الجانب المخفي من تقرير "المحاسبة".. هل انخفض الاهتمام بالحديث عن الفساد؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
عمان- لم يكشف تقرير ديوان المحاسبة لعام 2023، الذي صدر مؤخرًا العديد من المخالفات الإدارية والمالية في معظم المؤسسات الحكومية فحسب، بل وأشار إلى ثلاث قضايا مهمة مختلفة الاتجاهات، ولا يمكن تجاوزها دون طرحها للنقاش العام.اضافة اعلان
وسجل تقرير ديوان المحاسبة للعام الفائت (4883) مخالفة وملاحظة في عمل المؤسسات الحكومية والشركات التي تملك الحكومة أكثر من (50 %).
ولفت إلى تحويل (11) مخالفة إلى القضاء، و(21) مخالفة إلى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، مقابل إصدار (93) قرار استرداد أموال، و(40) قرار تحصيل.
وبلغت نسبة استجابة المؤسسات للمخالفات والبنود التي تضمّنتها المخرجات الرقابية بلغت نحو 48 %.
ورغم الكم الهائل من المخالفات والتي انخفضت عن العام الذي قبله، إلا أن الأردنيين استقبلوا التقرير على غير العادة، إذ كان النقاش أهدأ من ذي قبل، وعلى هامش القضايا الكثيرة المطروحة على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة في ظل استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة وما يحدث شمالًا في سورية.
وجاء تفاعل الشارع الأردني مع تقرير 2023، بحماسة أقل من المعتاد، وهو ما ظهرّ جليّا للعلن، ما يعني أن الأمر الأول الذي كشفه التقرير؛ هو قلة حماسة الأردنيين بالحديث عن الفساد بعد سنوات طويلة، وهو ما وصفته الأمين العام لحزب العمال، رولى الحروب، بـ"ارتفاع عتبة الإحساس" لدى الأردنيين، وذلك بسبب كثرة قضايا الفساد التي سمع عنها المواطن.
وتشير الحروب في تصريح لـ"الغد" إلى أن قضايا الفساد لم تعد تجذب الشارع الأردني كما قبل، ما لم تكن القصة جاذبة بالأساس، إضافة إلى تراجع الحديث عن قضايا الفساد بكافة مستوياته في وسائل الإعلام المحلية، وهي توجه الرأي العام عمومًا.
وتؤكد أن المواطن يشعر بأن الحديث عن الفساد أو كشف القضايا لم يعد يقنعه بجدية مكافحته بالشكل المطلوب، وهو ما يكشفه تعامل المواطنين بمعاملاتهم الرسمية داخل المؤسسات الحكومية سواء البلديات أو المستشفيات أو الوزارات، إذ يبدأ زائر أي مؤسسة بالبحث عن "واسطة" لمساعدته في السير بإجراء معاملته التي لا تحتاج شيئا بالأساس.
وبحسب التقرير، فإن أكبر عدد من البنود التي تضمنتها المخرجات الرقابية (الملاحظات) حدثت في الشركات التي تملك الحكومة (50 %) فأكثر من أسهمها، حيث رصدت تسجيل (949) ملاحظة في تلك الشركات ولم تتجاوز نسبة الاستجابة مع ملاحظات ديوان المحاسبة    48 %).
 وحلّت البلديات في المرتبة الثانية من حيث عدد البنود التي تضمّنتها المخرجات الرقابية وبواقع (866) بندا، وبلغت نسبة الاستجابة (36 %) فقط.
وجاءت الوزارات في المرتبة الثالثة من ناحية عدد البنود التي تضمّنتها المخرجات الرقابية للديوان وبواقع (475) بندا، فيما كانت نسبة استجابة الوزارة لتصويب تلك البنود منخفضة ولم تتجاوز (32 %).
إذن، يتعامل الأردنيون مع ما أطلق عليه الفقه الغربي تسمية (جرائم الصفوة) أو (جرائم ذوي الياقات البيضاء)، وهي القضايا التي ترتكب من أفراد يحتلون مكانة اجتماعية عالية حيث يستغلون سلطتهم لخرق القوانين والتنظيمات، وهو توصيف من الخبير في البنك الدولي دانيال كوفمان، حيث أسماه "الاستحواذ على المؤسسات من خلال شبكات فساد هرمية"، وهو ما أظهرته المخالفات التي تناولها التقرير، التي ظهرت في أغلب المؤسسات وعلى مدار سنوات مضت، وما تزال القضايا قيد المتابعة، وهو الأمر الثاني الذي يؤكده التقرير والذي ليس بجديد أن الأردنيين يتعاملون مع "فساد هرمي".
و"الفساد الهرمي"، الذي يتدرج من الموظف البسيط للإدارات العليا، إذ إن كلا منهم يمارس الفساد على مستوى المنصب والمحيط الذي يوجد فيه، بدرجات متفاوتة، وهو يضع مشروع تحديث القطاع العام "التحديث الإداري" على المحك ويتضارب معه بشكل مباشر، وهو الأمر الثالث الذي يشير إليه التقرير.
ما سبق يتفق معه، وزير تطوير القطاع العام الأسبق ماهر المدادحة، الذي يؤكد أن النتائج الملموسة لتحديث القطاع العام تحتاج إلى عقد من الزمن.
ويقول المدادحة لـ"الغد" إن تقرير ديوان المحاسبة بمثابة مؤشر للحكومة يجب العمل عليه وتصويب الملاحظات والعمل على عدم تكرارها لأن ذلك يختصر الكثير من الوقت للوصول لقطاع عام متمكن.
ومشروع تحديث المنظومة وفق الحكومة، يشمل ثلاثة محاور رئيسة معنية تركز على خدمة المواطن وأصحاب العلاقة، والمتعاملين مع القطاع العام من الأفراد والمؤسسات، لتحقيق الهدف الأسمى بالوصول الى "قطاع عام ممكن وفعال يعمل كوحدة واحدة لتنمية الأردن وتحقيق الرفاه للمواطنين".
وردا على سؤال بأن المخالفات التي وردت في تقرير ديوان المحاسبة 2023، ستحد من مسار التحديث الإداري، يقول متخصص في الشؤون القانونية، سيف الجنيدي: "أجد أنه حكم مسبق وعام؛ فالتحديث بمساراته الثلاثة اليوم يحظى برعاية ملكية باعتباره مشروع الدولة وغايتها للبناء والتحديث".
ويضيف الجنيدي لـ"الغد" أنه "ينبغي أن نفكر ونعمل ونخطط بمسار يساند رؤى التحديث، وأن نعتبر الشفافية في رصد المخالفات وتوثيقها خطوة في الاتجاه الصحيح، وأن نبحث بوعي وتكاتف حول آلية التعامل مع مخرجات التقرير من قبل الحكومة ذاتها ومجلسي النواب والأعيان، والإعلام، ومؤسسات المجتمع المدني، للحد من المخالفات وصولاً إلى بلوغ الفعالية في القطاع العام".
ويشير إلى أنه "من واجب الحكومة تعزيز استقلالية ديوان المحاسبة، وتنمية الوعي المعرفة القانونية بالأنظمة والتعليمات المالية والإدارية في القطاع العام، فليس كل من يرتكب مخالفة هو سيئ النية، فربما ارتكاب المخالفة مؤشر على عدم المعرفة القانونية."
وكان الأردن احتل المرتبة 61 من بين 142 دولة على مؤشر سيادة القانون الذي أصدره برنامج العدالة العالمية في شهر تشرين الأول الماضي.
وبيّن المؤشر أن الأردن كان من بين 59 دولة أحرزت تقدما على مستوى العالم في مكافحة الفساد خلال 2023 - 2024.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق