخطة الوطنية لتعزيز الانتماء الوطني، أدهشني ما احتواه من فعاليات متنوعة تجمع بين التثقيف والتفاعل والترفيه، بأسلوب يشد مختلف الفئات.
وقد أدهشني أكثر كثافة الحضور والمشاركة والحرص على تقديم الأفضل، مما يعكس جهوداً حقيقية لغرس القيم الوطنية وتعزيز روح المواطنة بأسلوب مبتكر وجذاب.
0 تعليق