ترجمة: علاء الدين أبو زينة
هل ندخل الآن فترة لا توجد فيها قوانين؟ يخبرني أصدقائي القانونيون باستمرار بأن هناك سيادة للقانون. ويجادلون بأن لوائح الاتهام الموجهة إلى دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو تثبت أن سيادة القانون فعالة. وفي المقابل أعربُ أنا عن الشك لأن أياً منهما لم يعاقَب بعد ولم تغير لوائح الاتهام سلوكهما. وأتحدى أصدقائي القانونيين بالسؤال: ماذا يحدث عندما تتحدى الانتهاكات المستمرة فكرة سيادة القانون ذاتها؟اضافة اعلان
ولنبدأ بدونالد ترامب. تم إسقاط لوائح الاتهامات الصادرة ضده بمحاولة تخريب انتخابات 2020، والاحتفاظ بوثائق سرية بشكل غير قانوني، فضلاً عن عرقلة الجهود المبذولة لاستعادة الوثائق. وألقى المستشار الخاص، جاك سميث، المنشفة. كما أنه لن يواصل استئنافه أيضاً ضد حكم صدر عن قاض كان قد عينه ترامب نفسه، بأن تعيينه، كمستشار خاص، كان غير قانوني.
بالإضافة إلى ذلك، أدى فوز ترامب الانتخابي إلى تعليق قضيته المالية الصامتة في نيويورك. وربما ستنتهي هذه القضية أيضاً.
لم تتمكن التهم الموجهة إلى ترامب -أربع تهم جنائية، وحتى الآن أربع وثلاثون إدانة جنائية- من منع انتخابه رئيساً للولايات المتحدة.
كيف استطاع الإفلات؟ من الناحية القضائية، قررت المحكمة العليا الصيف الماضي أن الرؤساء يتمتعون بحصانة معينة عندما يتعلق الأمر بالأفعال الرسمية أثناء وجودهم في المنصب. وكتب رئيس المحكمة العليا، روبرتس، في القرار الذي أقرّته الأغلبية: "الرئيس ليس فوق القانون"، كما صرح روبرتس، ثم أضاف، "ولكن لا يجوز للكونغرس تجريم سلوك الرئيس على تنفيذ مقتضيات مسؤوليات السلطة التنفيذية بموجب الدستور".
اختلفت القاضية سونيا سوتومايور مع قرار الأغلبية وقابلته بمعارضة حادة. وكتبت سوتومايور للقضاة الليبراليين الثلاثة في المحكمة، أن حكم الحصانة الذي مررته الأغلبية "يجعل أضحوكة من المبدأ، الذي يشكل الأساس لدستورنا ونظام حكمنا، القاضي بأنه ليس هناك أحد فوق القانون". وجادلت في معارضتها بأنه من خلال حظر تجريم سلوك الرئيس، فإن أغلبية المحكمة تضع الرئيس فوق القانون. وعارضت القاضية قرار الأغلبية بحدّة قضائية غير عادية: "محكمة اليوم... استبدلت افتراضاً أساسياً هو المساواة أمام القانون بافتراض أن الرئيس فوق القانون في جميع أفعاله الرسمية".
وعبرت سوتومايور عن أكثر من مجرد انتقاد رأي تقره الأغلبية ويضع الرئيس "فوق القانون"، وكتبت: "تخلق المحكمة فعلياً منطقة خالية من القانون حول الرئيس". و"المنطقة الخالية من القانون" هي المكان الذي لا توجد فيه أي قوانين؛ لا يوجد فيه شيء ليتم جاوزه من الأساس.
ثمة "مناطق خالية من القانون" توجد أيضاً في أماكن خارج واشنطن. في الآونة الأخيرة، أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، متهمة إياه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة. (أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أيضاً مذكرة توقيف بحق قائد في "حماس"، وسابقاً بحق الرئيس الروسي بوتين).
ماذا كان رد الفعل على اعتبار المحكمة رئيس وزراء إسرائيل مذنبًا بانتهاك القانون الدولي؟ "اليوم هو يوم مظلم في تاريخ البشرية، المحكمة الدولية في لاهاي التي تم إنشاؤها من أجل حماية الإنسانية أصبحت اليوم عدواً للبشرية". هكذا أعلن نتنياهو من دون أن يقدم أي مبرر قانوني لكيفية دفاعه عن تصرفات إسرائيل، ومن دون أي احترام لاتفاقيات جنيف التي تحدد التزامات الدول في أوقات الصراع.
والولايات المتحدة؟ "مهما يكن ما قد تعنيه المحكمة الجنائية الدولية، فإنه لا يوجد تكافؤ -لا شيء منه على الإطلاق- بين إسرائيل وحماس"، هذا ما قاله الرئيس بايدن دعماً لنتنياهو. وتابع: "سوف نقف دائماً إلى جانب إسرائيل ضد التهديدات التي تهدد أمنها"، من دون أي إشارة قانونية أيضاً. الوقوف دائماً إلى جانب إسرائيل عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق نتنياهو بسبب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها، وقول محكمة العدل الدولية أن إسرائيل ترتكب "إبادة جماعية من المعقول اعتبارها كذلك"؟
هل يعني هذا أن الأمر لا يقتصر على أن إسرائيل فوق القانون فقط، وإنما أيضاً أن تصرفات إسرائيل في غزة ولبنان هي جزء من "منطقة خالية من القانون"؟
ولا تُنتهك اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني في الشرق الأوسط فقط. ثمة مناطق أخرى من العالم توجد فيها هي الأخرى انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني: كتب البروفيسور أندرو كلافام Andrew Clapham من "معهد جنيف للدراسات العليا" مؤخراً: "هناك ممارسات القتل والتعذيب والعنف الجنسي المستمر، التي تُمارس ضد أولئك الذين يجب حمايتهم، وقصف للمؤسسات التي يجب احترامها". وتابع: "إننا نرى إخفاقات متكررة في احترام المدارس والمستشفيات، مع ما ينطوي عليه ذلك من آثار مدمرة".
على مستوى أكثر عمومية، جادل كلافام Clapham في كتابه "الحرب" War، (مطبعة جامعة أكسفورد)، بأن فعل الحرب في ذاته يخلق منطقة خالية من القانون. وكتب: "غالباً ما تعمل فكرة الحرب على إضفاء الشرعية على شيء كان من الممكن، بخلاف ذلك، أن يكون غير قانوني. عادة ما يكون قتل الناس محظوراً؛ عادة ما يكون تدمير الممتلكات شيئاً يجب المعاقبة عليه أو التعويض عنه؛ عادة ما يكون الاستيلاء على الممتلكات سرقة؛ وحبس الناس يجب تبريره من خلال إجراءات واضحة ومفصلة. ولكن عندما يمكن للمرء أن يحتج بأن "هناك حرب تجري"، فإن التبريرات لأفعال القتل والتدمير والاستيلاء والاعتقال تصبح بديهية على ما يبدو".
ألا توجد حدود لما يمكن أن تفعله الأطراف المتحاربة؟ هل أصبحت مناطق الحرب "مناطق خالية من القانون"؟
من الأمثلة الحديثة على وجهة نظر البروفيسور كلافام بشأن الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي شحن الألغام الأرضية المضادة للأفراد من الولايات المتحدة إلى أوكرانيا. في الوقت الحالي، صدقت 164 دولة على معاهدة تحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد -أو انضمت إليها- بما في ذلك أوكرانيا. وباستخدامها الألغام الأرضية، تنتهك أوكرانيا بشكل واضح التزاماتها بموجب المعاهدة. (يجب أيضاً أخذ تواطؤ الولايات المتحدة في هذا الانتهاك في الاعتبار).
هل يؤدي الانتهاك المستمر للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي إلى إضعافهما إلى حد يفقدهما شرعيتهما؟ إذا كانت هناك انتهاكات يومية تُرتكب في جميع أنحاء العالم، فما هي قيمة المعاهدات والاتفاقيات عندما يفلت المخالفون من العقاب من دون إحداث تغيير في سلوكهم؟ (لا يشكل خفض إمكانيات السفر لبوتين تغييراً جوهرياً في سلوكه).
ما هي قيمة سيادة القانون اليوم؟ إذا كان القانون هو الفاعل اللطيف الذي يضفي التحضُّر، بمعنى الاستخدام الشائع للمؤرخ القانوني الفنلندي مارتي كوسكينيمي Martti Koskenniemi للعبارة، هل نحن بصدد القفز عن اللطف؟ ربما نشهد المزيد والمزيد من الأماكن الاستثنائية، مثل المناطق المعفاة من الضرائب، أو الموانئ الحرة، أو المناطق الاقتصادية الخاصة، أو مناطق التجارة الخارجية أو المدن المستأجرة، التي يجب تسميتها الآن "مناطق خالية من القانون". (هناك أيضاً "مناطق حرة لحقوق الإنسان" لطالبي اللجوء الذين تقطعت بهم السبل في مانوس وناورو). كل هذه الأماكن هي استثناءات من الممارسات المعيارية.
في كثير من الحالات، يكون القانون فكرة خيالية، على حد تعبير لون فولر Lon Fuller. عندما يتم انتهاك القوانين باستمرار، مع عدم تغيير المنتهكين سلوكهم أو معاقبتهم، هل تكون القوانين موجودة بالفعل؟ إذا لم يتم تطبيق القوانين، هل تظل مجرد شيء متخيل؟
يُظهر مفهوم "المناطق الخالية من القانون" الواقع المتنامي الذي يقف خلف الخيال القانوني. إننا نشهد اتجاهاً متزايداً داخل الولايات المتحدة وخارجها للمسؤولين والشركات نحو العمل خارج المعايير القانونية المقبولة. عندما يتعلق الأمر بـ"المناطق الخالية من القانون"، سرعان ما تصبح "حالة الاستثناء" التي تحدث عنها جورجيو أغامبين Giorgio Agamben هي الطبيعي الجديد.
*دانيال وارنر Daniel Warner: مؤلف كتاب "أخلاقيات المسؤولية في العلاقات الدولية"An Ethic of Responsibility in International Relations. (لين رينر). يقيم في جنيف.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Trump, International Norms and the Growth of .Law-Free Zones
0 تعليق