لا سلام عادل دون كرامة متبادلة

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تجاوزت كلمة سلطنة عمان أمام القمة الخليجية الأمريكية التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض اليوم والتي ألقاها صاحب السمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد المجاملات الدبلوماسية والإنشاء الخطابي الذي يطغى على مثل هذه القمم ولا يقول شيئا في العادة، وذهبت إلى عمق القضية الأولى عربيا وإسلاميا وهي القضية الفلسطينية.

أبرز ما ميّز كلمة سلطنة عُمان في قمة الرياض لم يكن التأكيد التقليدي على قيام الدولة الفلسطينية، بل الصيغة التي أعادت بها تعريف الهدف السياسي نفسه: «أن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون بكرامة». بهذا الخطاب أعادت سلطنة عُمان بناء منطق القضية على أساس إنساني: لا تبدأ العدالة برسم الحدود، بل بالاعتراف بالكرامة، وهي النقطة التي ظل الخطاب السياسي يتهرب منها طويلا».

لم تذهب كلمة سلطنة عُمان إلى اللغة المألوفة للتحالفات، ولكنها تعمقت في لب المعادلة التي لا يريد الغرب سماعها أبدا: لا شراكة دائمة بلا سلام عادل، ولا سلام عادل دون اعتراف متبادل بالكرامة والحق. كان لهذا الطرح العميق تأثير كبير في مشهد عالمي غلب عليه حديث المجاملات وانشغال كامل بالصفقات، بينما ذكرت كلمة سلطنة عُمان بنقطة البدء، وجوهر الحقيقة في محنة العرب: القضية الفلسطينية التي لا يمكن اقتلاعها من الحسابات الجيوسياسية مهما تغيرت المصالح.

واللافت في كلمة سلطنة عُمان المؤثرة بمنطقها ورؤيتها السياسية العميقة ليس مركزية قيام الدولة الفلسطينية فيها، فذلك بات لازمة أساسية في الدبلوماسية العمانية ولكن نقل مركز الثقل من الحل السياسي إلى المبدأ الأخلاقي في التأكيد على موضوع الكرامة، الكرامة التي لا تأتي كنتاج للاتفاق، بل كمقدّمة له. بهذا المعنى، بدت عُمان، وإنْ لم تصطدم بأحد، كأنها تذكر الجميع ولا نقول تتحداهم، تذكر الأشقاء والأصدقاء بأن أي تطبيع دون إنهاء الاحتلال ليس شراكة، بل تحييد للحق، وتذكر واشنطن نفسها بأن «السلام» ليس نزعا للسلاح السياسي من الطرف الأضعف، بل اعتراف متبادل بالمظلومية والكرامة.

إن أي مشروع سياسي لا يُبنى على إنكار تاريخ الضحية.. والفلسطيني ليس كائنا يُعاد تأهيله بمساعدات أو صلاحيات مؤقتة، بل هو طرف في المعادلة الأخلاقية والسياسية للصراع، ولا يمكن أن يكون طرفا ما لم يكن طرفا في التاريخ.

وفي مقابل كلمة سلطنة عمان العميقة، كان يمكن بسهولة تلمس النبرة الإنشائية المعتادة في خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والتي ركزت على الإشادة بالشراكات، وبالحديث عن «الفرص»، والتهنئة بوقف التصعيد! لكن لا شيء في خطابه اليوم يعبر عن مراجعة جدية للدور الأمريكي في إبقاء الصراع مفتوحا، ولا حتى إشارة إلى جرائم إسرائيل اليومية في غزة التي أصبحت روتينا للموت المبرمج.

لكن هل يكفي ذلك؟ بالطبع لا. الكلمات مهما كانت عميقة وتنطلق من رؤية فكرية وفلسفية لا توقف الحروب، لكنها تكشف هشاشة منطقها وتعري انكشافها الأخلاقي. وطرح مثل هذا الطرح الذي ينطلق من مفهوم أخلاقي عندما يقرأ بعيدا عن السياق البروتوكولي للقمم يمكن أن يمثل لحظة استثنائية نستطيع أن نعيد فيها الحديث عن فلسطين كأفق أخلاقي، لا كملف دبلوماسي فقط. وحسنا فعلت سلطنة عُمان حينما ذكرت الرئيس الأمريكي وأمام قمة يراقبها العالم أجمع أن الكرامة لا بد أن تكون شرطا لأي شراكة، وهذا ما يعيد تعريف السياسة نفسها: من إدارة نفوذ، إلى بناء معنى مشترك. وهذا ما قالته عُمان بوضوح لا يحتاج إلى تأويل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق