ذوو الإعاقة.. 20 مبادرة ذاتية لتغيير واقعهم

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان - "التغيير حاجة مستمرة ومُلحة، لكنه لا يتحقق إلا بظهور الأفراد أنفسهم ومشاركتهم بشكل فعال".. هكذا وصف مهند العزة، الأمين العام للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، أهمية الحملات والمبادرات التي يقودها ذوو الإعاقة ودورها في إحداث تغييرات ملموسة على واقعهم. اضافة اعلان
وكانت حملة "تكافؤ" عام 2009 نموذجا على كيفية تحويل الحاجة والإصرار من أفراد إلى تغيير مجتمعي ملموس، عبر العمل الجماعي المنظم.
ويصل عدد الأشخاص من ذوي الإعاقة في الأردن إلى 1.25 مليون شخص بنسبة تشكل 11.2 % من إجمالي سكان المملكة؛ بحسب آخر إحصائيات المجلس، ورغم وجود قوانين تكفل حقوقهم في التنقل، والبيئة المهيأة، والتعليم، فإن التحديات اليومية التي يواجهونها تعكس فجوة واضحة بين النصوص القانونية والتطبيق.
وهذا الأمر دفع بعضهم لتشكيل مجموعات منظمة من ذوي الإعاقة أو أهاليهم ؛ لغايات تتعلق بتفعيل قوانين أو تغييرها أو التعامل مع انتهاكات يتعرضون لها، أو تهيئة البيئة لهم، وتقديم الدعم النفسي للأهالي والتعريف بحقوقهم وكيفية التواصل معهم.
وخلال إعداد هذا التقرير، رصدنا 20 مبادرة وحملة لخدمة ذوي الإعاقة في مختلف مناطق المملكة، 7 منها تتعلق بحملات طويلة المدى، في حين تركز غالبية المبادرات على تقديم الخدمات الرعائية أو تتعلق بأيام عالمية خاصة بهم، وتنتهي حال انتهاء هذه الأيام، ونستعرض هنا بعضا من هذه الحملات التي أحدثت تغييرا على المدى الطويل أو ساهمت بتغيير حياة ذوي الإعاقة على الرغم من المعيقات التي تؤثر على اندماجهم في المجتمع.
الاحتجاج وحده لا يكفي
"اكتشفنا في أنفسنا قدرات لم نكن نتوقعها"، هكذا تلخص رشا عبد اللطيف، عضو حملة "تكافؤ"، تجربة الحملة التي قادها ذوو الإعاقة لتغيير قوانين وتعديل الدستور عقب انتخابات 2010. وحملة تكافؤ لم تكن مجرد احتجاج، بل كانت نموذجا لتحويل الشعور بالإقصاء إلى فعل قادر على تحقيق أهداف ملموسة. 
وانطلقت حملة تكافؤ خلال التحضير لانتخابات مجلس النواب عام 2010، من قبل مجموعة من الأشخاص ذوي الإعاقة؛ للمطالبة بتهيئة مراكز الاقتراع وتزويدها بالمنحدرات، ومترجمي لغة الإشارة، ووضع صناديق الاقتراع على ارتفاعات بسيطة يسهُلُ الوصول إليها من قبل مستخدمي الكراسي المتحركة. 
وكان الانتخاب يتم وفق قاعدة انتخاب الأشخاص الأميين، إذ يدخل ذو الإعاقة البصرية ويهمس بأذن رئيس اللجنة باسم الشخص الذي يريد التصويت له، ويكتب رئيس اللجنة اسم المترشح ويعرضه على شخصين من اللجنة، ليتأكدا من كتابته الاسم بشكل صحيح، ثم يوضع الاسم في الصندوق، وهو ما يشكل انتهاكا لحقهم بالاستقلالية والاندماج الفعال في المجتمع.
وتم بالفعل تعديل قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتنص الفقرة (أ) من المادة (44) للقانون رقم (20) لسنة 2017: "مع مراعاة ما ورد في التشريعات النافذة، لا يجوز حرمان الشخص أو تقييد حقه في الترشح أو الاقتراع في الانتخابات النيابية أو البلدية أو النقابية أو أي انتخابات عامة، على أساس الإعاقة أو بسببها".
وتنص الفقرة (ب) من المادة نفسها على: "تلتزم الهيئة المستقلة للانتخاب، وفقا لتعليمات تنفيذية تصدرها بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، بتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من ممارسة حقهم الانتخابي بسرية واستقلال، من خلال توفير الترتيبات التيسيرية المعقولة وإمكانية الوصول، بما في ذلك توفير مراكز اقتراع مهيأة ومترجمي لغة الإشارة، وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الاقتراع بوساطة مرافقيهم".
كما تم تعديل النقطة (5) للمادة رقم (6) في الدستور الأردني لتصبح: "يحمي القانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ويعزز مشاركتهم واندماجهم في مناحي الحياة المختلفة، كما يحمي الأمومة والطفولة والشيخوخة ويرعى النشء، ويمنع الإساءة والاستغلال"، وتوقفت الحملة عن نشاطاتها بعد 3 سنوات من انطلاقها.
الدعم المادي  والاستمرارية
"الدعم المادي ليس مفتاح الاستمرارية"، بهذه الكلمات يوضح أحمد سواعي، عضو فريق مبادرة "مطر" للمكفوفين، ويقول إن الحلول المبتكرة والتنظيم الذاتي هي السر وراء استمرار المبادرات. 
ويتابع أن المشاريع المعتمدة على التمويل تتوقف إذا توقف التمويل المالي لها، وهو ما دفعهم لاقتراح أن يكون مشروعهم غير مرتبط بالمال أو الممول وذلك لضمان استمراريته وتقديم أكثر فائدة ممكنة للطلاب المكفوفين.
وتتفق المديرة التنفيذية لمؤسسة أهل للتنظيم المجتمعي، ريم مناع، مع أحمد، إذ تؤكد أن ضمان استمرارية العمل في التنظيم المجتمعي لا تُقاس بعمر الحملة أو حجم تمويلها، بل بقدرتها على بناء قيادة قوية من أصحاب القضية أنفسهم. 
وتضيف مناع إن نجاح الحملة لا يقاس بمجرد تحقيقها هدفها أو مطلبها المحدد، بل يكمن في مدى قيام الحملة بتفعيل قيادة أصحاب القضية عبر تكتيكات منظمة وتصاعدية، قائلة: "بذلك نكون قد ساهمنا بخلق رافعة شعبية قادرة على مراقبة تطبيق التغيير، وضمان استمرارية الحق كأولوية، بغض النظر عن تبدل صانعي القرار أو تقلبات التمويل".
وتتابع: "إن التغيير الذي لا يبني قوة أصحاب القضية ويضمن تطور القيادة تشاركيا، هو تغيير لحظي، ويظل هشا أمام تغير الظروف".  وتأسست مبادرة مطر عام 2013، بهدف دعم المكفوفين عبر توفير مواد تعليمية وتثقيفية، مثل؛ الكتب الصوتية والنصوص المقروءة التي يمكن تحويلها إلى صوت عبر قارئ الشاشة.
وحولت المبادرة أكثر من 2500 كتاب إلى تسجيلات صوتية أو نصوص يمكن لقوارئ الشاشة قراءتها، وبالتالي تهيئتها للطلبة المكفوفين وتمكينهم من دراستها، وإنتاج نحو 200 كتاب شهري.
ووصلت المبادرة إلى المكفوفين في 16 بلدا عربيا، حيث تم تسجيل وطباعة منهاج التوجيهي الأردني بشكل كامل، إضافة إلى مئات الكتب الأكاديمية والثقافية، بالإضافة إلى أكثر من 30 ألف متطوع من حول العالم لتذليل صعوبات التعلم أمام المكفوفين، من دون أن يضطروا لدفع مبالغ باهظة لشراء كتب "بريل"، وترجمة المواد الأكاديمية لـ4 لغات "العربية، الإنجليزية، الفارسية، الفرنسية" للمكفوفين.
ولم يتوقف الأمر هنا بل تم افتتاح مقهى في محافظة إربد شعاره "قهوة كتاب وأكثر"، حيث تسهم أرباحه في تمويل المشروع في ظل ضعف التمويل الخارجي.
وأطلق المشروع تطبيقا للهواتف الذكية يسمح للمكفوفين بطلب الكتب التي يحتاجونها وتحويلها إلى ملفات صوتية أو مطبوعة، إضافة إلى تسهيل تواصلهم مع مرافقين محليين.
وعن هذا الجهد، يوضح سواعي الذي أمضى 8 سنوات مع المشروع، بأن المستفيدين من "مطر" هم مكفوفون في الأردن واليمن وسورية والعراق، وغيرها من الدول التي ما تزال تحاول تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها، وتفتقر لخدمات ذوي الإعاقة، موضحا "هنا دور المشاريع التطوعية أو المؤسسات الأهلية في توفير هذه الخدمات". وواجه المشروع تحديات تمثلت بالوصول للمكفوفين، ومعرفة كيفية التواصل معهم، إضافة إلى اعتماده بشكل كامل على التطوع، والتزام المتطوعين بذلك.
وفي السياق نفسه، تقول ريم إن استثمار أهل القضية في مواردهم الموجودة أصلا، مثل قصصهم التي تشكل جوهر الشعور بالإلحاح للتغيير، بدلا من انتظار موارد مؤسساتية وتمويلات، يساهم في حصول أول استعادة للشعور بالقوة والمقدرة لدى أهل القضية.
ذوو الإعاقة يقودون التغيير
عام 2012، نظم طلبة في الجامعة الأردنية حملة "صار وقتها"؛ للمطالبة بحقوق الطلبة ذوي الإعاقة في التعليم، على أساس تكافؤ الفرص والمساواة مع الآخرين، من دون أي شكل من أشكال التمييز أو الإقصاء، وضمت طُلابا من ذوي الإعاقة ومن غيرهم.
بدأت الحملة بهديل أبو صوفة، التي كانت تدرس تخصص التغذية - آنذاك- وهي واحدة من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، وعند التحاقها بالجامعة، واجهت صعوبات كبيرة؛ إذ كان عليها البحث عن منحدرات للوصول إلى قاعات المحاضرات، وأحيانا تطلب من زملائها حملها إلى المختبرات لغياب المصاعد المخصصة.
تقول أبو صوفة في إحدى مقابلاتها الصحفية: "اعتدت أن أنتظر مساعدة الطلاب؛ لأصل إلى محاضراتي في الطابق العلوي"، وتضيف: "كان من الصعب استخدام حاسوب الجامعة؛ لأن الطاولات غير مُفرغة من الداخل".
وتمثلت مطالب الحملة؛ بتوفير التهيئة البيئية المادية للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية مثل؛ دورات المياه والمنحدرات، وتهيئة قاعات المحاضرات والمختبرات، وتوفير الترتيبات التيسيرية للأشخاص ذوي الإعاقة البصرية المتعلقة بتوفير المواد الدراسية بأشكال مهيأة، واستخدام الحاسوب الناطق ومكبر الشاشة في قراءة أسئلة الامتحانات والإجابة عنها بمفردهم.
إضافة إلى تعيين مترجمي لغة إشارة مؤهلين، وتوفير بيئة ووقت مناسب للطلبة الصم لفهم محتوى المحاضرات وتدوينها وطرح الأسئلة، ووضع إشارات وشواخص ارشادية بلغة الإشارة والصور، لتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية من التنقل والوصول إلى مرافق الجامعة ومبانيها المختلفة.
وعام 2014 استجابت الجامعة لمطالب الحملة، وتمت تهيئة 21 دورة مياه، ومنحدرات في معظم الأماكن، ومكتبة تسجيل صوتي للمكفوفين، ومختبر حاسوب مهيأ وجاهز، وزيادة عدد مترجمي الإشارة، ومصاعد في مختلف الكليات.
وتصف أبو صوفة تحقيق مطالبهم بقولها: "شعرنا بأن لنا صوتا، وأننا قوة يلتفت لها صناع القرار ويتجاوبون معها".
أهمية الحملات والمبادرات 
تبقى قصص الحملات الناجحة مثل "تكافؤ"، و"مطر"، و"صار وقتها" شاهدا حيا على أن العمل الجماعي المنظم يمكن أن يتجاوز العقبات. 
وهذه التجارب تؤكد أن القوة الحقيقية لا تكمن في الموارد، بل في إيمان الأفراد بقضيتهم وقدرتهم على العمل معا لتحقيق التغيير، وقد لا يكون الطريق سهلا، فكل مجموعة تواجه تحدياتها لكن إيمانها بقدرات ناسها وعدم اعتمادها على من ينقذها يدفعها لإنجازات أكبر.
كيف نخطو نحو تنظيم أكبر وأعمق؟
يبقى السؤال هنا، كيف يمكن أن يبني المجتمع المدني الأردني على التجارب السابقة والنجاحات التي تمت بقضية ضمان حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة، بحيث ننتقل لتغيير أعمق وأكبر، وكيف تنتبه لتجاوز تحديات مرت بها التجارب السابقة.
يقول الناطق الإعلامي باسم المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رأفت الزيتاوي إن الجمعيات غير مؤهلة لحملات كسب التأييد، وهو ما يجعلها مؤسسات رعائية ترتبط بمطالب آنية، وتنتهج النهج الرعائي لا الحقوقي.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق